زهير عثمان حمد

 

لا أحد منّا نسي.

ولا أحد سيغفر.

ولا أحد سيقبل أن تمر الذكرى وكأنها تاريخ عابر، أو مجرد لافتة حزينة تُرفع بين ازدحام المآسي.

 

في الثالث من يونيو 2019م، لم يتم فقط فض اعتصام، بل تم فض حلمٍ وفض ضمير.

في ذلك الفجر المخضّب بالموت، لم تفتح الخرطوم عينيها على شروق جديد، بل على انكسار.

كان الهتاف في الشوارع لا يزال طريًا، والدماء لم تجف من نداءاتها، حينما قرر من يملكون السلاح أن يسحقوا الصوت الذي لا سلاح له سوى الشجاعة.

 

فض الاعتصام ليس مجرد جريمة.

إنه الجدار الذي سقط على رؤوسنا جميعًا، وتحت أنقاضه بقيت أسئلة لم تُجب حتى اليوم:

من أمر؟ من نفّذ؟ من صمت؟ من تواطأ؟ من غسل يديه بالدماء ثم عاد إلى مؤتمرات الصحافة؟ من خرج بعد سنوات الحرب ليحدثنا عن وطنية مزيفة، ودموع بلا معنى؟

 

لم يكن الاعتصام مجرد تجمهر. كان أعظم حدث في تاريخ السودان الحديث:

ساحة وطنية بلا عنصرية، لا تمييز فيها بين كردفاني ونيلي، لا يعلو فيها صوت فوق صوت الحالمين بالعدالة.

لكنهم قرروا أن يحوّلوا تلك الساحة إلى مقبرة، وتلك الهتافات إلى مراثٍ.

 

واليوم، بعد ست سنوات، نقف في قلب العاصفة.

الحرب التي تلت، ليست سوى الشقيق التوأم لمجزرة القيادة.

ذات الأيادي.

ذات العقول.

ذات القسوة.

 

ولأن العدالة تأخرت، تكررت المأساة.

ولأن الجريمة سُكِتَ عنها، صار الوطن كله ساحة فضٍّ مفتوحة، لا نجاة فيها للضعفاء، ولا عذر فيها للصامتين.

 

لكن، رغم كل شيء، فإننا لا ننسى.

ولا نغفر.

ولا نساوم.

 

فض الاعتصام ليس حدثًا من الماضي. إنه جرح في الحاضر، ووصمة في جبين المستقبل إن لم يُحسم.

لن تعود الحياة للذين مضوا، لكن يمكن للحقيقة أن تُعيدنا إلى إنسانيتنا.

ولن نرضى بوطن لا يُحاكم قاتليه، ولا يكرم شهداءه.

 

في هذه الذكرى، لا نطلب أكثر من الحقيقة والعدالة.

وفي هذه الذكرى، لا نملك إلا أن نكتب، حتى لا تموت الذاكرة، ولا يعلو القتلة فوق القصاص.

 

المجد لشهدائنا … والعار للقتلة.

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.