فات الأوان.!!


إسماعيل عبد الله
بعد دخولها عامها الثالث، حرب السودان تفرز الغث من السمين، وغربال الحق من الباطل يقذف بأصحاب الغرض إلى خارج صندوق “الدواس”، في نفس الوقت الذي تدخل فيه الأسلحة النوعية لا (الكمية) ساحة المعركة، سوف يندم أنصار الدولة والنظام القديمين أيما ندم، ويتأسف قادة وفود التفاوض التابعين للشق المشعل للحرب أيما أسف، فالفرصة المثالية لن تتكرر، والعاجز عن إبداء رأيه في الوقت المناسب، ليس له من الحظ غير عض إصبع الندم، والمثل التقليدي الشعبي في معناه يقول: (من يستحقر الرجال لا محالة ميت)، لقد صبر الناس والأجاويد على تسويف قائد الجيش المرتهن لأجندة الإخوان المسلمين الحركة الإسلامية، وآثر الركون لشيخه الحركي (الكرت)، فكل امرئ يكتوي بوعود عرّابه، وها هو “البرهان”، يدفع ثمن الانجرار وراء (المشروع الميت)، الذي يماثل (الكرت الميت)، ولقد وضح جلياً أن الرياح سكنت عن العصف باتجاه الفئة الباغية، منذ اليوم الذي سقط فيه أول شهيد أمام بوابة الجيش المغتصب (بفتح الصاد)، وانقطع التيار الكهربائي عن الاتصال بالمنفذ العاطل (البلك الطافي)، كما يقول صديقي العزيز، إنّ الغباء الإخواني الحركي الإسلامي لا يجيد صناعة الإبداع، لأنه اعتمد طيلة مسيرته على مُنظّر واحد وشيخ أوحد (حسن الترابي)، فتاه في صحراء اليباس وتوغل في فسيفساء الضياع، وطبيعياً أن يحصد الحسرة والندامة من خان شيخه، كما سمعنا في تسجيل صوتي عاجز و(شائخ) للدكتاتور عمر البشير وهو يستذكر أفضال (شيخ حسن).
لقد تغنى السودانيون الأحرار بصوت المطرب الراحل صلاح بن البادية، وهو يشدو برائعته “فات الأون”، وأهدوها لكل مناصر للنظام البائد والدولة القديمة، ووضح جلياً بما لا تشوبه شائبة أن المرحلة الآنية من حرب “الندامة” (لسان حال فلول النظام البائد)، لا تبشر بخير يذكر يأتي إليهم، وهم المغضوب عليهم من شعوبهم الحانقة عليهم، ومن العالم من حولهم، ومن الإقليم الذي ينظر إليهم شذر مذر، فالعالم قد سأم الإرهاب والإرهابيين، والإقليم علم جوهر نواياهم التخريبية والتدميرية، بعد أن قضى أحفاد إبراهيم المنسلين من صلب إسحق، على ترسانة الشر في الإقليم، التي تدعي زيفاً أنها صاحبة الصك المفتوح الموقع من حفيد إسماعيل (أبي القاسم)، لقد نسي المتطرفون العلائق الإنسانية الجامعة لهم بأبناء عمومتهم، وقد كان حسن الترابي صاحب نظرة بعيدة حينما دعا لمؤتمر حوار الأديان، المشروع الذي لم يستوعبه تلامذته الأغبياء، فالآن تبنى عين المشروع أولئك الذين يستأهلونه، ولو كان (الشيخ) حياً لقال للمهرجين من تلامذته السكارى والحيارى من حيرانه، أن اصمتوا واتبعوا الرجل الذي جاءكم من أقصى البادية يسعى، اتبعوه لأنه لم يسألكم أجرا وهو المهتدي إلى سواء السبيل، والموصل بلاد السودان لنهاية الطغيان، فعلى المتدبرين لآيات المهندس الأعظم والمعلم الأكبر، أن يقتفوا أثر من سلك مسلك محمد، الذي رعى الإبل وامتهن التجارة، ثم ساس الناس فبنى الحضارة العابرة لكل قارة.
لسنا منجمون ولا سحرة ولا (كهنة)، بل لم نكن في يوم من الأيام من ذوي الدراية بطقوس ضرب الرمل ولا شعوذة قراءة الفنجان، لكن البصيرة تأتي قبل البصر، وهي نافذة القلب الخالي من الشوائب، الذي قال كلمته من أول يوم لانطلاقة رصاصة الغدر والخيانة من (الحارس مالنا ودمنا)، وما آل إليه حال الناس بعد السنتين المليئتين بكل ما تشمئز منه النفس البشرية، لهو آخر العظات المرسلة من رب العباد، لسكان السودان من المواطنين الأبرياء، الذين كانوا عائشين حياتهم الطبيعية، يصبحون على أكل العيش واتباع أسباب الرزق، ويركنون مساءً إلى بيوتهم الآمنة المطمئنة، بأن لا تنجرّوا وراء الضلال المبين الذي أورثكم الفاقة وسوء المآل، فقد آن أوانكم لأن تكفروا برواية الإخوان المسلمين (الحركة الإسلامية)، الموغلة في التضليل والتزييف والتزوير وقلب رأس الأمور على عقبها، ومن لم يصل إلى يقين بأن الحرب قد بدأها الحركيون الإسلاميون (الكروت المحروقة)، يكون مثله كمثل أبي لهب الذي تحدى رسولنا الكريم، فلم يقبل الدعوة إلى دخول الدين الجديد حينها، ولم يرضخ للوعيد بنار جهنم، فتبجح أمام سيد الخلق غروراً واستكباراً ونفوراً من التغيير، وخوفاً من انتصار المشروع الجديد، فهؤلاء السائرون على درب أبي لهب الذين يطلق عليهم اسم البلابسة، هم الذين سينتهون بسوء الخاتمة التي أنتهى إليها أبو لهب، والأيام بيننا.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة