في دروس وعبر إنقلاب 25 أكتوبر
بقلم: تاج السر عثمان بابو
(1)
تمر الذكري الثانية لانقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي كان معبرا للحرب اللعينة الجارية حاليا، وأدت لدمار في البنيات التحتية وخسائر للالاف في الأرواح ونزوح الملايين.
جاءت الحرب حلقة في سلسلة المخططات لاجهاض ثورة ديسمبر بعد تجربة الشراكة الفاشلة مع العسكر والجنجويد، فالحرب كما اوضحنا سابفا وسيلة لتحقيق أهداف سياسية بوسائل عسكرية بدأ ذلك بمخطط قطع الطريق أمام الثورة بانقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل 2019. اضافة لقطع الطريق أمام الثورة استخدم المجلس العسكرى العنف الوحشي أمام القيادة العامة ، كما حدث في أحداث 8 رمضان ومجزرة اعتصام القيادة العامة والولايات في 29 رمضان التي كانت جريمة ضد الانسانية ، مازالت تنتظر المحاسبة والقصاص للشهداء.
(2)
بعد ذلك تدخلت و ضغطت دوائر اقليمية وعالمية واستخباراتية على طرفي الصراع المجلس العسكري وجزء من (ق .ح .ت) للتوقيع علي اتفاق تقاسم السلطة ، بدلا من كامل السلطة المدنية الديمقراطية، وكانت النتيجة أن:
نال العسكريون 5 في مجلس السيادة ، والحق في تعيين وزيري الداخلية والدفاع ، والانفراد بالاشراف علي الاصلاح في القوات المسلحة ، قننت الوثيقة دستوريا وجود مليشيات الدعم السريع التي تشكل خطورة علي قومية الجيش ووحدة البلاد ، والحفاظ علي ثروة الذهب في يد المالية، وعلي السلام والحل الشامل والعادل في مناطق الحروب باعتبارها كانت طرفا في الابادة الجماعية مع البشير ونظامه السابق ورموزه المطلوبون للجنايات الدولية.
دعمت امريكا والامارات ومصر والسعودية الاتفاق، ومنحت السعودية والامارات المجلس العسكري 3 مليار دولار ، ودفعت مقابل مادي لقوات حميدتي في اليمن.
هذا الاتفاق “المعيب” الذي كرّس دستوريا وجود المليشيات التي أكتوي شعبنا بنارها في الحرب الدائرة رحاها الآن ، ووجود العسكريين في المجلس السيادي ، أدى لسيطرة العسكر ،بهدف قطع الطريق أمام الثورة ، وعدم الوصول لنظام ديمقراطي يهدد مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة.
(3)
بعد ذلك استمرت خطوات التراجع عن الثورة ، كما في:
خرق “الوثيقة الدستورية”.
عدم القصاص للشهداء في مجزرة فض الاعتصام وبقية الانتهاكات.
نهج السلام في جوبا المخالف للوثيقة الدستورية في عدم تكوين المفوضية والاستعاضة عنها بمجلس السلام، ونهج المحاصصات بدلا عن الحل الشامل الذي يخاطب جذور المشكلة.
البطء في تفكيك التمكين واستعادة الأموال والممتلكات المنهوبة، رغم الجزء الضئيل الذي تمّ استردادها.
تأخير تكوين التشريعي والمفوضيات.
ندهور الأوضاع المعيشية مع تآكل الأجور، وتركيز الأسعار حتى لايبتلع السوق الزيادات كما حدث سابقا ،واصرار الحكومة علي الاستمرار في الخضوع لشروط صندوق النقد الدولي في رفع الدعم وتخفيض الجنية السوداني، بعد أن ضربت بعرض الحائط توصيات المؤتمر الاقتصادي ، مما ضاعف من معاناة الجماهير.
اضافة لانعدام الأمن ومصادرة حق الحياة ، واشتداد حدة الصراع القبلي ، وتعدد الجيوش بعد اتفاق جوبا في المدن الذي يهدد بتمزيق وحدة البلاد، وعدم الترتيبات الأمنية لحل الجنجويد ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات ، وقيام الجيش القومي المهني الموحد.
استمرار التفريط في السيادة الوطنية، وتصعيد مخطط الفلول لقلب نظام الحكم من خلال مواكبهم وتخريبهم للاقتصاد ، واغلاق الشرق ، حتى تدبير اعتصام الموز مع حركات جوبا ، وتدبير انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي فيه اعلن البرهان في بيانه : حالة الطوارئ ، و حل مجلسي السيادة والوزراء ، واقالة ولاة الولايات ، ووكلاء الوزارات ، وإعادة التمكين في الخدمة المدنية، وتم القمع الوحشي للمواكب السلمية التي أدت لاستشهاد أكثر من (125) شهيد ، واصابة أكثر من 5 الف شخص، اضافة للمجازر التي حدثت في دارفور والشرق.الخ..
(4)
الشاهد أن ما جاء في بيان الانقلاب نفس مطالب الفلول ،ودعوة ترك للانقلاب العسكري ، واعتصام القصر المصنوع ،وما جاء في دعوات التدخل الخارجي ، بهدف قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي ، وقيام نظام ديمقراطي يكون مؤثرا في المنطقة ، وبهدف استمرار التبعية والخضوع لاملاءات الصندوق والبنك الدوليين و نهب موارد البلاد وتثبيت الاتفاقات التي تمت كما في القواعد العسكرية في البحر الأحمر ، والاستمرار في حلف اليمن وارسال المرتزقة لها ، والابقاء علي اتفاقات ايجارات الاراضي التي تصل عقودها لمدة 99 عاما ، والعدين التي تنال فيها الشركات 70% من العائد ، والاستمرار في احتلال اثيوبيا للفشقة ، ومصر لحلايب شلاتين. الخ ، والتطبيع مع الكيان العنصري الصهيوني الخ..
(5)
بعد فشل الانقلاب والمقاومة الباسلة التي وجدها في الشارع ،جاءت التسوية على أساس الاتفاق الإطارى بتدخل خارجي التي أهم معالمها :
طمست محاكمة المسؤولين عن جرائم مجزرة فض الاعتصام، ومابعد انقلاب 25 اكتوبر ، وجرائم الابادة الجماعية في دارفور ، وتسليم البشير من معه للمحكمة الجنائية. وتفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة ،والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وقيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع ، والمحاسبة علي كل الجرائم ضد الانسانية والفساد التي ارتكبت بعد انقلاب يونيو 1989 كما في بعض القضايا المرفوعة في المحاكم.
الحل الشامل والعادل بعد الغاء اتفاق جوبا.
تجاهلت حل جهاز الأمن وإعادة هيكلته ليكون لجمع المعلومات ، وحل الجنجويد ، وقوات الحركات المسلحة ، ومليشيات المؤتمر الوطني بمختلف مسمياتها المعروفة وجمع السلاح، وقيام الجيش القومي المهني الموجد ، وضم كل شركات الجيش والأمن والجنجويد والشرطة والاتصالات والذهب لولاية وزارة المالية، وقيام المؤتمر الدستوري ، وانجاز مهام الفترة الانتقالية التي تضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهايتها.
بعد ذلك دار الصراع حول مدة دمج قوات الدعم السريع في الجيش الذي فجر الصراع المكتوم ، وأدي لانفجار الحرب التي في جوهرها صراع حول السلطة والثروة ، وبدعم محاور اقليمية ودولية تهدف لنهب ثروات البلاد كما اشرنا سابقا.
(6)
وأخيرا، مهم التقييم الناقد للتجربة الماضية بسلبياتها وايجابياتها حتى لا تتكرر، وحتى تقوم الجبهة المدنية لوقف الحرب على أساس متين لا يعيد إنتاج الأزمة والشراكة مع العسكر والجنجويد والافلات من العقاب، ويقود لاستدامة السلام والعدالة والحكم المدني الديمقراطي.
المصدر: صحيفة التغيير