عيد بطعم الدم ورائحة البارود
عيد بطعم الدم ورائحة البارود
تاج السر عثمان بابو
1
بأي جال عدت يا عيد، عاد العيد متزامناً مع الذكرى الرابعة لموكب 30 يونيو، وفي ظروف الحرب اللعينة التي اقتلعت وأحرقت الأخضر واليابس، وخطف فرحة عيد الأضحى المبارك، وخلت الساحات العامة من المصلين، وصباح العيد على الأطفال، وزيارات الأقرباء، فهو عيد بطعم الدم ورائحة البارود، وفي ظروف اقتصادية ومعيشية متدهورة، وشح السيولة، مع تشريد الالاف من أعمالهم نتيجة لإغلاق المصانع وشل الحياة في الخرطوم، وتأثر 70% من سكان العاصمة العاملين باليومية، وعدم صرف المرتبات لثلاثة أشهر، عجز فيها الكثيرون في العاصمة الخرطوم عن شراء خروف الأضحى، فضلا عن صعوبة ومخاطر دخول اصحاب المواشي للعاصمة مع الحرب الجارية، وفي مناطق الاشتباكات ظلت بعض الأسر محبوسة في منازلها، في طروف انقطاع الماء والكهرباء مع ارتفاع درجة الحرارة وانقطاع الانترنت والاتصالات، مع إزعاج أزيز الطائرات ودوى اصوات القذائف والمدفعية الثقيلة، رغم الهدنة المعلنة، التي طاش بعضها وأدت لمقتل بعض الاسر كما حدث في جبرة جنوب الخرطوم، فضلا عن الدمار والحريق والنهب والسلب الكبير الذي احدثته الحرب في ممتلكات واصول الدولة السودانية، والسفارات، وفي المصانع والبنوك والأسواق وحركة التجارة من صادر وارد، والمستشفيات والجامعات والمعامل والمتاحف والمكتبات، وتدهور الإنتاج الزراعي، مما يهدد بمجاعة وعجز غذائي، مع عدم فتح المسارات الآمنة للاغاثة، رغم أكثر من (11) هدنة فشلت وتم خرقها، اضافة لاحتلال الجنجويد للمستشفيات ومحطات المياه والكهرباء، ولمنازل المواطنين وجعلها ارتكازات عسكرية ونهبها والسكن فيها، ونهب عربات المواطنين من الجنجويد، واتخاذ المواطنين دروعا بشرية، والقصف العشوائي لطائرات الجيش التي احدثت دمارا في البنيات التحتية والعمارات والمباني السكنية، اضافة لنزوح أكثر من 2,5 مليون شخص الى داخل وخارج البلاد، ومقتل أكثر من الف شخص، واصابة أكثر من 5 الف شخص، غير المفقودين، مما أدي لتحميل البعثة الأممية الدعم السريع أعمال العنف في مناطق سيطرتها، والجيش لقصفه للمناطق السكنية، جاء العيد في ظروف هجر الديار وتفرق الأهل والأحباب والاسر التي انفرط عقدها في الشتات.
2
كما جاء خطابا حميدتي والبرهان بمناسبة العيد ذرا للرماد في العيون، تحدث البرهان عن مؤامرة لتفتيت النسيج الاجتماعي، وأن محمد حمدان دقلو اختطف الثورة، ونسي دوره مع اللجنة الأمنية في اختطافها وتدبير مجزرة فض الاعتصام، وانقلاب 25 أكتوبر وحنى الحرب الكارثية، وطلب من شباب البلاد حمل السلاح للدفاع عن الوطن، ولمواجهة المؤامرات الداخلية والخارجية، وهو الذي مع اللجنة الأمنية للنظام المدحور وقوات الدعم السريع والكيزان من دبروا مجزرة القيادة العامة، واغرقوا ثورة الشباب الذي طالبت بالحكم المدني وسلطة الشعب وحل الجنجويد في بحور من الدماء، وتم القاءهم وهم مثقلين بالحجارة في مياه النيل، فاي شباب يطلب منه البرهان حمل السلاح؟!!، فدعوة البرهان الشباب لحمل السلاح اعتراف بالفشل في حسم الحرب عسكريا وسياسيا، والتخلى عن مسؤوليته، بعد أن نال الأمن والدفاع 76% من ميزانية الدولة، ونالت شركات الجيش 82% من موارد البلاد، ودفعت الدولة مرتبات المرتزقة الجنجويد، رغم ذلك تم الفشل في حفظ أمن البلاد واصول وممتلكات الدولة السودانية والمواطنين، مما ادي لمجازر الخرطوم والابيض الجنينة وكتم وطويلة، ونيالا زالنجي، وامتداد نار الحرب لتصل جنوب كردفان والنيل الأزرق. فدعوة البرهان للمواطنين لحمل السلاح تؤدى لحرب أهلية واطالة أمد الحرب، وهي دعوة مرفوضة مثل دعوة مناوى لنواطني دارفور لحمل السلاح.
لا بديل غير وقف الحرب، والحل السلمي وخروج العسكر من السياسة والاقتصاد، وحل الجنجويد، ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات، وقيام الجيش القومي المهني الموحد، وعودة شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لولاية وزارة المالية.
أما حميدتي في خطابه، فقد اعترف بجرائم الجنجويد من المتفلتين، وأعلن عن مجلس مجاسبة للمتفلتين ممن يرتكبون انتهاكات في حق المواطنين، وهذا ايضا ذر للرماد في العيون، وعلى شاكلة كل لجان التحقيق السابقة، التي كانت جواز مرور للافلات من العقاب، فالمطلوب اذا كانت هناك جدية خروج الجنجويد من منازل المواطنين والمستشفيات، وعدم اتخاذ المواطنين دروعا بشرية، وارجاع الأموال والممتلكات التي تم نهبها لاصحابها، وخروج الجنجويد من الأحياء والمدن، حل الجنجويد الذين اتضحت خطورتهم على وحدة البلاد، كما أكدت تجربة روسيا مع مرتزقة “فاغنر”، وارتباطهم بمحاور خارجية لنهب ثروات البلاد، وارتباطهم بالابادة الجماعية التي جرت في دارفور، فقد اتهمت الأمم المتحدة الدعم السريع بتنظيم حملة ابادة عرقية في الجنينة.
3
امتدت نار الحرب لتصل مدن مثل: الأبيض ، وفي دارفور (نيالا، زالنجي، طويلة، والجنينة)، كادوقلى بجنوب كردفان، الكرمك بجنوب النيل الأزرق، مع تأجيج النعرات العنصرية من طرفي الصراع، مما أدي لابادة جماعية تطهير عرقي في الجنينة، مقتل والي غرب دارفور خميس أبكر من قوات الدعم السريع، مما وجد ادانة عالمية واسعة، فقد أعادت الأحداث ما حدث في دارفور من تطهير عرقي العام 2003 الذي أدي لمقتل أكثر من 600 الف ونزوح أكثر من 2 مليون شخص، مما جعل البشير ومن معه مطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، مما يتطلب محاكمة المجرمين وعدم الافلات من العقاب.
فضلا عن خطور اطالة أمد الحرب ممل يؤدي لتمزيق زحدة الوطن، واشتعال الحرب في البلدان المجاورة المتداخلة قبليا مع السودان، ويؤثر على استقرار المنطقة بأسرها ويفتح الباب للتدخل الأجنبي على أساس البند السابع الذي بدأت ارهاصاته تلوح في الأفق كما في قرار مجلس السلم والأمن الافريقي بشأن تجريد الخرطوم من السلاح، الذي جاء متمشيا مع وجهة الاتحاد الأفريقي و”الايغاد” لوقف الحرب ووضع الترتيبات الأمنية لتصبح الخرطوم منزوعة السلاح، واخراج العسكر من العاصمة وادخال قوات شرطة من دول الاتحاد الافريقي و”الايغاد”، وكلها خطوات تمهد لتدخل مجلس الأمن وفق البند السابع، اضافة لخطور التدخل الأمريكي على نمط افغانستان والعراق، الذي لم يجدى فتيلا، فوقف الحرب والحل الداخلي هو الضمان لعدم تمزيق وحدة البلاد، تلك الحرب اللعينة التي فرضها مليشيات “الكيزان” والدعم السريع، من أجل السلطة والثروة، ولخدمة مطامع خارجية هادفة لتصفية ثورة السودان، ووقف التحول المدني الديمقراطي.
4
أخيراً، لا بديل غير وقف الحرب الكارثية التي تهدد وحدة البلاد، ونحو هذا الهدف فلتنتظم اوسع حملة جماهيرية بمناسبة ذكرى 30 يونيو بمختلف الأشكال بمناسبة، من أجل وقف الحرب، ورفض التسوية مع العسكر والجنجويد التي تعيد إنتاج الحرب والأزمة، وتقديم المسؤولين عن جرائمها للمحاكمات، وعودة النازحين لمنازلهم وقراهم، وخروج الجنجويد منها ومن المستشفيات ومواقع الخدمات الأخرى، وفتح المسارات الآمنة، وخروج مليشيات الجنجويد ومعسكرات الجيش من المدن، وحتى قيام الحكم المدني الديمقراطي، ووقف نهب ثروات البلاد، والسيادة الوطنية زقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم، وانجاز مهام الفترة الانتقالية، واهداف الثورة.
المصدر: صحيفة التغيير