مرتضى الغالي
هناك تردّي كبير في التركيبة الشخصية لبعض السودانيين الذين أكرمهم الله وأكرمتهم الدولة بالعلم والتعليم..ومنهم مَنْ وصل إلى مناصب القضاة في درجاتها العليا..فإذا به يتنكّر لكل ما في (رأسه وكراسه) من علم ومعرفة، ولكل ما في حقل القضاء من مبادئ ومرجعيات وأخلاقيات وتقاليد ورصانة ورجاحة ورزانة وحصافة وضمير صاحي يقظ…ويصبح مثل (هبود العُشر) و(النفو) الذي يطير في الهواء..!
ولكن هل يمكن حل مشاكل المعيشة والأكل الشراب بقبول الدنيّة في الدين والدنيا..؟! وإلى درجة أن يأتي رئيس للمحكمة الدستورية في السودان..ولا تزكية له غير انه من اختيارات وتعيينات الانقلابي المخلوع عمر البشير.. ليقع في أحضان انقلابي أخر مثل البرهان الذي أهلك الحرث والنسل..؟!
المعايش والمرتبات والمخصصات والامتيازات على حساب العدالة وحماية دستور البلاد الذي يجرّم ويحرّم الانقلابات..؟! الدستور الذي ينصب الموازين بين الشعب وحاكميه يصبح حاميه معيّناً من قائد انقلاب على الحكم المدني وعلى الدستور نفسه..؟!
ماذا بعد هذا غير أن تنقلب الدنيا على رأسها ويصبح كل ما عليها (صعيداً جُرزاً)..!!
هذا هو اختيار البرهان بتزكية المخلوع للسيد (وهبي محمد مختار) رئيساً للمحكمة الدستورية..وهو اختيار في الظلام من رجل أتى من الظلام..,إلى الظلام..!
كل رياح العالم سوف تولول خجلاً لك ولكل من باع ضمير القاضي من اجل زخارف الدنيا..وتكملة بناء منزل أو فيللا سوف يتركها غداً خراباً بلا روح.. وسيحمل أبناؤه من بعده (وصمة بغير جبر)..وسوف يسيرون برءوس منكّسة تحاشياً لمجامع الناس وتجافياً للدروب المطروقة..!
لقد أوفى مولانا سيف الدولة حمنا الله هذه الواقعة حقها وحق ضميره؛ وأعلمنا خباياها التي بدأت بالإرث المشؤوم للسيد (جلال علي لطفي) عندما تولّى رئاسة المحكمة الدستورية في (عهد الشؤم) الذي ترأسه المخلوع عمر البشير وكيف أحالها السيد جلال إلى (فزّاعة طيور) وهيكل من أعواد نخرها السوس..!
( لن يعدم الحق نصيراً) فقد حكا لنا القاضي سيف الدولة توالي مخازي هذه المحكمة..ومن الشواهد التي رواها يطيب لنا إيراد بعضها هنا..شوقاً إلى معاينة الحق والحقيقة:
في قضية تعذيب فاروق محمد إبراهيم ضد جهاز الأمن قضت المحكمة الدستورية بأن “جرائم التعذيب تسقط بالتقادم وأن التعذيب له (مرجعية إسلامية)..!
في قضية عمار نجم الدين ضد جهاز الأمن قضت المحكمة الدستورية بأن “فترة السنة التي يمضيها المواطن في الاعتقال تُعتبر (مدة معقولة)..!
في قضية وجدي صالح وآخرين ضد جهاز الأمن قالت المحكمة الدستورية أن (تفريق المظاهرات واعتقال المتظاهرين ليس فيه مخالفة للدستور)..!
في قضية فاروق أبو عيسى وأمين مكي مدني ضد جهاز الأمن قضت المحكمة الدستورية بأن (من الجائز منع المقبوض عليه من إخطار محاميه)..!
في دعوى صحيفة “مسارات” ضد جهاز الأمن قضت محكمة الدستورية بأن (الرقابة المُسبقة على النشر بواسطة الأمن تُعتبر سلطة دستورية)..!
هذا هو ميراث السيد جلال علي لطفي والقضاة (العدول) الذي ساروا على دربه..وهذا ما ينتظرنا من تعيين السيد (وهبي محمد مختار)..الله لا كسّبكم…!
المصدر: صحيفة التغيير