اخبار السودان

‏على خلفية (سداسية) الدرديري عن الإسلامويون..هل تنهض حركة معاقة فكريا وعقديا..؟‏

خالد ابواحمد

بينما كنت أقلب وسائل التواصل الإعلامي وقع نظري على مقال للقيادي الإسلاموي السيد الدرديري محمد أحمد بعنوان الإسلاميون في ‏السودان لم تعثروا وكيف ينهضون (١٦)، بطبيعة الحال العنوان لافت للنظر، برغم أني لا أحفل بما يأتي به أمثال الدرديري ‏وغيرهم من القيادات الإسلاموية البعيدة عن هموم الإنسان السوداني، ومنذ الوهلة الأولى في مطالعتي للمقال خطرت ببالي كتابات ‏المفكر والأكاديمي البروفيسور التجاني عبد القادر حامد، وشتان ما بين الثرى والثريا، خاصة التي تناول فيها مسيرة الإسلامويون في ‏بلادنا المنكوبة، التجاني كما هو معروف عالم ومفكر وهو أكثر الكتاب الذين أسهموا في زيادة الوعي حول مشاريع (الحركات ‏الإسلامية) السياسية في تجاربها على المستوى العالم العربي والإسلامي، وقد درس تجربة حكم (الإنقاذ) المأساوية وكتب فيها الكثير من ‏المقالات الرصينة التي ركز فيها على الصراع علي السلطة بشكل تحليلي معمق يعكس التزامه الإنساني والفكري والأكاديمي ‏والوطني…‏
الاسلامويون كعادتهم الالتفاف حول الحقائق التي لا يشك فيها عاقل مثل سطوع الشمس في رابعة النهار، لا أحد ينكر وجودها إلا من ‏أعمى الله بصره وبصيرته، واضح أن السلسة التي نشر منها الحلقة الأولى تحاول تبرئة (الحركة المجرمة) من جرائم 35 عاما تنوء ‏بحملها الجبال، ويريد الكاتب أن يزرع الشكوك حولها بل محاولته تحميل مسؤوليتها للأشخاص، برغم أن الفعل الرسمي المتمثل في ‏الدولة التي يسيطرون على جيشها وأمنها وشرطتها قد ارتكبت هذه المجازر، إن الحلقة الأولى من سلسلة المقالات المشار إليها في ‏ظاهرها ايجابية جدا كونه اعترف بمبدأ المحاسبة، لكني استميح القارئ الكريم عذرا أن يقرأ معي هذه الفقرة من المقال إذ يقول ‏الدرديري محمد أحمد:‏
‏*”ولا شك في ان قيادات الإسلاميين قد ارتكبوا أخطاء أثناء إدارتهم الشأن العام. فما بلغ من تلك الأخطاء مرحلة الاتهام بجريمة، ‏وجب أن يحاكموا عليه فيُبرّأوا من التهمة أو يدانوا بها. فمن يُبرّأ فهي شهادة شخصية له، ومن يدان ويعاقب كان ذلك زاجرا لغيره ‏جابرا لذنبه ان شاء الله. وما كان من أخطائهم دون ذلك لكنه بلغ درجة مخالفة العهد والميثاق الذي بينهم وبين اخوتهم، حاسبوهم ‏عليه وربما أخرجوهم بسببه من جماعتهم*”.‏
أخي القارئ الكريم لو تتذكر اني في الكثير من مقالاتي أذكر بأن الجماعة دائما يتذاكوا علينا ويحسبون أن الشعب السوداني قليل فهم، ‏ومتواضع القدرات الذهنية، و(مسكين) يمكن أن تضربه وتسفك دمه وتأكل معه في مائدة واحدة، مثلما كانت تفعل قيادات النظام حتى ‏رئيسهم المخلوع يأمر بقتل المتظاهرين ثم يذهب لبيت أسرة القتيل ويؤدي (واجب العزاء)، القيادي الإسلاموي الدرديري في هذا المقال ‏يسمي ما حدث في السودان من ضياع للوطن، وابادات جماعية، وتطهير عرقي في كل السودان وفي دارفور من 2003م وحتى ‏‏2019م، بأنها ” أخطاء”، وأن الضرب الطيران والبراميل المتفجرة في جبال النوبة وأنحاء واسعة من دارفور والنيل الأزرق، ‏ومجازر مجندي الخدمة الالزامية في العيلفون، وانتفاضة سبتمبر 2013م، مجزرة اعتصام القيادة العامة كلها لا تعدو أن تكون ‏‏”أخطاء”..!!.‏
وأن سرقة المال العام وبيع شركات القطاع العام، ونهب البنوك مجتمعة (مجموعة بنك النيلين للتنمية الصناعية) أنموذج، وشركات ‏الطيران والخطوط البحرية وبيوت السودان في لندن وباريس وغيرها، كلها مجرد “أخطاء”، ولا زالت أموال الشعب السوداني لم ‏تسترد، وأنشئت بها شركات ضخمة في ماليزيا وتركيا ..إلخ، هذا كله أخطاء..!.‏
الفقرة المشار إليها في بداية المقال تغني القارئ الكريم تماما عن المواصلة في قراءة باقي المقال لأنها تمثل خلاصة مبكرة لسلسلة من ‏‏6 حلقات من الحشو والكلام غير المفيد والكذب والافتراء والهروب من تحمل المسؤولية التي تعتبر سمة بارزة سمات هذا التنظيم ‏الشيطاني، عندما أشير للكذب في هذه المقالة أعني اصرار الكاتب على وصف جماعته بـ(الاسلاميين) وهم أبعد خلق الله عن الاسلام ‏وما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إن عبارة (الإسلاميين) وردت في 16 موضع في المقال المكون من (2113) كلمة، وهو ‏ما يعني أن الكاتب لا زال بعيدا، لم يصل بعد للمرحلة التي تؤهله لكي يكون قابلا للتواصل الوجدان مع القراء الكرام في تفاعلهم مع ‏مقالاته،، إن القارئ الإنسان بطبيعة الحال لديه حصانة تمنعه تلقائيا من التفاعل مع أهل النفاق والمجرمين والمدافعين عن الباطل بكل ‏صوره.‏
‏*بين د.التجاني عبدالقادر والدرديري*‏
في حالة الدرديري يمكن أن نشير في المقابل إلى إقبال القراء وتفاعلهم الكبير مع كل المقالات التي كتبها البروفسيور التجاني عبدالقادر ‏حامد في العقد الأخير من مسلسلات عديدة ممتعة، تحلى فيها بالأمانة والصدق الذي عُرف به من عقود طويلة، ونموذج لهذه المسلسلات ‏المكتوبة:‏
الرأسماليون الإسلاميون ماذا يفعلون فى الحركة الإسلامية؟
العسكريون الإسلاميون: أمناء على السلطة أم شركاء فيها..؟.‏
الصفقة الكبيرة الخاسرة..‏
نحن وحدويون وإن وقع الانفصال..‏
هذا فضلا عن المقالات الكثيرة التي حركت البرك الساكنة في أدب الحوار السوداني، و اتسمت بالرقي والأدب والمسؤولية تجاه القُراء ‏والتاريخ والوطن، كما اتسمت بالتناول الرصين وبلغة سلسة تؤكد على أن كاتبها الدكتور التجاني عبد القادر قد نفذ إلى أفئدة القُراء ‏فتداول مقالاته بشكل عجيب، أما عن السيد الدرديري ومن أمثاله العشرات الذين اتفقوا مؤخرا في جماعتهم الكبيرة المجرمة على ‏محاولة إقناع الشعب السوداني بأن لا بديل لحُكم السودان غيرهم، وصُرف في تحقيق هذا الهدف الملايين المتلتة من الدولارات صرفت ‏على جوقة الإعلاميين الذسن نعرفهم جميعا ونعرف مآربهم الذاتية، لكن الشعب أوعى بكل ما يخططون له وقادر على التعامل معها ‏بحنكة.‏
وعندما نقرأ للأصلاء في قيادة الجماعة مثل أمين حسن عمر ونسمع تصريحاته، ونشاهد اللقاءات التي تجرى معه، ونقرأ للدرديري ‏محمد أحمد مثل هذا الهراء لا نحتاج لقراءة ما يكتبه الوُكلاء عنهم من أمثال الهندي عزالدين، وضياء الدين بلال وغيرهم، فنطمئن غاية ‏الاطمئنان على ما ينتظر هذه الجماعة في المستقبل، وقد علمتنا عبِر التأريخ ذلك.‏
إن مقالة الدرديري هذه ذكرتني وقفة تأملية وقفتها مع نفسي وكتبت فيها مقالا أعتقد انه كان آخر مقال لي نشرته في السودان عبر ‏صحيفة (ألوان) في ديسمبر 1999م، و عنونته بـ(كالحمار يحمل اسفارا)، ذكرت فيه أن (الحركة الإسلامية) بتاريخها الطويل في ‏السودان ومجاهداتها لم تنتج شيخا فقيها واحد له وزنه ومكانته في ميدان الفكر في العالم الإسلامي أو فقهيا ومفسرا مثل (الشعراوي) أو ‏غيره، وأن الحركة هذه برغم سنوات عمرها ومؤسساتها المنتشرة في البلاد وبنوكها وشركاتها، وسمعتها الذائعة الصيت ليس لها كِتاب ‏أو مرجع واحد له وزن يتداوله المسلمين في العالم، وأن هذه الحركة بكل حراكها وأموالها المكدسة ليس لها مؤسسات خيرية كبيرة لها ‏وزن تقيل عثرة الضعفاء وتساعد المحتاجين في السودان، حتى ديوان (الزكاة) الذي أسسوه لمساعدة الفقراء والمساكين طالته أيادي ‏الفاسدين الكبار ومن ضمنهم علي عثمان محمد طه، وهذه لها قصة يوما ما سنتطرق إليها.‏
‏*لكن ما هو السبب الذي جعلني أكتب هذا المقال على خلفية مقالة الدرديري هذه*..؟..‏
السبب هو قناعتي بأن حُكم هذه العصابة التي حكمت السودان طيلة هذه السنوات الـ 35 عاما أذلت الإنسان السوداني إذلالا شديدا ‏وفعلت فيه الأفاعيل، مارست فيه كل أنواع القتل والنهب والسرقة، ولا أدل على ذلك إلا بنموذج مقتل واغتصاب الأستاذ الشهيد أحمد ‏الخير، وقد جاء في محاكمة الجناة اعتراف أحدهم بعد سؤال القاضي عن وظيفته في جهاز الأمن قال أنه “مختص اغتصاب”..!!‏
الاجابة كانت صادمة للحد البعيد.. ولا زالت صادمة، ثم يريدون أن ينهضوا من جديد..!!‏
إن أعضاء هذه الجماعة تجردوا من الإنسانية تماما، قساة القلب بحيث يقتل الواحد منهم إنسانا ولا يرجف له جفن، كما حدث في الكثير ‏من المواقف من بينها اغتيال شهداء سد كجبار الذي خرجوا في تظاهرة سلمية في منطقة نائية رفضوا اقامة سد في منطقتهم بلا ضمانات ‏لسلامتهم، إذا بسيارة يقودها مجموعة مسلحة من قوات الشرطة فتحوا نار الأسلحة عليهم بتاريخ 13 يونيو 2007م، ومثل هذه الحادثة ‏حدثت في مدينة بورتسودان وكان الفاعل هذه المرة أفراد من جهاز الأمن، وهناك المئات من حوادث القتل والتصفيات الجسدية التي ‏يمارسها جهاز الأمن التابع لدولة (الحركة الاسلامية) بدون أي مصوغات قانونية أو دينية أو أخلاقية.‏
تتجلى قسوتهم وبربريتهم حتى مع عضويتهم، ففي ملابسات تصفية الحسابات في محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك، ‏بينما كان الضابط بالتصنيع الحربي يقود سيارته برفقته زوجته وطفلتهما الصغيرة وقفت سيارة بوكس بيضاء أمام السيارة وانزلوا ‏الرجل بالقوة وطرحوا أرضا ثم فتحوا فيه نيران أسلحتهم ثم غادروا وكأن شيئا لم يحدث، الطفلة لا زالت تعاني حتى الآن من تداعيات ‏هذه الحادث، المقتول قيادي كبير بالحركة، كان رفيقهم وزميلهم وهو من المؤسسين لجهاز التصنيع الحربي.!‏
الرئيس المخلوع عمر البشير كان قد اعترف اعترافا تاريخيا بأنهم “قتلوا ناس دارفور لأتفه الأسباب”، أحد الاخوة عندما سمع هذا ‏الاعتراف من الرئيس مباشرة شعر بالذنب الشديد رغم أنه لم يشارك فيه، لكن فقط كونه عضو في هذه الجماعة شعر وكأنه شارك في ‏قتل اهلنا بدارفور، وهو بذلك يثبت لنا حقيقة دائما كنت أتحدث عنها، وهي أن كل عضو في (الحركة) تزامن وجوده في التنظيم مع ‏ممارسة الظلم من قتل وتنكيل هو مشارك فيه، الأمم المتحدة عام 2004م قالت أن ضحايا دارفور في “عمليات القتل والابادة الجماعية ‏‏300 ألف نسمة”، وبعد سنوات وفي لقاء مع مجموعة من الصحفيين قال د. مصطفى عثمان اسماعيل ” أن قتلى دارفور 10 ألف ‏بس”..!!.‏
هل يعقل كل هذه الدماء الزكية لا تحرك فيهم ساكنا..؟.‏
هؤلاء الضحايا كانوا 300 ألف أو 10 ألف (بس) هم بشر مثلنا، ولهم آمال وطموحات في المستقبل كما لدينا ولدى قادة الحركة ‏المجرمة الذين أرسلوا ابنائهم للدراسة في الخارج، بينما يقتلوا أبناء الشعب السوداني بدم بارد، شباب زي الورد أمثال الشهيد محجوب ‏التاج الطالبِ بكليَّةِ الطب بجامعةِ الرازي، والشهيد محمد يوسف (الجوني)، وغيرهم الآلاف الذين صرفت عليهم أسرهم دم القلب حتى ‏يخدموا الوطن ويشاركوا في نهضته.‏
‏*لا يتناهون عن منكر فعلوه*‏
أعود وأكرر أن ما يسمون أنفسهم بـ” الاسلاميين”، هم قتلة ومجرمون وأن أمثالهم قد ذكرهم الله في القرآن الكريم، مثل قوم عاد وثمود ‏وغيرهم “كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه”، لا أدري كيف ينومون ويأكلون ويعيشون في أسرهم، وقد قتلوا الأسر في مدن كثيرة في ‏السودان، هؤلاء بشر بلا روح، ولأن نهجهم شيطاني لم ينفعهم العلم الذي تعلموه، ولا التربية التي تربوها من أهلهم.‏
لذلك لا أرضى أن يأتي واحد منهم يحاول الظهور بمظهر التحضر والبراءة لتغبيش وعي الناس بعد كل ما فعلوه في بلادنا، فإن ما ‏يجري الآن في السودان هُم السبب فيه، ولا أذيع سرا إن قلت أني ولسنوات طويلة أفكر في كنه هذا الأمر..واتساءل في نفسي كيف ‏يكون الإنسان مُسلم، ويكذب ويسرق ويعذب ويقتل، والأغرب من ذلك كله قوة العين العجيبة في كونه ارتكب كل الموبقات والجرائم ‏الكبيرة ويرى في نفسه أنه الأفضل والأحسن، وان كل الذين يقفون ضده، ويختلفون معه في الفكر والرأي ما هم إلا حثالة، وجهلة، ‏كفارا ومشركين ومأجورين، مع العلم انهم لم يتركوا شيئا للكفر والعمالة للخارج بيعا وشراء، لذلك أقرأ وأبحث كثيرا حتى أصل لحقيقة ‏الأمر، مثلا كيف بالله ذلك الإنسان طوعت له نفسه ليكون في وظيفة (مغتصب)..؟.!.‏
كيف يعيش هؤلاء الذين اغتصبوا الشهيد أحمد الخير ثم قتلوه..؟، كيف عملوا ذلك؟؟، وأي إرادة هذه التي توفرت لهم، أي قلوب هذه ‏التي يحملونها في صدورهم..؟، أي أسر هذه التي تربوا فيها، وأي منهج هذا الذي تشربوه في حركتهم الشيطانية..؟.‏
الأمر العجيب ترى الواحد من قادتهم في أجمل صورة، وابتسامة وأحيانا ترى في وجهه علامات السجود كأنهم ملائكة لكنهم في الحقيقة ‏ذئاب مفترسة ليس لهم علاقة بالروح الانسانية..!!.‏
عندما نراهم في الملمات عبر شاشات التلفزيون وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ، لكنهم بلا ضمير.. هم فقط أجساد بلا روح.‏
‏*عند ذكر الروح..نذكر هيلين كيلر*‏‎ (Helen Keller) ‎
بينما كنت في بحثي عن معرفة أصل هذه الأرواح الشيطانية التي ابتلينا بها وقعت في يدي قصاصات قديمة ممزقة لا أدري من كاتبها، ‏وهي قصة الكاتبة الأميركية الكفيفة الصماء البكماء هيلين كيلر‎ (Helen Keller) ‎هذه القصة هزت مشاعري بشكل كبير ‏ومؤثر، فهناك خيط رفيع يربط بينها والكاتب الدرديري محمد أحمد ويمكنني القول بأنها علاقة طردية، ولدت هيلين كيلر أول القرن ‏الماضي، كما ذكرنا عمياء صماء خرساء.. كتلة من اللحم ‏البليد لكن معلمة اسمها (ماري آن) جعلتها ‏تعرف العالم بما بقي من حواس ‏اللمس والشم ‏والذوق، ماري آن داعبت كتلة اللحم الصماء ‏وضربتها وشتمتها أضحكتها وأبكتها حتى عرفت ‏الفتاة العاجزة شكل العالم، ‏وحتى رأته بعينيها ‏وأصابعها وأذنيها وحتى كتبت عنه أروع ‏المؤلفات.‏
هيلين كيلر تعد من أبرز شخصيات القرن العشرين، ‏أصيبت وهي عامها الثاني بمرض أفقدها حاستي السمع والبصر، فحصها المخترع ‏غراهام بيل ‏وأرسل معها معلمتها آن سوليفان التي رافقتها حتى وفاة الأخيرة‎.‎، كتبت كيلر 14 كتابا وأكثر من 475 خطابا ومقالا، ‏وألهمت عدة شخصيات منهم مارك توين ‏وألكسندر غراهام بيل ووينستون تشرشل، وحصلت على وسام الحرية الرئاسي من قبل ليندون ‏‏جونسون عام 1964، تكريما لها على شجاعتها وإصرارها‎، كانت كيلر طفلة سليمة حتى أصيبت في سن 19 شهرا بمرض أفقدها ‏السمع والبصر، ويرجح ‏أن ذلك كان الحمى القرمزية، وفي سن السادسة عرضها والداها على طبيب متخصص يدعى ‏جوليان تشي ‏سولم الذي أوصى بعرضها على ألكسندر غراهام بيل، الذي اقترح عليهما الذهاب ‏إلى معهد بيركنز للمكفوفين في بوسطن، فأرسل معها ‏مدير المعهد إحدى خريجاته تدعى آن ‏سوليفان‎.‎
وكانت كيلر في تلك المرحلة طفلة عصبية صعبة المراس، فمزاجها سيئ وغير منضبط ‏لعجزها عن التواصل مع المحيط حولها، لكن ‏سوليفان علمتها استشعار الأشياء‎.‎، ولم تكن سوليفان أكبر من هيلين إلا بـ 14 عاما، وكانت تعاني مشاكل في الرؤية وقد أجريت ‏لها ‏عدة عمليات من قبل لاستعادة بصرها جزئيا‎، وفي 3 مارس/آذار 1887 ذهبت سوليفان إلى منزل كيلر في ألاباما، وبعد أسبوع حصلت ‏‏سوليفان على الإذن للانفراد بهيلين في كوخ قريب خارج المنزل، ومكثتا في الكوخ لمدة ‏أسبوعين، وبدأت تعليمها التهجئة على دمية ‏أحضرتها من بيركنز‎.‎، وبعد أشهر تعلمت كيلر التعبير بإشارات الأصابع، وتعلمت الشعور بالأشياء ومسمياتها ‏وتشكيل الحروف، كما ‏تعلمت قراءة الحروف البارزة على الورق المقوى‎.‎
وفي الفترة ما بين عامي 1888 و1890، كانت تقضي الشتاء في تعلم لغة بريل في فترة بمعهد ‏بيركنز، ثم بدأت رحلتها في تعلم قراءة ‏الشفاه‎.‎، وكان ذلك بإشراف سارة فولر من مدرسة هوراس مان للصم، وتم من خلال وضع أصابعها ‏على شفتي وحنجرة المتحدث، ‏وتهجئة الكلمات لها في الوقت ذاته‎.‎، التحقت كيلر في سن 14 بمدرسة رايت هوماسون للصم في مدينة نيويورك‎.‎، وفي عمر 16، ‏التحقت بمدرسة كامبريدج للسيدات الشابات بولاية ماساتشوستس، وتخرّجت ‏منها بعد إتمامها 20 عاما، التحقت عام 1900 في كلية ‏رادكليف (كلية الفنون المتحررة ‏للمرأة)‏‎.‎
وهي مخصصة للإناث، وتخرّجت منها ‏بامتياز عن تخصص الآداب عام 1904، لتكون بذلك أول خريجة كفيفة وصماء من رادكليف‎، ‏ورافقت المربية والمعلمة سوليفان كيلر في كل تلك المراحل، فكانت تشرح لها محاضرات ‏الكلية، وتقرأ لها لعدة ساعات يوميا‎، وبعد ‏تخرجها عاشت مع معلمتها في مزرعة تطوّع بها رجل في ماساتشوستس، وعام 1905 ‏تزوجت المعلمة سوليفان من جون ماسي الذي ‏كان مدرسا في هارفارد وساعد هيلين في كتابة ‏سيرتها الذاتية‎، وعاشت هيلين مع سوليفان وماسي، وكانا يوليانها اهتماما وعناية، لكنهما ‏انفصلا عام 1913‏‎، وعام 1914 انضمت إلى هيلين وسوليفان بولي طومسون السكرتيرة التي كانت عيناها ‏متضررتان لإجهادهما ‏بالقراءة الطويلة لهيلين‎، وحلّت طومسون محل المعلمة الأولى لهيلين بعد وفاتها في أكتوبر/تشرين الأول عام 1936‏‎.‎
العلاقة بين هيلين كيلر والدرديري محمد أحمد كواحد من عضوية وقيادات الحركة المجرمة تتمثل في أن كيلر الصماء الخرساء كانت ‏كتلة من اللحم وبرغم إعاقتها القاسية لديها الرغبة في التواصل مع البشر من حولها فاجتهدت معلمتها التي أحست برغبتها الشديدة في ‏التعبير عن نفسها، ومن مرحلة لأخرى حتى وصلت قمة الشعور والإحساس بمعاناة الآخرين، وتتفاعل معهم من خلال ما تكتب، وقد ‏طغت عليها المشاعر الانسانية النبيلة التي تعلي من القيم الإنسانية فوصلت إلى قمة الشهرة، بل اصبحت أيقونة القرن الماضي، بما ‏زرعت في الناس الأمل، وضخت في شرايينهم الحب والفرح، وكانت مُلهمة للجميع، وبانسانيتها المفعمة بالخير كان لها تاثير كبير في ‏المجتمعات الغربية والأوربية كذلك.‏
لكن الاسلامويون الذين يمثلهم الدرديري محمد أحمد، أو علي عثمان محمد طه، أو علي كرتي أو نافع علي نافع..إلخ بما أعطاهم الله ‏من النِعم الكثيرة، منها نعمة الإسلام، لكنهم لم يقدموا للشعب الذي حكمُوه بقوة السلاح ثلاثون عاماً ونيّف إلا الموت والدمار والخراب ‏والاغتصاب والتنكيل، وإذلال الإنسان السوداني الذي هو في نظرهم لا يساوي شيئا أمام طموحاتهم الكبيرة والعظيمة برغم ذلك يسموا ‏أنفسهم بالإسلام.‏
إن قصة هيلين كيلر تعلمنا أن الإرادة الطيبة تصنع المستحيل، وتخلق عوالم جميلة مزينة بالحب والأمل ومساعدة الناس والارتقاء ‏بالمجتمعات وليس العكس، في المقابل أن الحركة المجرمة التي يحاول الدرديري محمد أحمد تحسين صورتها بسلسلة من المقالات ‏المحشوة وهماً تتمثل فيها إعاقة الفكر والإرادة بأوضح صورها.‏
‏*الاعاقة الفكرية والعقدية*‏
وتظهر هذه الإعاقة في مسيرة الحركة المتأسلمة المجرمة كونها تصر إصرارا بليغا على السير في إهانة وإذلال الإنسان مع أن دين ‏الإسلام السمح، وكل الشرائع هدفها الرئيسي ومرتكزها الأساسي هو الإنسان من خلال حفظ الضروريات الخمس، وهي “حفظ الدين، ‏وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال”، فإن تاريخ الحركة في حُكم السودان منذ يونيو 1989 وحتى تاريخ اليوم هو ‏مرتبط بأسوأ سجل إجرامي في التاريخ الحديث، نظام يقوم على ضرب قيم الشريعة الاسلامية بأبشع ما يكون، أعتقد ان سلسلة حلقات ‏‏(شاهد على العصر) مع د. حسن الترابي التي سجلها الصحفي أحمد منصور وبثت على قناة (الجزيرة) تؤكد ما قلته من مفارقة الحركة ‏للدين.‏
وتتمثل أبلغ صور الإعاقة الفكرية في مسيرة الحركة المجرمة في استخدام (الكذب) على أوسع نطاق، أنا شاهد عيان على ذلك، أنهم ما ‏كانوا يتورعوا في الطلب من العضوية ممارسة الكذب، قبل حوالي 22 عاما كتبت مقالا ذكرت فيها أن القيادات يطلبوا منا أن نكتب ‏أرقاما على نحو يجافي الحقيقة، وذلك في المؤتمرات الربعية للتنظيم بحيث تظهر الأرقام في النهاية وكأننا قد حققنا انجازا كبيرا، ‏يُمارس الكذب أيضا في وضع الميزانيات، وفي كتابة التقارير الختامية أيضا، هذا الأمر كان يُمارس في كل الدوائر المهمة داخل ‏مفاصل الحركة، ومع مرور الزمن تلقائيا تلاشى الحديث عن قيم الحركة ومبادئها، وهو ما أدى إلى افتقاد الاحترام لبعضهم البعض ‏رغم أنهم في كيان واحد.‏
ثالث الأثافي العنجهية المريضة التي تمارسها الحركة بنوع من الغباء والجهل وبشكل غريب، أحيانا أكون في حالة صدمة من تصرفات ‏ما كنت أحسب يوم من الأيام تحدث في كيان يدعي التمسك بشريعة الإسلام مثلا قيادي كبير عملت معه شخصيا لديه تصرفات شاذة ‏ومخالفات مالية وإدارية وأخلاقية وعدد كبير من القيادات تدري أنه فاسد، لكن يتعاملون معه بنوع من النفاق غير طبيعي لأنه كان ‏يعطي مما يسرق وينهب، ويقيم الولائم في بيته ولا أحد يتجرأ يتحدث معه في مخالفاته أو يتحدث عنه لدى القيادات العليا في التنظيم، ‏لانهم مرتبطين بعلاقات وشبكات من نوع عجيب، لذلك الناس يتملكهم الخوف أن يتحدثوا عن فساد شخص للقيادات العليا خوفا من ‏القيادات العليا نفسها..!، غالبية القيادات في المكاتب التنظيمية كانوا يتسلموا ميزانيتها (كاش)، هذه المبالغ جزء يسير منها يصرف ‏للعمل، والباقي مباهاة وسفرات خارجية، وعزومات وسيارات جديدة، وزواج (التلاوة) وزواج (النهار)، وصرف بذخي ليس له أي ‏علاقة بالعمل التنظيمي، أعتقد هذه هي العوامل الرئيسية أدت إلى انهيار دولة الحركة المتأسلمة لأن الفساد بدأ في الطبقة القيادية العليا ‏في التنظيم والدولة ثم نزل تدريجيا للقواعد.‏
لكن من أهم الأسباب التي أدت إلى الانهيار التام الإصرار على عدم الاعتراف بالأخطاء مهما كان حجمها وتأثيرها، وهذا الأمر يمارس ‏على أعلى مستوى قيادي، مثلا عندما يمارس عسكري او رجل أمن القوة المسلحة بإطلاق النار على شخص أعزل فيقتله في خلاف ‏شخصي، من الطبيعي أن يقدم من أطلق النار للقضاء أو المحاسبة الداخلية، فتقوم الجهة التي يتبع لها العسكري بالرفض الشديد لاتخاذ ‏أي خطوات لصالح المتضرر، بل تقوم بتهديد ذوي القتيل، مع أنه من الأفضل أن يتخذ القانون مجراه حتى لا تكون البلاد غابة ، ‏وتتكرر هذه المسألة على كل المستويات، عندما تم اغتيال طلاب معسكر الخدمة الالزامية بالعيلفون، كان من الممكن محاسبة من ‏ارتكبوا هذه المجرزة، وتعويض أسر الشهداء، لكن للأسف تم إنكار الحادثة في الأول ثم المماطلة في الاعتراف بها، وبعد الاعتراف بها ‏قللوا من أعداد الشهداء، وفي النهاية تم اغلاق ملف القضية بدون أي تعويضات أو محاكمة القتلة، هناك العشرات والمئات من ‏التجاوزات الدموية لم يجد أصحابها طريقهم للقضاء نسبة لعدم الوصول لنتيجة بل يحدث زيادة في الأذى..!!.‏
‏*والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة*..‏
بعد تجربة الثلاثين عاما على الظلم والتجاوزات والكذب والسرقة والنهب والموت المجاني هل تعلمت الحركة المتأسلمة من التجربة؟!.‏
للأسف لم تتعلم بل هي في حالة إصرار شديد على أنها على حق، وأن كل ما قامت به لا يمثل ادانة لها، أعتقد جازما إن أكبر اعاقة ‏فكرية متأصلة في الاسلامويون أنهم استحلوا المال الحرام، مال الدولة والشعب جعلوه غنيمة بينهم (فقه التحلل)، ثانيا استرخصوا الدماء ‏الزكية وجعلوا ذلك حلالا، ومن أسهل الأمور وأرخصها، دعك من حادثة اعدام مجدي، أو حادثة إعدام شهداء 28 رمضان، أو مجزرة ‏القيادة العامة، هناك الكثير من الحوادث التي تمت فيها اراقة الدماء، أعتقد هذه من أكبر وأهم الأسس التي أكدت على أن مشروع ‏الجماعة دموي، واقصائي وانتقامي، وليس له أي مرتكز إسلامي بل مرتكز شيطاني واضح وضوح الشمس.!.‏
لا أفهم كيف يريد الدرديري محمد أحمد لحركته المجرمة أن تنهض..؟!، وهل تنهض حركة معاقة فكريا وعقديا..؟.‏
‏12 يناير 2025‏
نواصل..

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *