
في قلب العاصمة الأوغندية كمبالا، حيث تتشكل ملامح حياة جديدة للشباب السوداني، لم تعد متابعة كرة القدم مجرد شغف، بل تحوّلت إلى رابط اجتماعي عميق بفضل “فانتازي البريميرليج”.
كمبالا ــ التغيير
هذه اللعبة الرقمية، التي تتيح للمشاركين بناء فريق أحلامهم من لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز، أصبحت أكثر من مجرد وسيلة ترفيه، بل منصة لتعزيز الروابط الاجتماعية ومساحة للتفاعل بين أبناء الوطن في بلاد المهجر.
في موسم 20252026، كان يوم 31 أغسطس يحمل طابعًا خاصًا لمشجع سوداني لأرسنال في كمبالا. لم تكن مواجهة قمة أرسنال وليفربول مجرد مباراة عادية، بل كانت اختبارًا حقيقيًا للولاء في إطار دوري “عطالة نيروبي وكمبالا” الخاص بالفانتازي. كانت تشكيلته تضم ثلاثة لاعبين من فريقه المفضل، أرسنال، مقابل اثنين من ليفربول.
وفي كل لحظة من المباراة، كانت مشاعره تتأرجح بين حب فريقه الأم والرغبة في تحقيق أكبر قدر من النقاط لتجنب المركز الأخير، الذي غالبًا ما يتبعه “الاستهزاء الودّي” بين الأصدقاء.
عندما سجل ليفربول هدفًا في الدقيقة 85، شعر بالإحباط للحظة، لكن هذا الإحباط سرعان ما تلاشى وحل محله شعور مختلط بالفرح، لأن الهدف سجله أحد لاعبيه في فريق الفانتازي. هذه الازدواجية في المشاعر تفتح تساؤلاً جوهريًا: هل الفانتازي يختبر الانتماء الرياضي أم أنه يضيف إليه بُعدًا جديدًا من التعقيد والتجربة الشخصية؟.
الفانتازي كنسيج اجتماعي بديل
تُعطي لعبة الفانتازي المشاركين سلطة فريدة في اختيار لاعبين من مختلف الفرق، بغض النظر عن انتمائهم التقليدي. بالنسبة للشباب السوداني في كمبالا، أصبحت هذه اللعبة بمثابة مجتمع بديل يوفر لهم الشعور بالانتماء من خلال المجموعات التفاعلية على تطبيق واتساب والمنافسات الشهرية.
دوري “Kampala Fantasy Moneygers” يمثل مثالًا حيًا على هذا التفاعل، حيث يجمع الشباب السوداني حول منافسة شرسة وجوائز مالية رمزية.
هذه الأجواء التنافسية تعزز الروابط الاجتماعية، وتخلق مساحة جديدة للتفاعل تتجاوز مجرد متابعة المباريات.
لم يعد التواصل يقتصر على اللقاءات المحدودة، بل امتد ليصبح حواراً مستمراً حول التكتيكات، التشكيلات، ونتائج الجولة.
الفانتازي لا يلغي المشاعر الرياضية، بل يزيدها عمقًا وتعقيدًا فالمشجع الذي يوازن بين حبه لفريقه ورغبته في الفوز في اللعبة يختبر ولاءه في أكثر الظروف دقة.
لم يعد الحب الأعمى هو السمة الوحيدة، بل أصبح الحب الرياضي يتطلب وعيًا وقدرة على الموازنة بين العاطفة والتحليل. هذه التجربة تُظهر كيف يمكن للمشجع أن يحتفل بهدف سجله لاعب من الفريق الخصم فقط لأنه جزء من تشكيلته الفانتازية.
هذا التناقض الظاهري لا يقلل من الانتماء، بل يكشف عن الأبعاد المتعددة للشغف الرياضي في ظل التكنولوجيا.
بالنسبة للسودانيين في كمبالا، تحوّل الفانتازي إلى منصة للتواصل الاجتماعي، لإبراز مهاراتهم في التحليل الكروي، ولبناء مجتمع يتقاسم نفس الشغف. الانتماء لا يُقاس بالبقاء الصامت، بل بالمشاركة الفعالة والتحدي والتفاعل المستمر مع مجتمع يتشارك في حب كرة القدم، حتى وإن اختلفت الفرق التي يشجعونها.
الفانتازي، ليس مجرد لعبة رقمية، بل هو تجربة اجتماعية ونفسية تعكس ازدواجية المشاعر، وتقوي الروابط بين الشباب السوداني في المهجر، وتفتح نافذة لفهم أعمق للانتماء الرياضي في الغالم الرقمي.
المصدر: صحيفة التغيير