قال “صن تزو” في كتابه فن الحرب:
“إذا كنت تعرف عدوك وتعرف نفسك، فلن تخشى نتيجة مائة معركة.
وإذا كنت تعرف نفسك ولا تعرف عدوك، فسوف تعاني من الهزيمة مع كل انتصار تحققه.
أما إذا كنت لا تعرف عدوك ولا تعرف نفسك، فسوف تستسلم في كل معركة.
ويقول “كارل فون كلاوزفيتز” في كتاب عن الحرب أيضًا:
“ولكي نكتشف إلى أي مدى يجب أن نحشد مواردنا للحرب، يتعين علينا أولاً أن نفحص قدرات العدو على المقاومة، أي مجموع الوسائل المتاحة له وقوة إرادته.
الجزء الأول قابل للقياس، لكن الجزء الثاني، أي قوة الإرادة، أصعب كثيرًا في القياس، ولا يمكن فهمه إلا من خلال فهم طبيعة الخصم.”
ولفهم طبيعة خصم مراوغ كـ”نظام الإخوان المسلمين” في السودان، لا بد أولاً من التحلّي بأكبر قدر ممكن من سوء الظن.
فقد قيل قديمًا: “إذا فسد الزمان، فإن سوء الظن من حسن الفطن.”
وقد نُسبت إلى الإمام الشافعي أبيات تقول:
“لا يكن ظنك إلا سيئًا
إن سوء الظن من أقوى الفطن
ما رُمي الإنسانُ في مَخمصةٍ
غير حسن الظن والقول الحسن.”
وبالطبع، كما يصح أن بعض الظن إثم، يصح أيضًا أن بعضه ليس بإثم، بمثلما أن الحثّ على اجتناب الكثير من الظن لا يعني بالضرورة الزهد في القليل منه.
خاصةً أن أثر الفأس ما زال طريًا على الرؤوس، وكما ورد في المثل: “كيف أصدقك وهذا أثر فأسك؟”، وهو مثل قالته حيّة لمن غدر بها، ونقض عهدها، فقطع ذيلها.
تصوّر أن جماعة قابلة لأن تنقض عهدها مع شيخها، الذي دبّر لها أمرها، ومع من يطيعها وينفذ لها ما تأمر به، أنى لها أن تصون عهدا مع سواها؟
لقد تفوّق هؤلاء الإسلاميون على أنفسهم، وعلى سوء الظن العريض بهم، في العام 1995، حين فكّروا مجرد تفكير في تدبير عملية اغتيال للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
لكن الأدهى من الفكرة نفسها، كانت السيناريوهات المرعبة التي رُسمت للخروج من مأزق فشل الخطة، بعد انكشاف أمر من دبّرها وشارك في تنفيذها.
ففي اجتماع عاجل كشف الترابي لاحقًا بعضًا من تفاصيله، تحدّث من يعتقد أنه مهندس العملية وعرابها قائلاً:
“شاركنا في محاولة اغتيال مبارك مع الجماعة المصرية، وقدمنا لهم كل ما طلبوه، لكن ثلاثة قُتلوا في مسرح العملية، وثلاثة اعتقلهم الأمن الإثيوبي، وثلاثة تم تهريبهم إلى الخرطوم، وقد جمعتكم اليوم لأقول لكم: سنصفي هؤلاء الثلاثة.”
أما السيناريو الأكثر فظاعة، فكان ما اعترف به الترابي لاحقًا في مقابلة تلفزيونية، حين قال:
“أطراف في الحكومة قامت بقتل ضباط أمن سودانيين كانوا ضالعين في المحاولة، أو كانوا على علم بها فقط.”
عموما لم يعد المصير المأساوي للضباط السودانيين الضالعين في المحاولة سرا.
ومهما بلغنا في إساءة الظن شأوا بعيدا، الا انه يصعب في الحقيقة تصور كيف يمكن أعدام الآمر بالتعليمات للمأمور بالتنفيذ، أو تصفيته ضحايا آخرين لا زال يتردد ذكرهم، كل ذنبهم الذي قتلوا عليه، أنهم كانوا علي علم فقط بما جري حتي لو بالمصادفة.
المهم فإن جماعة احترفت نقض العهود، وسلكت دروب الغدر والخيانة حتى بأقرب أتباعها، لا يُستغرب منها أن تفعل بالسودان كل ما نشهده الآن من قتل وتشريد ودمار.
وهكذا، فإن من أمن العقاب أساء الأدب بلا حياء، ومن أفلت من الحساب، ولغ في الدماء دون وازع أو خوف أو رجاء.
إدراك
المصدر: صحيفة الراكوبة