في ذم التحالف مع الجنجويد (٢)

د. أحمد عثمان عمر
التحالف مع مليشيا الجنجويد الإرهابية، هو في جوهره تحالف مع فئة من فئات الرأسمالية الطفيلية، لأن قيادتها التي تحدد طبيعتها الطبقية، تم تصعيدها من بروليتاريا رثة، إلى نادي الفئة الحاكمة التي أسستها، عبر تمكينها من مناجم الذهب والسماح لها بسرقة ثروة البلاد، ومشاركتها الواسعة في تهريب الثروة وبناء امبراطورية تجارية. وحتى بالنظر في اساس تكوين المليشيا، نجد أنها تم تكوينها من قبل سلطة رأس المال الطفيلي الاسلاموي في المركز، لإستخدامها في قمع تمرد الهامش، في تأكيد واضح لطبيعتها عند التكوين كبروليتاريا رثة تقع في حبائل مكائد البرجوازية وتخدمها. وهي بالتالي لم تتكون بإعتبارها قوى مجتمعية مهمشة ترفع السلاح ضد مستغليها من الشرائح الإجتماعية المسيطرة، بل كبندقية تحمي امتيازات الفئة الاجتماعية المسيطرة، التي تستخدمها كأداة لقمع الهامش المتمرد عليها. وبما أن قيادتها التي تحدد موقعها الطبقي في خارطة الصراع الإجتماعي جزء اصيل من الرأسمالية الطفيلية، يصبح التحالف معها تحالف مع العدو الرئيس للشعب السوداني بمجمل شرائحه الاجتماعية. وحتى إن بقيت قيادتها كبروليتاريا رثة، فهي غير مؤهلة بحكم منحدرها الإجتماعي للتحول إلى قوى ثورية متمردة على الطبقة الحاكمة، لأنها لا تمتلك وعيا ذاتيا بطبيعة الصراع، وليس لديها مشروع للتغيير، وهذا هو سر خدمتها للرأسمالية الطفيلية الإسلاموية أولا، وعبورها للشراكة معها من مواقع تطفل قيادتها بعد ترفيعها، وصولا إلى تبني مشروع الحركة الشعبية السياسي حاليا وخطاب الهامش الذي حاربته وكسرت قواه المتمردة في دارفور.
وتاريخ المشاركة السياسية لهذه المليشيا يفضح طبيعتها الإجتماعية كفصيل قيادته تمارس نفس نشاط الرأسمالية الإسلاموية الطفيلي، وقاعدته تمارس السلب والنهب الذي لن تستطيع عناصر البروليتاريا الرثة منه فكاكا، لأنه جزء من طبيعتها القائمة على التكسب من الجريمة. وغياب المشروع السياسي للتغيير عند البروليتاريا الرثة، مع طبيعة نشاطها القائم على الجريمة، يمنعانها من التحول إلى قوى ثورية تعمل على تغيير جذري اجتماعي يخدم مصالح المجتمع بكافة قواه الحية المستفيدة من التغيير. والدلالة المباشرة على ذلك ، هي أن هذه المليشيا الإرهابية ، قامت بسلب ونهب المواطنين العزل خلال هذه الحرب، ولم تستثن اي شريحة اجتماعية. فهي نهبت وسلبت جميع الطبقات الاجتماعية بدون استثناء، في ممارسة أصيلة للفئات الإجتماعية التي انحدرت منها.
والناظر للإسهام السياسي لهذه المليشيا الإرهابية، يجد أنه بدأ بخدمة النظام الإسلاموي عبر إرتكاب الفظائع في حرب دارفور، التي أدت إلى ان يكون رئيس الدولة مطلوبا لدى محكمة الجنايات الدولية، ومن ثم إنتقلت للمشاركة في اللجنة الأمنية للإنقاذ، التي قامت بتنفيذ انقلاب القصر ضد ثورة ديسمبر المجيدة، وكونت المجلس الإنتقالي العسكري الذي فرض نفسه على الثورة وقطع الطريق أمامها، وانتقل للتحالف مع التيار التسووي في شراكة الدم المبنية على الوثيقة الدستورية المعيبة، وشاركت في فض إعتصام القيادة العامة بإستخدام العنف المباشر ضد الثوار قبلها، ونفذت انقلاب اكتوبر 2021م ضد الحكومة شبه المدنية ، وبالتالي منعت حتى الإنتقال الشكلي المنقوص من دائرة تمكين الرأسمالية الطفيلية. ومن ثم خضعت قيادتها لضغوط كفيلها الإقليمي بالمواكبة مع حدوث خلافات بينها وبين الطفيلية الإسلاموية، لتقبل الإتفاق الإطاري كمعبر للحصول على واجهة مدنية تكرس إمتيازاتها وتسمح لقيادتها بمواصلة نشاطها الطفيلي. ولكن اهتزاز توازن هذا الإتفاق بالخلاف المنوه عنه، قاد إلى الحرب الراهنة التي اشعلتها الطفيلية الإسلاموية بسبب تمرد المليشيا الأرهابية عليها، وخروجها عن طاعتها. ولم تغير الحرب طبيعة هذه المليشيا بل فضحتها، واوضحت مدى تطفلها وإجرامها وإيغالها في السلب والنهب. فأي تحالف مشروط يمكن أن يتم مع مليشيا هذه طبيعتها التي أكدتها الممارسة ومازالت ممارساتها العيانية حتى اليوم بادية فيما حدث في معسكر زمزم من جرائم.
تمددت المليشيا الإرهابية في نشاطاتها المسيسة، فتحالفت مع مليشيا فاغنر الروسية لتهريب الذهب، وقاتلت كمرتزقة في حرب اليمن مقابل المال، وخلقت علاقات سياسية وثيقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة المتهمة بدعمها بالسلاح والمؤن في حربها الراهنة، ووثقت علاقاتها بالموساد الاسرائيلي، وجسرت علاقاتها بدولة جنوب السودان عبر العلاقات المستجدة بينها وبين الإمارات، وربما يكون هذا احد أسباب تحالفها مع الحركة الشعبية شمال بالإضافة لوقف الاحتكاكات العسكرية في جنوب كردفان والتخفي خلف برنامج تلك الحركة الذي لا يؤمن الجنجويد بحرف منه.
ولا يفوتنا التنويه إلى أن قيادة هذه المليشيا المجرمة فوق ممارستها لنشاطات اقتصادية ضارة بالاقتصاد القومي مثلها مثل الطفيلية الإسلاموية، وافقت ضمن حكومة شراكة الدم على رهن الإقتصاد الوطني لصندوق النقد الدولي من مواقع التبعية، وأن شريان حياتها الإقتصادي في دولة أجنبية هي دولة الإمارات، وأن نهبها الاقتصادي لا يمكن وقفه بالتحالف، وتجربة شراكة الدم شاهدة على ذلك. وغني عن الذكر أن جرائمها البشعة التي ارتكبتها منذ لحظة تأسيسها وحتى الآن بما فيها جريمة الإبادة الجماعية لقبيلة المساليت، سوف تبقى بدون عقاب، والتحالف معها سيقود حتما إلى عدم مساءلة قيادتها المجرمة عن تلك الجرائم. والسؤال لمن يحدثوننا عن تحالف مشروط مع مراعاة الظروف التاريخية هو كيف يمكن تقديم قيادة هذه المليشيا المجرمة للعدالة وهم سيصبحون حكاما ذوي حصانة يتحكمون في شؤون تصريف العدالة ، ومليشياهم ستصبح عصب الجيش الجديد والمؤسسات النظامية وفقا لصفقة نيروبي ودستورها الموقع من قبل أطرافه.
مفاد ما تقدم هو استحالة تحول المليشيا الأرهابية بحكم تكوينها الاجتماعي من قيادة رأسمالية طفيلية وقاعدة بروليتاريا رثة إلى قوى ثورية بسحر التحالف المشروط، لأنها ببساطة لن تخضع لأي شروط وتجربتها السياسية تؤكد ذلك. فالتحالف معها يعني التحالف مع العدو الرئيس (الرأسمالية الطفيلية في قيادتها)، المسيطرة على بروليتاريا رثة تكسب عيشها عن طريق السلب والنهب. وهذا بالطبع ليس له علاقة من قريب أو بعيد بمقولات صراع المركز والهامش ، لأن المليشيا لا تمثل الهامش ولا أعدائها من المواطنين العزل يمثلون المركز ، فالمركز والهامش مقولة إجتماعية وليست جغرافية أو مناطقية ولا هي قبلية، بل إنقسام إجتماعي يوجد هامش في قلب المركز ومراكز في قلب المناطق المهمشة، تتصل إتصالاً طبقيا بالمركز، ودونك قيادات حركات تمرد دارفور الإنتهازية التي أصبحت جزءا أصيلا من المركز ودائرة فساده. ومن يدعي إمكانية التحالف مع الرأسمالية الطفيلية في القيادة والبروليتاريا الرثة في القاعدة لصنع التغيير، ليأتينا بشواهده وأدلته من هذه التجربة الحية أمام أعين الجميع، ويفسر لنا لماذا لم ينجح تحالف قحت في ذلك، ولماذا انقلبت عليه هذه المليشيا الإرهابية مع حلفائها في اللجنة الأمنية الذين اصبحوا اعداءها الان واشعلوا حربا لتصفية قيادتها الطفيلية، واستعادة السيطرة على البروليتاريا الرثة بقيادة بديلة.
والخلاصة هي أن أي تحالف تأسيس مع هذه المليشيا المجرمة وأي مواثيق، لن تقيدها ولن تلزمها ولن تجعلها تغير من طبيعتها الاجتماعية وتعمل ضد مصالحها وتقدم نفسها للمحاسبة.
والمطلوب هو الوقوف ضد التحالف مع الجنجويد ومواصلة ذمه، والعمل ضده وضد كل ما يتمخض عنه، والتمسك بشعار ثورة ديسمبر المجيدة ” الجنجويد ينحل”. وحتما سنواصل ذم هذا التحالف بتخصيص المقال القادم لجرائم الجنجويد التي تنتظر المحاسبة.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!!
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة