عمارة صندل «سودان مصغر» وسط كمبالا السودانية , اخبار السودان
بعد اندلاع الحرب وصل عدد اللاجئين السودانين في دولة يوغندا إلى أكثر من (200) ألف، وهذا الوجود أتاح فرص للعمالة اليوغندية
كمبالا: التغيير
هروباً من واقع الحرب السودانية التي تقترب من إكمال عامها الأول، يحاول السودانيون نقل ثقافاتهم وموروثاتهم وأنشطتهم التجارية إلى أماكن وجودهم الجديدة التي لجأوا إليها في الدول المجاورة، مثل دولة يوغندا.
عمارة صندل
في العاصمة الأوغندية كمبالا، وفي وسط المدينة “التاون” يتجمع السودانيون ويقضون أغلب نهارهم يتسوقون ويتسامرون في عمارة أطلقوا عليها عمارة صندل، ويعود الاسم إلى صاحب وكالة صندل للسفر، إحدى أقدم محال الأنشطة الاقتصادية السودانية في كمبالا. تحولت المنطقة إلى حي سوداني تفوح منه الروائح السودانية العطرة ممتزجة بموسيقى سودانية تنطلق من داخل المحالّ تحمل أصوات الفنانين وردي وعثمان حسين، محمود عبد العزيز، مرورا بالجيل الجديد في الغناء السوداني إلى أن تصل مرحلة ما يعرف شعبيا بغناء (القونات) أو غناء البنات.
محال ومطاعم وصوالين تجميل غارقة في السودانوية أضحت سمة بارزة في المنطقة يلجأ إليها الفارون من الحرب ليجدوا عزاءهم فيها.
رحلة خطرة
الشاب مصطفى خميس، أحد الذين وصلوا إلى كمبالا بعد رحلة محفوفة بالمخاطر نجا خلاها من محاولات قتل ونهب، إذ اضطر للخروج من السودان بعد أن استهدفت استخبارات طرفي الصراع الشباب منذ بداية القتال في الخامس عشر من أبريل من العام الماضي بسبب اللون، والعرق، والأخذ على الهوية، وقد كان شاهد عيان على مقتل أحد الشباب أمام عينيه، بالقرب من مستشفى الشرطة بمدينة نيالا بجنوب دارفور، بسبب انتمائه لحاضنة اجتماعية لأحد طرفي الصراع، وكثرة هذه الحوادث يقول مصطفى أجبرت الأسر إلى دفع أبنائها على مغادرة أماكن الخطر.
مصطفى: القتل والاعتقال على الهوية أجبر الأسر السودانية إلى دفع أبنائها على مغادرة أماكن الخطر واللجوء إلى دول أخرى
ويروى خميس لـ”التغيير”، رحلته منذ خروجه من عاصمة جنوب دارفور نيالا، مرورا بعاصمة جنوب السودان جوبا عن طريق البر. ويقول وصلت جوبا بعد معاناة مع اللصوص وقطاع الطرق، ومكثت في جوبا شهرا، ولكن لغلاء المعيشة فيها غادرتها ووصلت كمبالا، وبدأت أبحث عن عمل أستطيع من خلاله توفير لقمة عيش لي ولأسرتي، في ظل عدم وجود جهات تدعم اللاجئين السودانيين، ففكرت في افتتاح صالون للحلاقة.
وأبدى خميس، قلقه من ارتفاع اسعار إيجارات المنازل والمحال التجارية لأكثر من الضعف مع كثرة توافد السودانيين القادمين من السودان إلى يوغندا فرارا من الحرب، وهذا ما يجعل الكثيرين يوقفون نشاطتهم بسبب تدني الدخل مقارنة بالمنصرفات.
وخميس واحد من مئات اللاجئين الذين وصلوا إلى كمبالا بحثا عن النجاة، لكنهم اصطدموا بواقع قاس في هذه الدولة التي استقبلتهم بوجهها السياحي المكلف ماليا.
تغيير المهنة
أجبرت الظروف الاقتصادية خالد حسن، لتغيير مهنة المحاماة لا يسمح القانون اليوغندي بمزاولتها ليفتتح مطعما لبيع الأطعمة السودانية.
ويقول حسن لـ”التغيير “، خرجت من إقليم دارفور عن طريق الضعين، النهود، وتعرضت لأربع حوادث نهب مسلح، وتم الاعتداء على اثنين من ركاب البص في طريق الأبيض، كوستي”.
خالد: أوضاع اللاجئين السودانيين تعطي انطباعا بأنهم أغنياء، وربما يعود هذا إلى الحالة التكافلية التي تميزهم
ويضيف حسن: “بدأت معاناتنا بعد وصولنا مطار” الرنك “بدولة جنوب السودان، الذي توقفت فيه رحلات الطيران لأكثر من أسبوع بسبب أرضيته الترابية التي تمنع هبوط الطيران، واضطررت إلى ركوب “البوت”، وسيلة نقل محلية من الرنك إلى ملكال، في رحلة استمرت لأكثر من 48 ساعة، ومن ملكال لجوبا عن طريق الطيران، ومنها إلى العاصمة اليوغندية كمبالا عن طريق البر.
وبعد وصوله كمبالا اضطر حسن إلى تغيير مهنته من المحاماة وفكر في فتح مطعم بعمارة صندل.
وشكا حسن من ارتفاع التكلفة التشغيلية للمطعم التي تصل إلى “مليون ونصف” شيلنق يوغندي، ما يعادل 400 دولار، وهذا المبلغ يصعب تحصيله في ظل تدني القوى الشرائية في يوغندا.
ويقول خالد إن أوضاع السودانيين اللاجئين في يوغندا أو مصر أو أي دولة أفريقية أخرى، تعطي انطباعا بأن لديهم أموالا كثيرة، وهذه نظرة غير صحيحة لأن الذين وصلوا دول اللجوء هذه أتوا فارين من الحرب وويلاتها بعد أن فقدوا كل ما يملكونه، وما يخلق هذا الانطباع ربما الحالة التكافلية التي تميز السودانيين وتظهرهم بشكل متماسك ماليا واجتماعيا.
ارتفاع الإيجارات
يقول أحمد الشايب صاحب مصنع الشايب للمنتجات الحيوانية، إنه يعمل في هذا المجال لأكثر من 16 سنة في السودان، وبعد الحرب فكر في نقل المشروع إلى كمبالا واتخذ من عمارة صندل مكانا لتسويق تلك المنتجات، وخطط إلى جذب اليوغنديين وجميع الجنسيات الموجودة في يوغندا إلى جانب السودانيين.
الشايب: اختلاف الثقافة الغذائية من أكبر المعوقات التي تواجهني فاليوغنديون مثلا لا يأكلون الأطعمة المالحة
ويضيف: “أكبر المعوقات التي تواجهني عدم معرفة اليوغنديين والجاليات الأخرى بنوع الجبنة السودانية “البيضاء والمضفرة”، وذلك لاختلاف الثقافة الغذائية، فاليوغنديون مثلا لا يأكلون الأطعمة المالحة.
وأوضح الشايب أن الدخل متدن جدا مقارنة بالسودان، وقال إنه في أيام الحرب في السودان كان دخله ضعف دخله الآن في يوغندا.
اقتصاد معايش
ونقل السودانيون استثمارات تقلدية متمثلة في الأكل الشراب وأدوات التجميل، دون أن يلجوا أبواب الاستثمار الكبرى التي يمكن من خلالها أن ينافسوا المستثمرين اليوغنديين ويجذبون المواطن اليوغندي كقوى شرائية مهمة ورئيسية.
ويرى المختص في الشؤون اليوغندية ضرار آدم، أن الاستثمارات السودانية في أوغندا تعتبر اقتصاد “معايش”، ويتمثل في البقالات والمطاعم، والبوتيكات، وتستهدف السودانيين فقط، ولا تستهدف اليوغنديين الذين يمثلون (50) مليون نسمة.
مختص في الشؤون اليوغندية: الاستثمارات السودانية في أوغندا تعتبر اقتصاد “معايش”
ويقول ضرار لـ”التغيير”، إن عدد المطاعم السودانية في كمبالا قبل اندلاع الحرب في السودان كانت تبلغ 24 مطعما، وتقلصت إلى (14)، بعد الاستدامة، واليوم بعد الحرب ولجوء السودانيين إلى يوغندا تقدر بـ(200) مطعم، والبقالات كانت لا تتجاوز الـ (15) بقالة، والآن أكثر من (100) بقالة.
مضيفاً: “البقالات الموجودة في “التاون” أو قلب المدينة استطاع أصحابها تغيير أذواق اليوغنديين، بحيث أصبحوا يتحدثون عن العطور السودانية كمنتج جاذب لهم.
وتابع: “أسعار الدكاكين قبل الحرب كانت تتراوح ما بين (500600) ألف شيلنق، وبعد دخول السودانيين الاستثمارات بعد الحرب وصل سعر الدكان من (900 1000) شيلنق.
وأشار إلى أن السودانيين استثمروا أكثر من (5) ملايين دولار، مما ساعد في انتعاش الاقتصاد اليوغندي.
ولفت إلى أن عدد السودانيين المسجلين قبل الحرب كلاجئين لا يتعدون الـ(4500) لاجئ، والمقيمون أقل من (500) ألف، وبعد اندلاع الحرب وصل عددهم أكثر من (200) ألف، وهذا الوجود أتاح فرص للعمالة اليوغندية.
ثوب سوداني
ويلجأ السودانيون إلى وسط البلد “التاون” لشراء الاحتياجات اليومية إلى جانب قضاء وقت مع بعضهم وتناسي ويلات الحرب التي شردت أكثر من 8 ملايين بين النزوح واللجوء داخل وخارج البلاد.
مرتضى: “عمارة صندل وما تلبسه من ثوب سوداني، تعيدني الى السوق الأفرنجي وسط الخرطوم قبل أن تدمره الحرب
ومنذ وصوله إلى العاصمة اليوغندنية كمبالا قبل حوالي شهرين، ظل مرتضى أحمد يرتاد عمارة صندل باستمرار فهي أصبحت بالنسبة له كما يروي لـ”التغيير” بمثابة متنفس وفرصة لتناسي ويلات الحرب التي أجبرته على الخروج قسرا من السودان.
ويقول إن “عمارة صندل وما تلبسه من ثوب سوداني، تعيد ذاكرته الى السوق الأفرنجي بوسط الخرطوم قبل أن تدمره نيران الحرب المحتدمة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، وهو يتأمل في ما تحتويه من نشاط تجاري واجتماعي سوداني، ويتأمل في إمكانية عودة الحياة لبلاده.
ويصف أحمد عمارة صندل بأنها سودان مصغر في قلب العاصمة كمبالا، وإلى جانب ارتيادها للحصول على المنتجات السودانية المختلفة فهي تمثل نقطة للالتقاء بالأصدقاء والمعارف وسائر السودانيين، إذ يمثل ذلك بالنسبة له فرصة لتذكر البلاد والترويح النفسي من خلال المؤانسات مع أبناء وطنه.
المصدر: صحيفة التغيير