في شهرها ال ٢١ وقف الحرب وعدم إعادة انتاجها
تاج السر عثمان
١. تدخل الحرب اللعينة شهرها ال ٢١ ، مع استمرار الدمار والماسي الانسانية ، والتدخل الخارجي بتسليح طرفي الحرب ، واخره التدخل التركي لاعادة إنتاج التسوية التي تتيح الإفلات من العقاب ، وإعادة إنتاج الشراكة مع الدعم السريع والعسكر التي تعيد إنتاج الحرب ، اضافة لاستمرار العقوبات الأمريكية على طرفي الحرب لاجبار هما على اعادة إنتاج التسوية كما في العقوبات على قادة الدعم السريع وشركاته. مهم كما اشرنا سابقا ان نستلهم دروس التجربة السابقة حتى لا تتكرر تجربة الفشل بعد الاتفاق الإطاري التي قادت للحرب اللعينة ، بترسيخ الحكم المدني الديمقراطي ، وإبعاد العسكر والدعم السريع عن السياسة والاقتصاد ، ونحن نسير في تكوين اوسع جبهة جماهيرية قاعدية لوقف الحرب واسترداد الثورة ، والالتزام بمواثيق الثورة ، وذلك من خلال النقد والنقد الذاتي ، بمتابعة تطور المخططات للانقلاب على ثورة ديسمبر من القوى المضادة لها في الداخل والخارج. ننطلق من الوقائع لا من التصورات الذهنية المسبقة والأوهام والأكاذيب ،، ويمكن تحديد تلك المخططات في الآتي:
٢. بعد اندلاع ثورة ديسمبر تم التوقيع علي ميثاق إعلان ”الحرية والتغيير” والذي توحدت حوله قوي الثورة ، وانطلقت الثورة بعنفوان وقوة أكثر على أساسه باعتباره البديل الموضوعي للنظام الإسلاموي الفاشي الدموي وجاءت أهم نقاطها في الآتي :
تشكيل حكومة انتقالية من كفاءات وطنية بتوافق جميع أطياف الشعب السوداني ، تحكم لمدة أربع سنوات.
وقف الحرب بمخاطبة جذور المشكلة السودانية ومعالجة آثارها وعمل ترتيبات أمنية مكملة لاتفاق سلام عادل وشامل وقيام المؤتمر الدستوري الشامل لحسم القضايا القومية.
وقف التدهور الاقتصادي وتحسين حياة المواطنين في كل المجالات المعيشية والتزام الدولة بدورها في الدعم الاجتماعي وتحقيق التنمية الاجتماعية من خلال سياسات دعم التعليم والصحة والاسكان مع ضمان حماية البيئة ومستقبل الأجيال.
إعادة هيكلة الخدمة المدنية والعسكرية (النظامية) بصورة تعكس استقلاليتها وقوميتها وعدالة توزيع الفرص فيها دون المساس بشروط الأهلية الكفاءة.
استقلال القضاء وحكم القانون ووقف كل الانتهاكات ضد الحق في الحياة فورا ، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات وتقديم الجناة في حق الشعب السوداني لمحاكمة عادلة وفقا للمواثيق والقوانين الوطنية والدولية.
تمكين المرأة السودانية ومحاربة كافة أشكال التمييز والاضطهاد التي تتعرض لها.
تحسين علاقات السودان الخارجية علي أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة والبعد عن المحاور ، مع ايلاء أهمية خاصة لاشقائنا في دولة جنوب السودان.
٣. بعد وصول الثورة الي ذروتها في اعتصام القيادة العامة ، تم انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد بهدف قطع الطريق أمام الثورة ، واستمرت المقاومة باسقاط الفريق ابنعوف ، ومع اشتداد المقاومة والمطالبة بالحكم المدني ، تمت المحاولة الانقلابية بمجزرة فض الاعتصام ، والتي أعلن فيها البرهان انقلابه على ميثاق ”إعلان الحرية والتغيير” بقيام انتخابات بعد 9 شهور وإلغاء الاتفاق مع ”قوى التغيير” الذي خصص لها 67 % من مقاعد التشريعي، لكن موكب 30 يونيو 2019م قطع الطريق أمام الانقلاب بعد المجزرة ، وتمت العودة للمفاوضات مع قوى الحرية والتغيير ، وتم التوقيع على الوثيقة الدستورية “المعيبة” التي تجاوزت ميثاق ”إعلان الحرية والتغيير”، فما هي أبرز نقاط “الوثيقة الدستورية” :
تراجعت ” الوثيقة الدستورية” عن ”إعلان الحرية والتغيير” ، واصبحت الفترة الانتقالية ( 39 شهرا) ، وتكوين مجلس سيادة من 11 (5 عسكريين و6 مدنيين) ، لمجلس السيادة الرئاسة خلال في 21 شهرا الأولي، والشق المدني في الفترة الانتقالية الثانية 18 شهرا!!. كما أعطت المكون العسكري حق تعيين وزيري الدفاع والداخلية والانفراد بالاصلاح في القوات النظامية. وقننت الوثيقة الدعم السريع دستوريا ، واعتبرته مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن ولسيادته وتتبع للقائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطات السيادية.
اعتبرت “الوثيقة الدستورية” المراسيم الصادرة من 11 أبريل 2019م سارية المفعول ما لم تلغ أو تعدل من قبل المجلس التشريعي ، أما في حالة تعارضها مع أي من أحكام الوثيقة تسود أحكام الوثيقة. بالتالي ابقت الوثيقة الدستورية كما جاء في المراسيم علي وجود السودان في محور حرب اليمن ، والقوانين المقيدة للحريات التي ظلت سارية المفعول ولم يتم إلغاءها..
٤. تم التنكر من المكون العسكري للوثيقة الدستورية رغم عيوبها ، ولم يتم تنفيذ بنودها كما في البطء والفشل في الآتي:
محاسبة منسوبي النظام البائد في الجرائم التي ارتكبت منذ يونيو 1989م.
معالجة الأزمة الاقتصادية ووقف التدهور الاقتصادي ، وزاد الطين بلة الخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي برفع الدعم الذي زاد من حدة الغلاء والسخط علي الحكومة مما هدد بسقوطها.
الاصلاح القانوني وإعادة بناء المنظومة القانونية ، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات واستقلال القضاء وحكم القانون.
تسوية أوضاع المفصولين من الخدمة المدنية والعسكريين وعدم اصدار قرار سياسي وبعودتهم.
استمرار الانتهاكات ضد المرأة (كما حدث في حالات الاغتصاب التي سجلتها مجازر دارفور واعتصام القيادة العامة) … الخ.
سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة ، وتعمل علي تحسين علاقات السودان الخارجية ، وبنائها علي أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة مما يحفظ سيادة البلاد وأمنها، بل تم الخضوع للاملاءات الخارجية كما في تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي بطريقة فوق طاقة الجماهير استنكرها حتى صندوق النقد الدولي وانتقد الحكومة علي تلك الطريقة في التنفيذ التي تؤجج الشارع وتهدد استقرار البلاد والفترة الانتقالية ، والخضوع للابتزاز في التطبيع مقابل الرفع من قائمة الدول الراعية للارهاب، فضلا عن دفع التعويض (335 مليون دولار) عن جرائم ليس مسؤولا عنها شعب السودان.
تفكيك بنية التمكين الذي ما زال قويا ، وقيام دولة المؤسسات ، وتم إعادة ما تم تفكيك من تمكين بعد انقلاب 25 أكتوبر.
تغول المجلس السيادي علي ملف السلام ، وتأخير تكوين التشريعي والولاة المدنيين بعد اتفاق المكون العسكري مع الجبهة الثورية ، وعدم تكوين مفوضية السلام التي من اختصاص مجلس الوزراء، والسير في منهج السلام الجزئي والقائم علي المحاصصات حتى توقيع اتفاق سلام جوبا الذي وجد معارضة واسعة.
تسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية ، وإعلان نتائج التحقيق في مجازر الاعتصام ومظاهرات ومواكب المدن(الأبيض ، كسلا، قريضة ، … الخ).
انتهاك وثيقة الحقوق باطلاق الرصاص علي المواكب والتجمعات السلمية مما أدي لاستشهاد وجرحي
عدم تكوين التشريعي.
٥. الانقلاب علي الوثيقة الدستورية:
وأخيرا جاءت اتفاقية جوبا التي كرّست الانقلاب الكامل علي “الوثيقة الدستورية”، ولم تتم اجازتها بطريقة دستورية بثلثي التشريعي كما في الدستور ، بل تعلو بنود اتفاق جوبا علي الوثيقة الدستورية نفسها ، كما قامت علي منهج السلام الذي حذرنا منه منذ بدايته والذي قاد لهذا الاتفاق الشائه الذي لن يحقق السلام المستدام ، بل سيزيد الحرب اشتعالا قد يؤدي لتمزيق وحدة البلاد مالم يتم تصحيح منهج السلام ليكون شاملا وعادلا وبمشاركة الجميع.
كان من الأهداف تعطيل الفترة الانتقالية وتغيير موازين القوي لمصلحة القوى المضادة للثورة ، ويتضح ذلك عندما وقع المكون العسكري اتفاقا مع الجبهة الثورية بتأجيل المجلس التشريعي وتعيين الولاة المدنيين ، وجاءت الاتفاقية بشكلها لتغيير موازين القوي لصالح قوى “الهبوط الناعم” بإعطاء نسبة 25% في التشريعي للجبهة الثورية و3 في السيادي و5 في مجلس الوزراء ، مما يحقق أغلبية يتم من خلالها الانقلاب علي الثورة..
اضافة للسير في الحلول الجزئية والمسارات التي تشكل خطورة علي وحدة البلاد ، ورفضها أصحاب المصلحة أنفسهم.
السير في منهج النظام البائد في اختزال السلام في محاصصات دون التركيز علي قضايا جذور مجتمعات مناطق الحرب من تعليم وتنمية وصحة وإعادة تعمير ، فقد تمّ تجريب تلك المحاصصات في اتفاقات سابقة (نيفاشا ابوجا، والشرق … الخ) وتحولت لمناصب ووظائف دون الاهتمام بمشاكل جماهير مناطق النزاعات المسلحة في التنمية والتعليم والصحة وخدمات المياه والكهرباء وحماية البيئة ، وتوفير الخدمات للرحل والخدمات البيطرية ، وتمّ إعادة إنتاج الحرب وفصل الجنوب ، من المهم الوقوف سدا منيعا لعدم تكرار تلك التجارب.
جاء انقلاب ٢٥ أكتوبر 2021م ليطلق رصاصة الرحمة على الوثيقة الدستورية الذي وجد مقاومة جماهيرية كبيرة ، وفشل حتى في تشكيل حكومة ، مما أدي للتدخل الإقليمي والدولي بهدف نهب ثروات البلاد ، ولفرض الاتفاق الإطاري الذي أعاد الشراكة وكرس الدعم السريع واتفاق جوبا ، وقاد للصراع على السلطة والثروة الذي اتخذ شكل دمج الدعم السريع في الجيش الذي فجر الصراع المكتوم، وقاد للحرب الجارية حاليا.
٦. كل ذلك يتطلب بمناسبة الذكرى ٦٩ للاستقلال والسادسة لثورة ديسمبر تقوية وتوسيع الجبهة الجماهيرية القاعدية لوقف الحرب واسترداد الثورة ، ووحدة البلاد ورفض تقسيمها كما في فكرة تكوين الحكومة الموازية ، واسقاط حكومة الأمر الواقع في بورتسودان غير الشرعية وقرارتها وممارساتها في نهب ثروات البلاد ، وقيام أوسع حراك في الشارع بمختلف الأشكال داخل وخارج البلاد ( مذكرات ، وقفات احتجاجية مواكب ، مظاهرات ، اعتصامات ، واضرابات. الخ) وقيام أوسع تحالف من القوى الراغبة في استمرار الثورة واستعادة مسارها على أساس ” ميثاق قوى الحرية والتغيير في يناير 2019م ، والمواثيق السابقة وتطويرها بالمستجدات بعد الحرب بهدف :
ترسيخ الديمقراطية والحكم المدني الديمقراطي ، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، وعودة كل شركات الذهب والبترول والجيش والأمن والدعم السريع وشركات الماشية والمحاصيل النقدية والاتصالات لولاية وزارة المالية ، وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية بعد الترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع ومليشيات المؤتمر الوطني وجيوش الحركات وبقية المليشيات التي تكاثرت بعد الحرب
دعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي بما يقوي الصادر والجنية السوداني وتوفير العمل للعاطلين من الشباب ، ورفض السير في السياسة الاقتصادية للنظام البائد في رفع الدعم وتخفيض العملة والخصخصة.
وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة ، وتجاوز الحلول الجزئية في السلام بالحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة.
إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات ، وإلغاء قانون النقابات 2010م ، واجازة قانون نقابة الفئة الذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، ورفع حالة الطوارئ ، واطلاق سراح كل المحكومين ونزع السلاح وجمعه في يد الجيش وحل جميع المليشيات (دعم سريع ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات … الخ) وفقا الترتيبات الأمنية ، وتكوين جيش قومي موحد مهني تحت إشراف الحكومة المدنية. لضمان وقف الحرب واستعادة مسار الثورة ، وعودة النازحين لمنازلهم وقراهم وإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
تسليم البشير والمطلوبين للجنائية الدولية وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وضد الانسانية.
عودة النازحين لمنازلهم ولقراهم وحواكيرهم ، وإعادة تأهيل وتعميرَ ما دمرته الحرب ، وعودة المستوطنين لمناطقهم ، وتحقيق التنمية المتوازنة.
السيادة الوطنية والخروج من المحاور العسكرية ، وقيام علاقات خارجية متوازنة مع جميع دول العالم على أساس المنفعة والاحترام المتبادل وتصفية كل بؤر الارهاب والحروب في السودان.
قيام المؤتمر الدستوري للتوافق على شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات ديمقراطي يفضي لانتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة