عن ناس الكنابي وخيانة العُشْرَة!! السودانية , اخبار السودان
خالد فضل
سيكون لزاما على كثير من السودانيين أنْ يهرقوا دما أكثر من أنفسهم ليفهموا في آخر رمق معنى الشعار الجلجال (فلترق كل الدماء) , صحيح ارتبط ذلك الإسراف في إراقة الدماء كلها برهط عظيم من الجنوبيين, أيام هوجة الجهاد الإسلامي ضد مطلبهم المشروع في إعتبارهم فقط بشر على أرض بلادهم , هذا المطلب دونه (إراقة كل الدماء) لإعادة مجد الدين الذي يا للحسرة تهينه مطالب الناس بالمساواة والعدالة والحرية والسلام ! الدين الذي يأفل مجده في ساحة يسودها سبط حقوق الإنسان , تظللها الديمقراطية , وتمشي فيها ممارسات دولة حكم القانون , وضبط المؤسسات , ومهنية أجهزة الحكم المدنية والعسكرية والأمنية كلها ؛ كما هي النماذج في دول الغرب العلماني . في بيئة كهذه يأفل نجم الدين , وتتطلّب إعادته للمجد (إراقة كل الدماء) كخيار أخير بعد إراقتها(منهم ومنّا) حسبما تقول الأهزوجة المعروفة لكتائب الإرهابيين .
الآن وعلى وقع إعادة السيطرة _كمصطلح واقعي _ الإحتلال و التحرير كمصطلحات سياسية من زاويتين مختلفتين للنظر , لعدد من المناطق في ولايات الخرطوم ,سنار, الجزيرة , بوساطة القوات المسلحة المشكّلة من فيالق جنود يعملون في الجيش مسبقا , وجنود يندرجون تحت لافتات حركات الكفاح المسلح الدارفورية (جبريل/مناوي/تمبور/وأخيرا رصاص) وجند آخرون من كتائب البراء بن مالك , والعمل الخاص الحزبية الإسلامية , والمجاهدون تحت راية التضليل (المقاومة الشعبية) لأنّ مصطلح الجهاد صار منبوذا ؛ كما قال د. عبدالحي يوسف ؛داعية الإسلام السياسي ؛ صاحب قناة طيبة الفضائية التابعة لحزب المؤتمر الوطني المحظور .
تتداول الوسائط الفيديوهات المفزعة عن جرائم تصفيات دون محاكمات لمشتبهين بالتعاون مع الدعم السريع , واستهداف عنصري غير مدسوس للمواطنين في كنابي الجزيرة , مع تعالي دعوات علنية لدك الكنابي وتطهير أرض الجزيرة من أي وجود بشري للعرقيات والقبائل التي تسكن فيها , ولدرحة أنّ شابا من المجاهدين (تقرأ المستنفرين) يعاتب في زميله على قذفه لطفل صغير في مياه الترعة , بحجة (ربما كان ذلك الطفل يجيد السباحة فينجو في الإتجاه الآخر) لقد كان بود ذلك المجاهد العنصري الكبير أنْ يتم ذبح الطفل قبل رميه حيّا ليموت غرقا مع وجود احتمال نجاته, فأي دين هذا الذي يعتنقه المجاهدون إنْ لم يك دين الإرهاب ؟
وتحت ذريعة أنّ سكان الكنابي قد خانوا العُشرة الطويلة الممتازة التي وجدوها من أهالي القرى المنكوبة . تجد بعض سكان القرى يمتنون على مواطنين آخرين بإيوائهم وحسن معاملتهم , مع أنّ هؤلاء الناس من حقّهم كمواطنين سودانيين أنْ يسكنوا في أي بقعة من أراضيه دون أنْ يمتن عليهم أحد بأنّه قد آواهم , هذه هي حقوق المواطنة يا سادتي , يا من تملأون الأسافير ضجيجا عن حرب الكرامة الوطنية ,وعن الحفاظ على مؤسسات الدولة الحداثيىة في رواية بعض المثقفين ., فعلى أي وجه يريدون أن يقرأ كل الناس في كتاب وطنيتهم , ومن أي سِفْر من أسفار تلمودهم المعتّق يريدون للناس الهداية الوطنية , وقد قال قائل غير قليل من السودانيين/ات الأفاضل/ات أنْ ( لا للحرب) .
لأنها تنتج لكم غلمان أشأم كلهم كأحمر عاد ؛ على قول حكيم شعراء اللغة العربية زهير بن أبي سلمى . فسكان الكنابي ليسوا كلهم أخيار , وبالطبع ليس جميعهم أشرار , كما أنّهم ظلوا لعقود طويلة يعمهون في دائرة التهميش الإجتماعي والثقافي والإقتصادي , ويعيشون في كانتونات شبه معزولة عن القرى , وبالكاد توجد في كنابيهم خدمة مياه الشرب في (كرجاكة).
في بيوت من الطين في معظمها وقطاطي وكرانك من القش والحطب , هذه هي حياتهم , بين الحواشات وقريبا منها , يكدحون اليوم كله فينتجون . وبالحق فإن غالبيتهم قد تقطّعت بهم السبل فلم يستطيعوا الهروب مثلما فعل مواطنو القرى , فكان قدرهم العيش في كنف الدعم السريع والتعايش معه , ولابد أنّ شبابا مهم قد إلتحق به مجنّدا أو متعاونا , تلك قوانين الغلبة على كل حال وليس وضعية اختيار , إذ لم يسبق لمعظم هؤلاء الشباب الإلتحاق بالجندية , شأنهم شأن من خدعهم الكيزان من شباب القرى , باسم المقاومة الشعبية ؛ وهي كتائب المجاهدين نفسها كما كشفها عبدالحي يوسف وأوردها تقرير تنظيمي تم نشره في بعض المواقع الإخبارية السودانية .
فبأي جريرة يؤخذ الأبرياء ؟ هل لمجرد أنّ بعضهم (شفشف) البيوت والأسواق ؟ أي محكمة أثبتت الإتهامات ؟ أ هي محاكم التشفي والإنتقام ؟ وحتى المحارب في الدعم السريع عندما يتم القبض عليه وتنزع بندقيته يتحول مباشرة إلى محتجز يحميه القانون الدولي الإنساني ؛ وبيانات الجيش ومؤيديه من وزراء سلطته يصرحون عند كل فجيعة بأن قواتهم تلتزم بالقانون الدولي الإنساني . فعن أي قانون يتحدثون .
إنّ أيّ جريمة ترتكب يُسأل عنها الجهة التي أرتكبتها , الجيش أو الدعم السريع أو مليشياتهم , ليس هناك تبرير لطرف بأنّه ارتكب الجريمة لأنّ الطرف الآخر أرتكب مثلها أو أفظع .وعندما تكون الجرائم مع سبق الإصرار والترصد تتحول مباشرة إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وهذه منتهى مرتكبيها والمحرضين عليها لاهاي .طال الزمن أو قصر ستلاحقهم وصمة ما فعلوا في أي مكان من السودان . ولا استثناء أو تبعيض للمجرمين من كل الفصائل .
هذه هي نتائج خطاب الكراهية , و تحوله لممارسة الإبادة الجماعية , هذه هي عقابيل التحريض والتأييد للحرب , وليظل الموقف الأخلاقي والفكري لمناهضيها هو الأصوب والأقوم سبيلا , ورغم حملات التضليل الكثيفة ضد القوى المناهضة للحرب إلاّ أن ساعة الحقيقة ستحين , وعندها سيكتشف كثير ممن ضللوا أي مركب وعر قد ركبوا , وأخشى ما أخشاه أن يكون الختام , ولات ساعة مندم .
المصدر: صحيفة التغيير