غزة تُذبح… والضمير العالمي مشلول!

✍️ بقلم: حسن عبد الرضي الشيخ

في واحدةٍ من أبشع جرائم هذا العصر، ترتكب إسرائيل فصلاً دمويًا متصلاً من القتل والتجويع والتدمير بحق شعبٍ أعزل، محاصر منذ سنوات، يموت أطفاله ببطء تحت أنقاض البيوت، أو من شدة الجوع، أو من ندرة الدواء والماء.

لا تكاد تمر ساعة إلا وتُسجّل مجزرة جديدة في قطاع غزة، ذلك الشريط الصغير المكتظ بالبشر والمعاناة، والمترعة أرضه بدماء الأطفال والنساء والشيوخ. مئات الآلاف من العائلات هُجّرت من بيوتها أو دُفنت تحتها. الجوع أصبح السلاح الأخطر، بعد أن قرر الاحتلال أن يجعل من الخبز والماء جريمة، ومن حليب الأطفال مادة محرّمة.

لقد أصبحت مراكز توزيع المساعدات مصائد موت، يُقتل فيها الجائعون قبل أن تصل إليهم لقيمات البقاء. إنها سياسة تجويع ممنهجة، تهدف إلى إذلال الشعب الفلسطيني وإبادته ببطء. والأشد إيلامًا من ذلك هو الصمت الإسلامي، والجبن العربي، والعجز الأممي، الذي يسعى لحل مشاكل العالم كلّه، إلا مأساة طفل يموت جوعًا أو يختنق من المسغبة… فيا لها من مصيبة!

وقد يُقال إن ما يحدث هو “حرب على التطرف الديني” أو “رد على جماعة متشددة”، لكن حتى هذا الادعاء، إن صح، لا يبرر قتل الأبرياء. فهل كل سكان غزة ينتمون إلى تيار بعينه؟ وهل يعاقب شعبٌ كامل لأن فيه من يختلف؟ وحتى إن وُجدت فئة تمارس الإكراه باسم الدين أو تسعى للهيمنة تحت ستار العقيدة، فهل يُعاقب الجميع؟
إن العالم، بقيادة إسرائيل، يعاقب الفلسطينيين مرتين: مرة بتركهم تحت رحمة من يفرض وصايته عليهم بالعنف والبطش، ومرة بحرب انتقامية تدمّرهم باسم مقاومة ذلك العنف. إنها دائرة جهنمية، يدفع ثمنها الأبرياء وحدهم.

أي وقاحة هذه التي تمارسها إسرائيل أمام أعين العالم؟! وأي نفاق دولي يسمح باستمرار هذا القتل اليومي؟! هل أصبحت دماء الأطفال الفلسطينيين أقل قيمة من غيرهم؟! أم أن “الشرعية الدولية” لا تُطبّق إلا حين يكون القاتل من خارج التحالف الغربي؟

على المجتمع الدولي أن يغادر محطة الصمت، وأن يمارس ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل لإيقاف هذه الحرب، التي باتت تستخدم فيها سلاح التجويع بلا رادع. لقد أصبحت المجاعة تشمل سائر الشعب الفلسطيني، بينما ما تزال أمريكا تدلل إسرائيل، تغض الطرف عن جرائمها، ولا تملك حتى أن تقول لها: “كفى!”

أليس هناك ربٌ يحمي الأطفال الجوعى؟ أليس هناك يومٌ للحساب؟ لقد أصبحت إسرائيل كالأنظمة الطاغية في منطقتنا، لا تؤمن بدين، ولا كتاب، ولا يوم موعود. بل ولا حتى بإله. تقتل، وتنتهك، وتسرق، بلا وازع ولا ضمير. لكنّ عاقبة هذه التصرفات الهوجاء قادمة لا محالة، فالعدل وإن تأخّر، لا يُهزم.

ما يجري في غزة اليوم ليس حربًا، بل مجزرة متكاملة الأركان، تتحمّل مسؤوليتها إسرائيل أولًا، ثم كل من يصمت أو يبرّر ثانيًا. إنها كارثة أخلاقية وإنسانية وسياسية، تُسقط الأقنعة، وتفضح زيف شعارات “حقوق الإنسان” و”العدالة الدولية”.

لكن، ما هو الحل؟

الحل لا يكون بالمزيد من القتل، ولا بالاغتيالات، ولا بالقصف. ولا يكون بإبادة الفلسطينيين أو تركيعهم بالجوع. إن الحل السياسي الظاهري المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧ ضروري وعادل، لكنه وحده لا يكفي.

الحل الحقيقي يبدأ من داخل الإنسان، من تحرير الفكر من أغلال التعصب، ومن فهم الدين فهماً جديدًا يرتقي بالإنسان إلى مقام المسؤولية الفردية والحرية الواعية، لا إلى التبعية والولاء الأعمى.
الحل هو السلام، لكنه ليس السلام الذي تُفرضه القوة، بل السلام الذي ينبع من العدالة، ومن الاعتراف المتبادل بالحقوق والكرامة الإنسانية.

إن الصراع في جوهره ليس فقط على الأرض، بل على معنى الوجود نفسه، على كرامة الإنسان وحقه في أن يعيش حرًا وكريمًا. وهذا السلام لا يُبنى إلا على أساس من الفكر الناضج، والروح المتسامحة، والعدالة الشاملة، التي لا تفرّق بين ضحية وضحية، ولا بين طفل وطفل، أيًّا كان دينه أو لونه أو جنسه.

العالم اليوم مطالب، أكثر من أي وقت مضى، أن ينهض إلى إنسانيته، أن يوقف هذه الحرب، وأن يعلن بوضوح: لا لقتل الأبرياء، لا لحصار الأطفال، لا للعدوان.
ومن صمت عن الدم، فقد شارك في سفكه.

أما نحن، فعلينا أن نرفع الصوت عاليًا، وأن نربي أبناءنا على المحبة لا الكراهية، وعلى الحق لا التشفّي، وعلى المسؤولية الفردية لا الغوغاء.

غزة لا تموت، وإن جاع أطفالها… بل نموت نحن، إن خذلناهم، وسقطنا في اختبار إنسانيتنا.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.