في ظلال النيل أحلام صحفيين تتلاشى ..!!؟؟
في خضم الحرب الدائرة في السودان ، حيث تتناثر أنباء الدمار والتشريد ، تبرز قصة أربعة صحفيين سودانيين وجدوا أنفسهم في مأزق آخر ، بعيداً عن أرضهم التي مزقتها الصراعات ، قصة تسلط الضوء على المعاناة التي يواجهها الصحفيون في مناطق النزاع ، وعلى التحديات التي تواجه اللاجئين ، وعلى هشاشة حقوق الإنسان في ظل الأزمات ، كنت أجلس في المقهى المتواضعة التي ارتادها بالقاهرة ، أتصفح الأخبار على هاتفي ، حين وقعت عيني على عنوان صارخ : “مراسلون بلا حدود تحذر من ترحيل 4 صحفيين سودانيين من مصر”، شعرت بقشعريرة تجري في عروقي ، وكأنني أنا من سُجن في ذلك المركز البائس ، تذكرت أيام الحرب في السودان ، كيف كانوا يعملون ليل نهار لنقل الحقيقة إلى العالم ، وكيف كنا نخشى على حياتهم في كل لحظة ، لكنني لم أتخيل يوماً أن أجد نفسي في هذا الموقف ، لاجئاً في بلد أجنبي ، أخشى على مستقبلي ومستقبل زملائي ، أربعة صحفيين ، شجعان وموهوبون ، كانوا قد فروا من جحيم الحرب بحثاً عن الأمان ، كانوا يحلمون بمواصلة عملهم الصحفي ، ولكن القدر كان لهم بالمرصاد ، اعتقلوا وهم يؤدون واجبهم المهني ، وحُرموا من حريتهم ، وباتوا مهددين بالترحيل إلى بلد يشتعل فيه النيران ، تخيلت معاناتهم في ذلك السجن العسكري بأسوان ، كيف كانوا يقضون ساعات طويلة في الزنزانات المظلمة ، وكيف كانوا يتساءلون عن مصيرهم ، تخيلت كيف كانوا يشعرون بالخوف واليأس ، وهم يرون أحلامهم تتلاشى أمام أعينهم ، كنت أتابع أخبارهم بقلق بالغ ، وأتساءل عن سبب هذا الإصرار على ترحيلهم ، لماذا لا يتم منحهم حق اللجوء ، وحمايتهم من الأخطار التي تهددهم؟ لماذا يتم معاملتهم بهذه القسوة ، وهم لم يرتكبوا أي جريمة سوى ممارسة مهنتهم؟ أدركت أن قصتهم ليست قصة فردية ، بل هي قصة آلاف اللاجئين الذين يفرون من الحروب والاضطهاد ، ويبحثون عن ملجأ آمن ، وهي قصة الصحفيين الذين يعملون في ظروف صعبة ، ويتعرضون للخطر من أجل إيصال الحقيقة إلى العالم ، أدعو الله أن يتم الإفراج عن زملائي الصحفيين ، وأن يعودوا إلى أوطانهم سالمين غانمين ، وأدعو المجتمع الدولي إلى الضغط على السلطات المصرية لوقف عمليات الترحيل ، وحماية حقوق اللاجئين ، إن قضية هؤلاء الصحفيين هي قضيتنا جميعاً ، وهي قضية الحرية والعدالة والإنسانية ، لننسى أبداً أن الصحافة هي صمام الأمان للمجتمعات ، وأن حماية الصحفيين هي حماية للحقيقة ، ففي خضم الظلام الذي يلف العالم ، يجب أن نبقى على أمل أن ينتصر النور ، وأن يعيش الجميع في سلام ورخاء .. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن اوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي : سأحاول في هذه القصة أن أسرد أحداثاً عايشتها في أرض الكنانة ، مصر الحبيبة ، وهي أحداثٌ عصفت بي كلاجئٍ سياسي ، وجعلتني أدرك معنى الظلم والقهر ، وأقدر في الوقت نفسه معاني الكرم والعطاء التي وجدتها لدى بعض أبناء هذا البلد الشقيق ، “كنتُ حينها لاجئاً سياسياً في مصر ، أرتوي من نيلها، وأستظل بظلال أهرامها ، كنتُ أبحث عن ملجأ آمنٍ أبعث فيه أنفاسي ، وأمارس حقي في التعبير عن رأيي ، ولكني لم أكن أعلم أنني سأتعرض لمواقف صعبة ، وأنني سأحتاج إلى أن أطلب العون من سفارة بلدي ، كان ذلك حينما كنتُ أعيش في الإسكندرية ، تلك المدينة الجميلة التي سرعان ما تحولت إلى سجنٍ بالنسبة لي ، فقد تعرضت لمضايقاتٍ وتهديداتٍ من قبل أحد ضباط أمن الدولة المصريين ، الذي كان يحمل لي ضغينةً شخصية ، ولا أجد سبباً واضحاً لذلك سوى انتقادي لنظام الحكم في بلدي ، شعرتُ بالظلم والقهر ، فقررتُ أن أكتب مقالاً أفضح فيه ما تعرضت له في مصر ، وخاصةً في الإسكندرية ، وقد وصل هذا المقال إلى علم سعادة السفير السوداني في مصر ، الدكتور عبدالمحمود عبد الحليم ، لم يتردد سعادة السفير في الاتصال بقنصل السودان في الإسكندرية ، الدكتور محمد صغيرون ، وطلب منه متابعة أمري والتأكد من سلامتي ، ولكن للأسف ، لم يجد القنصل أي تجاوب من ضابط أمن الدولة ، الذي استمر في مضايقاته لي ، أدركتُ حينها أنني أخطأتُ عندما طلبتُ المساعدة من السفارة السودانية ، فإقامتي في مصر كلاجئ سياسي هي مسؤولية مفوضية الأمم المتحدة ، وليس من حق السفارة التدخل في شؤوني الشخصية ، وقد استغل ضابط أمن الدولة هذا الأمر ، وصار يتوعدني ويهددني بالطرد من مصر إذا لم أتوقف عن الكتابة ، ذات يوم ، اتصل بي ضابط أمن الدولة وطلب مني أن أتوقف عن الكتابة عن الشأن السوداني ، وحذرني من أنني أؤذي العلاقات بين السودان ومصر ، فقلت له : “أنا أكتب عن الشأن السوداني فقط ، ولا أتدخل في الشؤون الداخلية لمصر”، فرد علي ببرود : “السودان دولة شقيقة لمصر ، وانتقادك لحكومتها يعني انتقاداً لمصر”، لم يتوقف تعنت ضابط أمن الدولة عند هذا الحد ، بل زاد الأمر سوءاً عندما كنتُ أقضي إجازة عيد رمضان في مدينة الأقصر ، ففوجئت بقدوم قوة من أمن الدولة إلى الفندق الذي أقيم فيه (فندق نوبل بساحة المعابد) ، وقاموا بتفتيش غرفتي وأمتعتي وهاتفي واعتقلوني لساعات ، ثم طلبوا مني مغادرة المدينة فوراً ، لقد شعرتُ بالخوف والرعب ، ولكنني في الوقت نفسه شعرتُ بالفخر لأنني دافعت عن حقي في التعبير عن رأيي ، حتى لو كان ذلك على حساب سلامتي، وقد تعلمت من هذه التجربة الكثير ، وأدركت أن الظلم موجود في كل مكان وأن النضال من أجل الحرية والكرامة هو واجب على كل إنسان حر”..
Frankly, I realized that injustice exists everywhere, and that the struggle for freedom and dignity is the duty of every free person.
وعلى قول جدتي : “دقي يا مزيكا !!”.
خروج : “صرخة السودان في وجه العالم” ففي خضم عاصفة الحرب التي اجتاحت سماء السودان ، وزلزلت أركان هذا البلد العريق ، ارتفعت صرخة استغاثة من أعماق الجرح السوداني ، لتصل إلى مسامع العالم أجمع ، صرخة تحمل في طياتها معاناة شعب بأكمله ، وشوقاً إلى السلام والوئام ، في يوم الأمم المتحدة ، وفيما كان العالم يحتفل بمنجزات التعاون الدولي ، كان السودان يعيش كابوساً حقيقياً ، حرب طاحنة اندلعت في أرجائه ، شردت الملايين ، ودمرت البنية التحتية ، وأزهقت أرواح الأبرياء ، في هذا الظرف الدقيق ، توجهت أنظار الشعب السوداني شوقاً إلى الأمم المتحدة ، تلك المنظمة الدولية التي حملت على عاتقها مسؤولية حفظ السلام وحماية المدنيين ، فقد أعلنت الأمم المتحدة التزامها الراسخ ببناء جسور السلام في السودان ، مؤكدةً أن السودانيين يتطلعون إليها وللعالم أجمع لدعم جهودهم الرامية إلى تحقيق السلام وإعادة بناء حياتهم ، ودعت المنظمة إلى مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين ، وتوفير سبل العيش لهم ، كما وجهت الأمم المتحدة نداءً عاجلاً إلى أطراف الصراع لوقف الأعمال العدائية فوراً ، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني ، وحثت المجتمع الدولي على دعم الحوار السياسي الهادف ، وتهيئة الأجواء لإعادة بناء السودان ، أخيرا : إن معاناة الشعب السوداني تستحق من العالم أجمع وقفة صامتة ، تليها خطوات عملية لدعمه في محنته ، فالسودان ، هذا البلد الذي تزخر أرضه بتاريخ وحضارة عريقتين ، يستحق أن يعيش في سلام ورخاء ، وإن آمال الشعب السوداني معلقة على ما ستقوم به الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في المرحلة المقبلة ، فهل يستجيب العالم لهذه الصرخة الإنسانية؟ وهل سيتكاتف الجميع لتقديم العون والمساعدة للشعب السوداني؟ أم أن هذا البلد سيبقى أسير الصراعات والحروب؟ إن التاريخ سيسجل موقف كل دولة وشخص تجاه هذه الأزمة الإنسانية ، وسيكشف لنا مدى التزامنا بالقيم الإنسانية والمبادئ السامية التي نؤمن بها..
#أوقفوا الحرب
ولن أزيد ،، والسلام ختام.
المصدر: صحيفة الراكوبة