د. حامد برقو عبدالرحمن

(١)

نحن..!

و أعني بعض مكونات غرب السودان؛ و تحديداً ( سكان جبال النوبة و سكان منطقة شمال غرب أقليم دارفور) لدينا تاريخ يمتد لأكثر من أربع قرون في مجابهة و هزيمة الجنجويد و أحفادهم على اختلاف المسميات و الحقب . بإستثناء معركة واحدة حظيت بإسناد جوي حكومي و تواطؤ بالخيانة من قبل صديق بدولة مجاورة (و حولها تباينت نتائج تقييم الناس )؛ فإن جميع تلك المعارك انتهت على نسق معركة أم صميمة و التي أذهلت العالم بموهبة العدائين الذين تذخر بهم مليشيا الدعم السريع ؛ حيث ترك مقاتلو المليشيا مدرعات الكفيل الخليجي ليسبقوا سيارات الدفع الرباعي للجيش و القوات المشتركة بأرجلهم ( ماراثون ام صميمة).

علمنا التاريخ بأن هذا الصنف من خلق الله تعالى لا يفهم غير اللغة التي يتم تلقينها لهم منذ ان غادرت حركات الكفاح المسلح مقاعد (الحياد الصوري) لتعبر عن غضبها و تعلن انتصارها لنساء و اطفال و عجزة السودان ، متلاحمة مع الجيش الوطني الذي كان في يوم من الايام عدو لها. ببساطة لأن الوطن لا يقبل القسمة الا على واحد لتصبح النتيجة الوطن نفسه ، دون أي سوء أو حتى خدش يصيبه ..!

(٢)

عندما أقتحمت قوات حركة العدل والمساواة مدينة أم درمان في مايو ٢٠٠٨ بعملية الذراع الطويلة ( و بغض النظر عن تباين مواقفنا من العملية نفسها) فلم يتعرض المقاتلون لأي مواطن أو مواطنة أو حتى الممتلكات العامة أو الخاصة. ليس الوازع الديني وحده الذي منع المقاتلين من اقتراف اي تجاوز أو جرم ؛ انما روح الانتماء إلى تراب هذا الوطن كانت لها كلمة الفصل بصرف النظر عن من اي إقليم ينحدر من يجلس على كرسي الحكم أو من يعارضه.

على نقيض مقاتلي مليشيا الدعم السريع و الذين أكثر من نصفهم أجانب من دول غربي افريقيا بينما النصف الاخر نفسه فإن جلهم قد دخل السودان أبان موجات المجاعة التي ضربت منطقة وسط و غرب أفريقيا في السبعينات و الثمانينات القرن الماضي، فنالوا الجنسية السودانية بالاستيطان ( و ذلك حق قانوني، بحسب القانون الدولي ). نالوا الجنسية إلا أنهم عجزوا عن نيل حب هذا الوطن. لأن لا جين لهم بين أتربة و ذرات تراب (النيلين، التاكا ، كادوقلي، و مروي ، وادي هور ، الباقير ، السرحان ، الكرمك و النعيمة ، بارا ، و الطينة، الباوقة .. و غيرها). أي أنهم ليسوا منا و نحن لسنا منهم.

ليس من الطبيعي و لكن من المتوقع أن يتصرفوا على البهيمية التي نراها.

(٣)

نظام الإنقاذ الذي اوردنا كل ما نعيشه من المحن و التي منها كارثة الدعم السريع لاشيء يجعلنا نذكره بغير لعنة. برغم ذلك فإن ما قدمه البشير و نظامه الإجرامي من إحسان في حق الجنجويد لم يسبقه فيه احد ، حيث نال (أنصاف المتعلمين) منهم و غير المتعلمين أعلى المناصب بالدولة الي سقف نواب رئيس الجمهورية، بجانب وزراء متنفذين إلا أن جميعهم نسي الجميل و انحاز للمليشيا المتمردة على أمل بائس لتكوين دولة عشيرة واحدة على أنقاض سودان الحضارة و التاريخ الممتد لأكثر من خمس ألف سنة.

أرأيتم من هم و كيف يفكرون ؟!

مع حفظ تقديرنا لكل من المملكة العربية السعودية و قطر و مصر بالرباعية العربية؛

الا انه لا أحد في هذا الكون يستطيع تركيع الشعب السوداني للجلوس مع من لا عهد و لا خلق و لا دين له. ذلك حتى إن شكلوا مائة حكومة اسفيرية برئاسة من هلك و سكن القبور ، أو برئاسة آخر باع أشواق شعبه بالخمور.

(٤)

أي سطر في سفر الجنجويد كبيرة لا تغتفر لكن لمأساة الشهيد النقيب طيار محمد أحمد الصادق فقرة تقاوم النسيان.

في نهار ١٥ ابريل ٢٠٢٣ عندما هاجم الغزاة قاعدة النجومي الجوية في جبل الأولياء أقلع النقيب محمد احمد العشاي بمروحيته الابابيل حتى لا تحرق .

بينما هو محلقاً في الأجواء ؛ اتصل به زميله الرائد طيار (الجنجويدي) محمد موسى ليخبره أن المليشيا قد انسحبت و عليه أن يهبط قبل نفاذ الوقود. وثق الشهيد في الزمالة و عشرة السنين و القسم الذي بينهما ؛ فهبط

بطائرته. فور خروجه من كابينة المروحية باغته الجنجويدي محمد موسى برصاصة في رجله ثم رمي به في ظهر سيارة تايوتا لينزف حتى لحق بالصالحين( إن شاء الله)

في الحرب التي فرضت على أمتنا من قبل قوى الشر فقدنا الكثير من الأطفال و النساء و الرجال ، و لكل واحد منهم قصة.

الا ان نظرات الشهيد النقيب طيار محمد أحمد الصادق العشاي و هو يرى ما حل بقاعدته و ما أصابه من زميله قبل أن يغمض عينيه شهيدا وحدها تمنعنا الجلوس مع مليشيا الدعم السريع.

اسأله الكريم الجواد أن يبني له و لجميع شهداء معركة الكرامة و أهاليهم و مناصريهم و كل من على دربهم من الأحياء بيوتاً متجاورة في الجنة.

المجد لأمتنا

و النصر لنا

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.