على غرار جزيرة توتي.. حصار للمواطنين في أمبدة
تضرب قوات الدعم السريع حصاراً على منطقة أمبدة غرب أم درمان، وتتجه الأوضاع إلى معايشة المواطنين شح الأدوية ونقص الغذاء. يواجه المواطنون مشكلة في مغادرة المنطقة في ظل انعدام الممرات الآمنة وقلة الخيارات مع صعوبة الإنفاق على حركة النزوح.
المئات مهددون بالموت جوعاً في أمبدة
وقال مواطنون إن الوضع الإنساني في غاية السوء، ولا زال ممكناً البحث عن حلول إذا مارس العالم الضغوط على الدعم السريع لفتح المسارات الآمنة لإدخال الغذاء ووصول القوافل التجارية والسماح بحرية الحركة للمواطنين حتى تعود الأسواق وتتوفر الأعمال والدخل المالي.
اقرأ/ي أيضًا:
وفاة ثلاثة مواطنين بسبب حصار الدعم السريع لجزيرة توتي
وأوضح عضو في الغرفة الإنسانية تحدث مع “الترا سودان” أن الوضع الإنساني لا يشكل أولوية بالنسبة لقوات الدعم السريع التي تحاصر المنطقة، ولم يتمكن الناس من الحصول على الغذاء والدواء منذ شهرين، حيث يعتمدون على القليل المتوفر في بعض المحلات التجارية أو المغامرة والذهاب إلى الأسواق في مناطق أخرى لجلب كميات قليلة.
مدنيون في مناطق التماس
وتقع منطقة أمبدة تحت سيطرة الدعم السريع بنسبة 80%. ورغم إعلان الجيش مساء الإثنين إحراز تقدم عن طريق القوات الخاصة المكونة من الأجهزة العسكرية والأمنية في أمبدة، تعزز الدعم السريع انتشارها في الشوارع الداخلية وتشرف على حركة المواصلات بفرض رسوم على الحافلات وأحياناً المواطنين، إلى جانب وقوع أعمال عنف في الحواجز الأمنية بحق المدنيين.
ومع استمرار المعارك العسكرية في منطقة أمبدة، التي تحولت بعض أحيائها إلى منطقة تماس قريبة من مناطق سيطرة الجيش، تفرض قوات الدعم السريع القيود على حركة المواطنين ووسائل النقل بزيادة نقاط التفتيش واستغراق وقت طويل في عملية الاستجواب للمدنيين أثناء حركة التنقل.
ورغم الظروف القسرية التي تعيشها منطقة أمبدة، تعمل غرفة الطوارئ على توفير الوجبات اليومية للمواطنين الذين فقدوا الدخل المالي بتوقف الأعمال. وهذه المجتمعات أغلبها من الفقراء، كانوا ينتقلون إلى قلب العاصمة للعمل في المهن الاضطرارية في الأسواق والشركات والمرافق العامة.
المتطوعون من الشبان والفتيات في غرف الطوارئ ملاحقون من طرفي القتال الجيش والدعم السريع لطبيعة عملهم التي تتطلب الانتقال لجلب المؤن في بعض الأوقات من مناطق أخرى لتفادي انقطاع المطابخ الجماعية عن تقديم الطعام أو توفير الدواء في المراكز الطبية المؤقتة.
الحصار ينذر بالمجاعة
في منطقة أمبدة الواقعة غربي أم درمان، فإن الأوضاع شبيهة بالوضع في جزيرة توتي التي تتعرض إلى حصار من قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب حتى اليوم. دفع عشرات المدنيين حياتهم ثمناً نتيجة مقاومة إجراءات الدعم السريع، آخرهم شاب قتل خلال صلاة عيد الفطر في أحد مساجد جزيرة توتي على النيل، وهي جزيرة تقع في قلب الخرطوم.
ويقول متطوع من غرفة طوارئ أمبدة إن الدعم السريع ضيقت الخناق على المواطنين في أمبدة لأنها تخوض معارك عنيفة ضد الجيش في بعض أحياء أمبدة الواقعة في منطقة تماس مع المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة.
متطوع: العاملون في غرف الطوارئ مستهدفون من الطرفين
ويعتقد المتطوع أن العاملين في غرف الطوارئ مستهدفون من الطرفين الجيش والدعم السريع وتظل الشكوك قائمة حول بعض أعضاء غرف الطوارئ في أمبدة والمنطقة بشكل عام لأن طبيعة العمل الطوعي تقتضي التعامل، ولو قسراً، مع الجهة العسكرية التي تسيطر على المنطقة. وإذا لم تفعل ذلك، لن تستطيع العمل.
اقرأ/ي أيضًا:
وفاة العشرات بين النازحين من الفاشر إلى مناطق حركة عبدالواحد
وأردف: “إلى حد كبير، عناصر الدعم السريع لا تملك قدرة على إدارة المناطق. يميل الجنود إلى حل بعض النقاشات عن طريق اللجوء إلى أعمال العنف. لا تكلف بعض النقاشات مع المواطنين سوى إطلاق رصاصة على جسده وقتله في نقاط التفتيش”.
وتابع: “على الرغم من الوعود التي يبذلها كبار الضباط في الدعم السريع والمشرفون على المناطق عسكرياً لضبط أفرادهم، لكن الغالبية من الجنود خارج سيطرتهم حينما يتعلق الأمر بالتعامل مع مصالح المواطنين”.
النجاة بالحظ من النهب
بقليل من الحظ، تنجو الشاحنات المحملة بالسلع التجارية من عملية النهب تحت تهديد السلاح في نقاط التفتيش التي أنشأتها قوات الدعم السريع في أمبدة. إما أن يدفع السائق المال أو تُنهب السلع. في الغالب، يحدث الأمر الأخير.
ومنطقة أمبدة، بالإضافة إلى الأوضاع الإنسانية التي تتجه إلى تدهور مريع، معزولة عن العالم الخارجي بانقطاع شبكات الاتصال منذ مطلع شباط/فبراير الماضي. يستخدم المواطنون للتواصل خدمة “ستارلنك“، وهي أجهزة محدودة في بعض المحلات التجارية التي تخضع إلى رقابة مشددة من جنود الدعم السريع.
تجوب المركبات العسكرية والمحملة بالجنود والأسلحة الثقيلة جميع شوارع أمبدة، خاصة مع اشتداد المعارك في مناطق التماس. يخضع بعض المواطنين إلى الاستجواب، ويثير الجنود شكوكاً حول تعاونهم مع الجيش، وفق ما يقول هذا المتطوع.
ويعبر المتطوعون والفاعلون في الغرف الإنسانية عن قلقهم إزاء عالم ما عاد مكترثاً لمناطق في قلب العاصمة الخرطوم أو المدن النشطة في العمليات العسكرية، التي تقع تحت حصار من الدعم السريع. يقول متطوع في غرفة طوارئ أمبدة مفضلاً حجب اسمه لخطورة الوضع الأمني: “حينما يتحرك المجتمع الدولي إزاء الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الجنرال حميدتي في بعض المناطق، مثل الإدانات التي صدرت ضد المجازر التي وقعت في الجزيرة، فإن الإجراءات العسكرية والأمنية التي ترافق حصار المناطق تعد نقطة سوداء صغيرة لا تستحق أن تذكر ربما في نظرهم”. واستدرك: “نخشى أن العالم نسي المناطق المحاصرة في السودان”.
رقعة تحتجب عن العالم
وحاولت قوات الدعم السريع نشر أقسام الشرطة ومكاتب لإدارة منطقة أمبدة، لكن الوضع العسكري والأمني يُلقي بظلاله على جميع هذه الأنشطة. في كثير من الأحيان، تخرج الأمور عن السيطرة بسبب أعمال العنف بحق المدنيين سواء في الأسواق داخل المنطقة أو نقاط التفتيش التي تكثف فيها هذه القوات عمليات التحري مع المدنيين وسائقي المركبات.
وكانت لجان مقاومة أمبدة المنصورة أكدت في نيسان/أبريل الماضي مقتل ثلاثة مواطنين جوعاً نتيجة نقص الغذاء في بعض الأحياء، حيث أن المدنيين لا يحصلون على الطعام بشكل منتظم. في حين أن غرف الطوارئ تعمل بشق الأنفس لتوفير الغذاء.
اقرأ/ي أيضًا:
متطوعون: نقص في أدوية غسيل الكلى بمدينة أمدرمان
في الشوارع الرئيسية في أمبدة، التي تنتشر فيها المحلات التجارية، أغلبها مدمرة بفعل المعارك العسكرية والقصف المدفعي. لا يمكن للتجار البقاء في مثل هذه المواقع قبل توقف الحرب لأنها معرضة بين الحين والآخر إلى القصف المدفعي. كما أن عدم وجود قدرة شرائية للمواطنين لا يشجع على ترميم المتاجر المدمرة لإعادة تشغيلها، علاوة على الرسوم التي تفرضها قوات الدعم السريع بشكل روتيني، وهي رسوم تخضع لتقديرات الجنود.
متطوع: المرضى يلجأون حينما يصعب الحصول على الدواء إلى العلاج التقليدي في المنزل. أما الأطفال، فهم بالتأكيد معرضون للحمى والتشنجات والموت أحياناً
يلجأ المواطنون إلى أسواق داخل الأحياء تبيع الخضروات والسلع والبقوليات. بالطبع في مثل هذه الأحوال، لا يمكن أن يبحث المواطنون عن اللحوم المبردة أو مشتقات الحليب أو الفواكه المستوردة. ولا ترتفع الطموحات مع نقص المال لدى الغالبية عن شراء البقوليات مثل العدس والفول والأرز والفاصوليا.
وكأن الحرب تجلب معها الكوارث، لا تبارح الملاريا جسد المواطنين. يقول المتطوع في غرف طوارئ أمبدة إن المرضى يلجأون حينما يصعب الحصول على الدواء إلى العلاج التقليدي في المنزل. أما الأطفال، فهم بالتأكيد معرضون للحمى والتشنجات والموت أحياناً.
ربما تحتل منطقة أمبدة رقعة صغيرة في حرب السودان الواسعة، التي تنشط في أكثر من (11) ولاية سودانية. ومع ذلك، فإن الممرات الآمنة هي أقصى ما يتمناه المدنيون هناك، وتتراجع هذه الآمال مع اتساع الشكوك وعدم الثقة بين الطرفين المتنازعين، كما تقول المنظمات الدولية.
الترا سودان
المصدر: صحيفة الراكوبة