
غنائم ما بعد الحرب
التقي البشير الماحي
إن أكثر جهةٍ برعت في التفاوض في السودان منذ أن استولت على السلطة هي الحركة الإسلامية وكانت دوماً تعمل على شقِّ الحركات المسلحة وإضعافها.
حصل ذلك مع الحركة الشعبية الأم التي انشقّ منها جناح الدكتور رياك مشار، ونُسبت إليه مقولة ساخرة مفادها أن الحركة الإسلامية إذا فاوضت زوجاً وزوجته لأوقعت بينهما الطلاق.
الحركة الإسلامية اليوم ترفض التفاوض وهي تعلم علم اليقين أنه الطريق الأقصر حتى لهزيمة الدعم السريع، فلها الكثير من العناصر بداخله وتعلم عنه الكثير. والذي يعلمه الجميع أن الدعم السريع في تكوينه يحمل الكثير من التناقضات داخله، وأكثر ما يوحّده اليوم هو وجود عدوٍّ مشتركٍ ظاهرياً يتمثل في النخب الشمالية ولكن في الواقع فإن الدعم السريع عدوه الأول هو القبائل الأفريقية أو غير العربية في دارفور.
قبل اندلاع هذه الحرب كانت هناك الكثير من الخلافات داخل الدعم السريع، وكانت العديد من القيادات الميدانية ذات الثقل القبلي تقبع في السجون أمثال سافنا وقائد مدفعيته الحبيب حريكة وغيرهم. الدعم السريع حتى تاريخ اليوم عبارة عن مجموعة أرقام تمثل قبائل ومجموعات لا رابط بينها غير شعاراتٍ مستلفةٍ من إرث بعض حركات الهامش.
القوة التي ترفض وقف الحرب تعلم ذلك، ولكن تظلّ عيونها على ما بعد إيقاف الحرب والمكاسب التي يمكن أن تحصل عليها بعد أن تضع الحرب أوزارها.
هناك قوى تقف ضد وقف الحرب وترى أن المحافظة على الدولة ومؤسساتها تتطلب سحق هذه الميليشيا وهي نظرة قاصرة فالدولة نفسها اليوم تُسحق ويُعاد تفكيكها إلى عناصرها الأولى. فاليوم أصبح كامل غرب السودان خارج سيطرة الدولة السودانية القديمة، وبذكاءٍ عمل الدعم السريع على الاستفادة من التحالف الذي أنشأه، والذي أطلق عليه “التأسيس”، ليفرض هيمنته المسنودة بهذا التحالف المدني، وقد استفاد من الفشل الذي صاحب استيلاءه على المدن في شمال السودان، وهي سيطرة كان طابعها التخريب لا البناء.
لا السودان اليوم ولا مؤسسات دولته تملك رفاهية الانتظار وتعدّد الخيارات والرغبات وإنما الواقعية السياسية هي التي تتطلب اختيار ما هو متاح وواقعي والمتاح والواقع يفرضان أن تقف الحرب اليوم لا غداً.
المصدر: صحيفة التغيير