قبل أيام، والحرب الإسرائيلية الإيرانية تلفظ أنفاسها؛ تصدّر اسم “فريج السودان” في العاصمة القطرية الدوحة عناوين منصات التواصل الاجتماعي، إثر أنباء غير رسمية عن سقوط شظايا صاروخ إيراني بالقرب من المنطقة، ضمن هجوم استهدف قاعدة “العديد” الأمريكية. وعلى الرغم من أن الحادثة لم تؤكد رسميًا، إلا أن اسم الحي أثار اهتمامًا واسعًا بسبب دلالته المرتبطة بالسودان.

رندا عبدالله

إثر ذلك سرعان ما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بين السودانيين تعليقات ذات طابع ساخر. أحدهم كتب: “السودان محل يمشي يلقى صاروخ”، بينما تداول آخرون نظريات حول علاقة الحي بالبلد. بعضهم ربط الاسم بتاريخ استقرار أعراق محددة في المنطقة، وآخرون أشاروا إلى أن “فريج السودان” ينتمي إلى قبيلة قطرية تُعرف باسم “السودان” أو “السوادنة “. و”الفريج”، وفقًا لبعض التفسيرات، قد يعني المنطقة الواقعة بين جبلين أو تلك التي تنبع منها المياه.

وبحسب سكان محليين، فالحي يقع ضمن بلدية الريان، جنوب حي الوعب، ويُعد من الأحياء السكنية الراقية، التي تنتشر فيها الفلل، دون أن يكون له طابع سوداني واضح أو جاذب للجالية السودانية.

حي السودانية في غزة.. أثر الحرب والذاكرة

لا يقتصر اسم “السودان” أو “السودانية” على الدوحة القطرية، ففي غزة، تكرر ذكر “منطقة السودانية” في تقارير الحرب الأخيرة، حيث انتشرت صور ومقاطع تُظهر آلاف الفلسطينيين يتزاحمون للحصول على مواد غذائية في المنطقة الواقعة شمال القطاع.

وتحتفظ “السودانية” بمكانة خاصة لدى كثير من السودانيين، الذين يرون فيها رمزًا لمشاركة جنود سودانيين في حرب عام 1948. هذه المساهمة العسكرية التاريخية دفعت بعض الفلسطينيين لإطلاق اسم “أم درمان” على حي في القدس، بحسب روايات متداولة.
وفي الضفة الغربية، تقع أيضًا قرية “دير السودان”، مما يضيف طبقة جديدة إلى تداخل الجغرافيا والهوية في المنطقة.

تشابه الأسماء… من قطر إلى العراق

اللبس الناتج عن تشابه الأسماء ليس جديدًا. قبيلة “السودان” أو “آل السودان”، التي تمتد جذورها إلى التحالفات القبلية المؤسسة لدولة قطر، مثل “بني ياس”، توجد في عدة دول خليجية، منها الإمارات، والكويت، والسعودية.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني

هذا السياق قد يفسر الالتباس عند الحديث عن شخصيات سياسية تحمل الاسم، مثل رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، الذي ظن البعض أن نسبه يعود إلى السودان، بينما تؤكد المصادر أنه ينتمي إلى عشيرة “السوداني” العراقية، التي تمتلك حضورًا تاريخيًا في بلاد الرافدين.

أثر الاستعمار أم الدبلوماسية؟

خيوط أسماء الأماكن المرتبطة بالسودان تمتد إلى قارات أخرى. ففي أوروبا وأمريكا، تحمل شوارع في مدن عديدة أسماء مثل “دنقلا” و”دارفور” و”الخرطوم”.
ويرى باحثون أن هذه الأسماء تعود إلى فترات الاستعمار البريطاني، حيث درجت سلطات الاحتلال على إطلاق أسماء مستعمراتها على الأزقة والشوارع الصغيرة، كنوع من تخليد الهيمنة. ويضيف الباحث عبد الخالق الحسن أن دولًا مثل أستراليا وكندا والولايات المتحدة شهدت تسمية شوارع داخلية بهذه الأسماء ضمن “ذاكرة استعمارية” مرتبطة بإفريقيا.

“مصر والسودان” في القاهرة.. إرث مزدوج

في قلب العاصمة المصرية القاهرة، يقف شارع “مصر والسودان” شاهدًا على حقبة الاستعمار الثنائي البريطاني المصري للسودان. الشارع الرئيسي بحي حدائق القبة كان يُعرف سابقًا بـ”شارع ملك مصر والسودان”، وقد شهد تحولات عمرانية كثيرة أدت إلى هدم قصوره الأوروبية الطراز لبناء أبراج سكنية وتجارية.

شارع مصر والسودان بالقاهرة

مسؤولة إعلامية بوزارة الثقافة المصرية أوضحت أن تسمية الشوارع تخضع للسلطات المحلية في المحافظات، من خلال لجان مختصة، مؤكدة أن أسماء مثل “أم درمان” و”عطبرة” و”الميرغني” ما تزال قائمة في عدد من مناطق العاصمة.

الجغرافيا تتقاطع مع الذاكرة

سواء كانت “فريج السودان” حيًا قطريًا بعيدًا عن السودان، أو “السودانية” في غزة، أو شوارع في مدن غربية، يبقى اسم “السودان” حاضرًا في الجغرافيا العالمية بطرق متعددة، بعضها يعكس تشابهًا في النسب، وبعضها الآخر يحفر في ذاكرة الاستعمار، أو يعبّر عن امتنان وتقدير تاريخي. لكن بالنسبة للكثير من السودانيين، كل ما يشبه اسم بلادهم في الخريطة ولو عرضًا يثير شيئًا من الاعتزاز، أو على الأقل الفضول.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.