في ذكراه 68 وقف الحرب واتقاد جذوة الثورة السودانية , اخبار السودان
في ذكراه 68 وقف الحرب واتقاد جذوة الثورة
تاج السر عثمان بابو
1
تهل علينا الذكرى 68 لإعلان استقلال السودان رسمياً في 1/ يناير/ 1956، والبلاد تشهد حرباً لعينة تهدد وحدة وسيادة واستقلال البلاد، فضلاً عن المأساة الإنسانية التي خلفتها والدمار في البنية التحتية، فقد نزح أكثر من 7 ملايين شخص داخل وخارج البلاد، وقتل أكثر من 12 ألف شخص جلهم من المدنيين، مع تزايد المطالبة بوقف الحرب وعدم إطالة أمدها، رفض الدعاوى لتسليح المواطنين حتى لا ننزلق للحرب الأهلية التي تمزق وحدة البلاد، وتهدد أمن المنطقة والأمن الإقليمي والدولي.
2
لم بكن انتزاع استقلال السودان أمراً سهلاً، بل جاء نتاجاً لتراكم نضالي طويل خاضه الشعب السوداني، فمنذ إعادة احتلال السودان على يد الاستعمار الإنجليزي المصري 1898، تم الآتي:
بدأت المقاومة القبلية ضد المحتل الأجنبي.
مع تطور الوعي وظهور حركة الصحف والمسرح وقيام نادي الخريجين 1918، وحركة الوعي التي أدخلها الجنود العائدون من الحرب العالمية الأولى، وقيام تنظيمات الاتحاد السوداني واللواء الأبيض حتى أدى ذلك لانفجار ثورة 1924.
بعد هزيمة ثورة 1924 أخذت المقاومة أشكالاً مختلفة تمثلت في قيام الجمعيات الثقافية والقراءة والمسرح، وظهور الصحافة الوطنية (مجلة النهضة السودانية، الفجر. إلخ).
قام إضراب طلاب كلية غردون 1931 احتجاجاً على تخفيض رواتب الخريجين بعد الأزمة الاقتصادية في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي الذي كان أول مقاومة جماهيرية علنية بعد المجازر التي نصبت لثوار 1924 ونفيهم حتى الموت.
بعد ذلك تطورت الحركة الوطنية وقام مؤتمر الخريجين 1938، ومع الحرب العالمية الثانية، رفع المؤتمر مذكرته الشهير لتطالب بحق تقرير المصير بعد الحرب.
تطورت الأحداث حتى النهوض الجماهيري الواسع بعد الحرب العالمية الثانية المطالب بالاستقلال وتقرير المصير، حتى قيام الأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات بعد الحرب العالمية الثانية، التي وقفت ترياقاً في وجه مخطط الاستعمار لفصل الجنوب، وكان مؤتمر جوبا عام 1947م الذي أكد على وحدة السودان.
قاومت الحركة الوطنية والجماهيرية محاولات الاستعمار لامتصاص المد الجماهيري بإحداث إصلاحات دستورية وتغييرات شكلية تبقي على جوهر النظام الاستعماري والسلطات المطلقة للحاكم العام مثل: المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1943، والجمعية التشريعية عام 1948، ومحاولات تكوين “لجان العمل” في الورش لتفتيت وحدة العمال في السكة الحديد التي رفضها العمال وطرحوا البديل عنها “النقابة” التي توحد العمال والفنيين.
3
هذا التراكم النضالي أدى في النهاية لتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953 التي كانت نتاجاً لنضال الشعب السوداني، ونتج عنها تكوين أول برلمان سوداني في نهاية عام 1953، مما فتح الطريق لتوسيع النضال الجماهيري من أجل إلغاء القوانين المقيدة للحريات مثل: قانون النشاط الهدام الذي تم إلغاؤه في جلسة مجلس النواب المنعقدة مساء الثلاثاء 30/ 3/ 1954، والتمسك بوحدة البلاد والتنمية المتوازنة، وتوسيع التعليم وزيادة ميزانيته، وتمّ تكوين الجبهة الاستقلالية من مندوبي حزب الأمة والحزب الجمهوري الاشتراكي والجبهة المعادية للاستعمار وشخصيات مستقلة وعمالية التي اتفقت على الاستقلال التام، وكفالة الحريات وعدم ربط البلاد بالأحلاف العسكرية ومعونات الدول التي تؤثر على سيادتنا.
تواصل النضال حتى كانت الجلسة التاريخية التي أعلن فيها الاستقلال من داخل البرلمان وتم تكوين أوسع جبهة من أجل استقلال السودان وبقاءه موحداً، حتى تم توقيع اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953م وما نتج عنها من ترتيبات دستورية انتقالية وانتخابات حرة نزيهة وتحت رقابة داخلية ودولية ودستور انتقالي كفل الحقوق والحريات الأساسية، وتم إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955م، وإعلان الاستقلال رسمياً في أول يناير 1956م، وكان استقلالاً حقيقياً بعيداً عن أي أحلاف عسكرية وتكتلات دولية.
4
وبعد الاستقلال كانت القضية الأساسية هي:
استكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، وترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية ومعالجة مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية لا الانقلاب عليها.
إنجاز التنمية المتوازنة في كل أنحاء البلاد وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة أو الفكر السياسي أوالفلسفي، ولكن ذلك لم يتم ودخلت البلاد في حلقة جهنمية من انقلابات عسكرية وأنظمة ديكتاتورية شمولية أخذت 58 عاماً من عمر الاستقلال البالغ 68 أسوأها نظام الإنقاذ الذي أورث البلد الخراب والدمار، وأسهمت تلك الأنظمة العسكرية في تكريس قهر الجنوب حتى تم انفصاله، وانفجار قضايا المناطق المهمشة، والتنمية غير المتوازنة ومصادرة الديمقراطية والحقوق الأساسية، وتكريس التنمية الرأسمالية والفوارق الطبقية والتبعية للدول الغربية حتى بلغت ديون السودان أكثر من 60 مليار دولار.
5
تواصل التراكم النضالي الجماهيري حتى انفجار ثورة ديسمبر 2018 التي ما زالت جذوتها مشتعلة حتى الآن كما وجود الجماهير في الشارع وفي ساحات الاعتصام ومسيرة 30 يونيو التي تصدت لمجزرة فض الاعتصام التي أكدت على ضرورة تحقيق أهداف الثورة والقصاص للشهداء ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية وضد الإنسانية، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإصدار قانون النقابات الذي يؤكد استقلالية الحركة النقابية، وقيام المجلس التشريعي وتكوين المفوضيات، وإصلاح النظام العدلي والقانوني وقيام المحكمة الدستورية، وعودة كل المفصولين العسكريين والمدنيين للعمل، وحل كل المليشيات (دعم سريع، كيزان من، وكتائب الظل والدفاع الشعبي، وجيوش الحركات. إلخ)، وقيام جيش قومي مهني موحد، وتحقيق السلام العادل والشامل الذي يخاطب جذور المشكلة بعد أن اتضح اكذوبة سلام جوبا الذي تحول لطمع في مناصب محاصصات وسكن في فنادق، دون اهتمام بجماهير مناطقهم، والإسراع في القصاص من منفذي جرائم الحرب ومجزرة فض الاعتصام وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، وتحسين الأوضاع المعيشية، ووقف سياسة رفع الدعم وشروط صندوق النقد الدولي، وتفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة، وتسليم شركات الذهب والبترول والجيش والأمن والاتصالات والمحاصيل النقدية والماشية للمالية، وإصلاح النظام العدلي والقانوني، وخروج البلاد من حلف حرب اليمن وكل الأحلاف العسكرية الخارجية التي تمس السيادة الوطنية، واستعادة أراضي السودان المحتلة (الفشقة ودعم كل الجنود السودانيين الذين يقاتلون لاستعادتها، إضافة لحلايب وشلاتين. إلخ).
ليكن الاحتفال بالذكرى 68 لاستقلال السودان من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة واتقاد جذوة الثورة، واستكمال السيادة الوطنية وتحقيق السلام الشامل وتحسين الأحوال المعيشية، وقيام أوسع حراك جماهيري لوقف الحرب ولتحقيق أهداف الثورة.
المصدر: صحيفة التغيير