فرنسا ولبنان: بين خطاب العواطف والنفوذ الفعلي
فرنسا ولبنان: بين خطاب العواطف والنفوذ الفعلي
غالباً ما يتحدث الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن لبنان بلهجة عاطفية. ففي مقابلته مع الصحيفة اللبنانية “لوريان لوجور” يوم زيارته إلى لبنان بعد انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية، بدأ رده على سؤال حول أسباب التزامه ببلد لا يتعدّى حجمه مساحة مقاطعة فرنسية، بالقول: “لأنني أحبه، وأحب النساء والرجال الذين يعيشون فيه وأيضاً أولئك الذين انتشروا في العالم”.
وهو تعمّد في زيارته شارع الجميزة في بيروت، الحديث مع الناس ولقائهم وأكل الفطائر اللبنانية، تعبيراً عن شعوره بأنه قريب من لبنان ومقرّب من اللبنانيين.
ويُعرف ذاك الشارع الشهير الذي زاره باسم شارع غورو، تيمناً بالجنرال الفرنسي هنري غورو، أحد أهم الجنرالات الفرنسيين في الحرب العالمية الأولى الذي عُيّن لاحقا المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في سوريا ولبنان.
فالعلاقات اللبنانية الفرنسية قديمة جداً وحتى بعد استقلال لبنان عن فرنسا عام 1943، بقيت الروابط بين البلدين متينة وبقي لفرنسا نفوذ سياسي في البلاد.
لكن ماذا بقي من هذا النفوذ مذاك؟
محطات أساسية
في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية، برز ذلك أيضاً من خلال علاقة خاصة كانت تربط رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، بالرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، الذي عُقدت أثناء حكمه ثلاثة مؤتمرات في باريس لدعم لبنان، إحداها عام 2007 تعهدت خلالها جهات دولية مانحة بتقديم 7.6 مليار دولار للبنان.
ورغم انتقادات طالت هذه المؤتمرات، واعتبرت أنها ساهمت في تعويم نموذج اقتصادي غير مستدام، إلا أنها تُظهر دور فرنسا في البلاد.
وظهر هذا الدور بوضوح أيضاً مع الرئيس ايمانويل ماكرون الذي كان في المقدمة في جهود حل أزمة ما يوصف في لبنان بحادثة “اختطاف” السعودية لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سعد الحريري، عام 2017، ومن ثم بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020 عندما حضر ماكرون إلى لبنان في زيارة تضامنية.
جاء ذلك رغم من أن فرنسا لم تزوّد السلطات اللبنانية، التي كانت تقوم بالتحقيقات بالانفجار، بأي صور أقمار صناعية لمنطقة المرفأ ساعة وقوع الكارثة.
من يدير اللعبة؟
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه نهاية
واليوم عاد ماكرون إلى لبنان ليكون، بعد الرئيس القبرصي، ثاني رئيس دولة يحضر لتقديم التهنئة لرئيس الجمهورية جوزاف عون، بعد نحو أسبوع على انتخابه. وقد أعلن أيضاً نيته عقد مؤتمر جديد لدعم لبنان بعد أسابيع.
لكن فرنسا ليست الدولة الغربية الوحيدة ذات نفوذ في لبنان. فقد تكون سفارتها قصر الصنوبر من أشهر المعالم التاريخية في العاصمة، إلا أن الولايات المتحدة تستعد لافتتاح سفارتها الجديدة في البلاد والتي ستكون ثاني أكبر سفارة أمريكية في العالم.
فحتى في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية، بدا أن فرنسا كان لها فيها دور خارجي مهم لكنه ليس الأساسي. فبالرغم من أن ماكرون عيّن وزير الخارجية الفرنسي الأسبق المخضرم، جان ايف لودريان، ليكون مبعوثاً خاصاً له لحلّ مشكلة الفراغ الرئاسي في البلاد، فإنه عجز عن فعل ذلك لنحو عامين.
وبحسب كل ما أُشيع في الداخل، بدا أن الدورين السعودي والأمريكي هما اللذان حسما المشهد، في توقيت داخلي وإقليمي محدّد.
“لا يمكن نكران واقع أن الأمريكيين هم من يديرون اللعبة في لبنان. لكن أيضاً العلاقات الفرنسية محفورة في اللاوعي الجماعي عند الطرفين”، بحسب مدير موقع “ايسي بيروت”، ميشال توما.
ويضيف توما أن تقييم الدور الفرنسي يجب أيضاً أن يأخذ بعين الاعتبار دور الاتحاد الأوروبي الذي “لم ينجح في فرض نفسه كقوة دولية قادرة على منافسة الولايات المتحدة”.
وتشارك فرنسا عبر ضابط فرنسي رفيع في اللجنة التي أُنشئت بعد وقف الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، لكنّ أمريكيين، أحدهما عسكري وآخر مدني، هما من يرأسان تلك اللجنة، التي تضم أيضاً رئيس قوات حفظ السلام في جنوب لبنان التابعة للأمم المتحدة وضابط لبناني وآخر إسرائيلي.
والتقى ماكرون بأعضائها في مستهل زيارته لبيروت، وتحدث عن “أن الأمور تتقدم والديناميكية إيجابية”، في إشارة إلى تطبيق الاتفاق الذي ينص على سحب سلاح حزب الله بدءاً من جنوبي الليطاني وعلى الانسحاب الإسرائيلي من البلاد في غضون مهلة ستين يوماً تنتهي في السادس والعشرين من الشهر الجاري.
لكن في وقت يترقب لبنان إذا ما كانت إسرائيل ستنسحب بالفعل أم لا، وسط تقارير إعلامية إسرائيلية تشكك في ذلك، تتجه كل الأنظار في البلاد بشكل أساسي لما يقوله الأمريكيون بهذا الشأن، لا سيّما مع تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب للسلطة في بلاده.
المصدر: صحيفة الراكوبة