فرضية تحقيق السلام عبر الحوار مع الكيزان
رشا عوض
هناك فرضية مفادها أن الطريق إلى وقف الحرب يجب أن يبدأ بإشراك الكيزان في أي حوار يهدف إلى توافق وطني حول كيفية إيقافها، بحكم كونهم عنصرا أساسيا في إشعالها واستمرارها؛ وبالتالي لن تتوقف الحرب إلا بالحوار معهم حتى يقتنعوا بالسلام، هذه الفرضية مختلة للأسباب التالية:
أولا: هذه الفرضية تتعامل مع الكيزان كتيار سياسي طبيعي يرغب في حياة سياسية طبيعية في السودان على قدم المساواة مع بقية القوى السياسية في البلاد في إطار حكم مدني ديمقراطي، كما تستبطن الأكذوبة المضللة التي تروجها بمثابرة الآلة الإعلامية الكيزانية وهي أن مشكلة الكيزان مع خصومهم هي الإقصاء الذي تعرضوا له في الفترة الانتقالية؛ وبالتالي يجب جبر خاطرهم المجروح بالحوار!!
معضلة الكيزان قبل وبعد الثورة، وقبل وبعد الحرب هي رهانهم على ذلك التنظيم الأمني العسكري الأخطبوطي المرتبط بشبكة ضخمة من المصالح الاقتصادية التي بطبيعتها تحتاج إلى نظام سياسي قابض، وقامع يضمن استدامتها، لأنها من النوع الذي لا يعيش إلا في الظلام والقمع، فضلا عن ارتباطات أيدولوجية ومصلحية عابرة للحدود، وقبل هذا وذاك قناعة راسخة بأن احتكارهم للسلطة هو أحد نواميس الطبيعة السياسية! هو حق طبيعي وبديهي لا مجال لمجرد مساءلته! ووسيلتهم لتأبيد احتكار السلطة هي ذلك التنظيم الأمني العسكري الأخطبوطي الذي أصبح مرجعية ذاته، وهو منتفش بالقوة العسكرية والموارد المالية الضخمة، ولا يرى في السودان إلا ضيعة مملوكة له سلبتها الثورة بدون وجه حق!.
وحتى كتابة هذه السطور لم يصدر من الكيزان كتنظيم أي خطاب سياسي جديد فيه مؤشرات للتراجع عن نهج الاحتكار والاستقواء على الشعب بالقوة العسكرية، حتى في أثناء استنفارهم المواطنين للقتال في حربهم الحالية مع قوات الدعم السريع لا يقدمون لهذا الشعب وعدا بتغيير منهجهم السياسي الذي أورد البلاد موارد الهلاك، بل يقدمون وعيدا بالاستئصال لكل من اختلف معهم سياسيا، ويستبقون نتائج المعركة العسكرية بإعلان نتائجها السياسية حال انتصارهم وهي الويل والثبور وعظائم الأمور لكل من لم يصطف خلفهم في حربهم القذرة هذه بوصفه خائنا وعميلا ومرتزقا وظهيرا “للمليشيا المتمردة” التي صنعوها هم لحمايتهم!! وبالفعل بدأت الاعتقالات والتعذيب والاغتيالات السياسية بأيدي الأجهزة الأمنية الكيزانية،ومنذ الآن أطلقوا العنان لابواقهم الإعلامية لتحقير وتسفيه الثورة وتجريم رموزها والعدوان الممنهج على كل صاحب رأي او رؤية مختلفة لطبيعة هذه الحرب، باختصار قبل أن تضع الحرب أوزارها شرع الكيزان في تجريف الملعب السياسي من خصومهم بفجور إعلامي وبلطجة سياسية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، فلسان حالهم ومقالهم يقول بوضوح لا لبس فيه، يجب طي صفحة الثورة نهائيا وحذف مفرداتها من القاموس السياسي، وعلى رأسها الحكم المدني الديمقراطي، والإصلاح الأمني والعسكري وتفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو، بل يجب على الشعب السوداني أن يبصم على تعويض الكيزان عن ما تم من تفكيك جزئي لتمكينهم نتيجة هذه الحرب! ومكافأتهم بالإبقاء على مليشياتهم المتناسلة! ومباركة عودتهم إلى السلطة عبر الجيش الذي يفرضون الآن فكرة تقديسه لا لسبب سوى أنهم يرغبون في استخدامه كحصان طروادة الذي يحملهم إلى السلطة مجددا، وبالتالي فإن الكيزان لا يطلبون حوارا، بل يطلبون الإذعان والتسليم إلى سلطتهم المطلقة، وما أسطوانة الحوار إلا حيلة منهم لإغراق المشهد بما صنعته أجهزتهم الأمنية من دمى سياسية يمسكون هم بخيوط تحريكها. باختصار هم أشعلوا الحرب لإخراس أي حوار والاستيلاء على السلطة بالقوة، وعندما فشلوا في ذلك يرغبون الآن في أن يحققوا ما فشلوا فيه بالحرب عبر الاحتيال السياسي تحت لافتات الحوار السوداني السوداني (ألقاب مملكة في غير موضعها)
ثانيا: الأولوية القصوى لقوى السلام والتحول الديمقراطي يجب أن تكون توسيع وتنظيم وتقوية الكتلة المدنية الرافضة للحرب والملتزمة بالسلام والتحول الديمقراطي، وبعد أن تبرز هذه الكتلة المدنية كطرف قوي ومؤثر في معادلة توازن القوى، فإنها حتما ستكون قادرة على التفاوض المنتج مع الكيزان والعسكر، التفاوض المسنود بكروت ضغط تجعلهم مضطرين لقبول شروط السلام العادل وقبول قواعد اللعبة الديمقراطية، والتخلي عن احتكار السلطة بالقوة؛ لأن هناك تكتلا سياسيا وشعبيا منظما يتحدى أطماعهم، ويجعلها غير ممكنة من الناحية العملية. ولذلك لا معنى ولا جدوى من إضاعة الزمن والجهد في صراعات بين قوى السلام والتحول الديمقراطي محورها إشراك الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني في الجهود الساعية للسلام، لأن الإسلامويين كما أثبتت تجربتهم الممتدة من 30 يونيو 1989 حتى الآن أن حل معضلتهم ليس الحوار المجاني الاستهبالي الذي تكرر في عهدهم المشؤوم منذ مؤتمر الحوار الوطني بداية التسعينات وصولا إلى حوار الوثبة في 2014، وكانت المحصلة صفرية! بل حل معضلتهم هو الحصار السياسي المدروس الذي يجبرهم على حوار حقيقي بين أنداد متكافئين، وتأسيسا على ذلك يجب أن تكون الأولوية في أجندة القوى الديمقراطية هي وحدتها وتقوية اصطفافها وتأهيل نفسها لتكون طرفا قويا في معادلة توازن القوى، لأن هذه هي الضمانة الوحيدة لنجاح أي حوار مع الإسلامويين، وبدونها يصبح الحوار مجرد إذعان لإملاءاتهم، ولكن من الغرابة بمكان أن تختلف وتتصارع وتنقسم قوى السلام والتحول الديمقراطي فيما بينها، وتضعف تحالفاتها بسبب تأييد أو معارضة الحوار مع الإسلامويين أو إشراكهم في العملية السياسية التي ستعقب الحرب!
ثالثا: الكيزان لهم وجود مؤثر في الجيش، وفي الدعم السريع، وفي الواجهات الأمنية المصنوعة مثل الكتلة الديمقراطية وأخواتها، فضلا عن اختراقاتهم المرئية وغير المرئية لكل الأحزاب والتحالفات في الساحة، ولذلك فإن المتوقع من دعاة السلام والتحول الديمقراطي هو السعي لتقليص مساحات تمدد الكيزان لا المطالبة بتوسيعها عبر حصة إضافية لمشاركة الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول بأمر الثورة، رغم انحيازه السافر للأجندة الحربية والاستبدادية وعملهم بصورة منهجية لعرقلة أي توجه للسلام ورهانهم الاستراتيجي على تنظيمهم الأمني والعسكري في السيطرة المطلقة على البلاد!
المصدر: صحيفة التغيير