عقد مؤتمرات القوه السياسية بين أديس أبابا والقاهرة هل هو تضارب مصالح بين الدولتين
تقرير: النعيم عبد الغني
على الرغم من تقدم منابر أخرى على مسرح الحل السياسي كجدة ومبادرة الإيغاد والمنامة وغيرها، والتي أخفقت بدورها في كتابة كلمة النهاية للحرب المستعرة في السودان. الا ان القوى السياسية ما زالت تتمسك بمؤتمراتها في كل من القاهرة وأدايس ابابا من أجل وضع حل لازمة الصراع في البلاد الآن.
المراقبون السياسيون يرون أن كلا من القاهرة اديس ابابا لديهما الرغبة من أجل ايقاف الحرب الدائرة في السودان، ولكن في مقابل ذلك وضع المصالح الاقتصادية والسياسية في سلم الاولويات، لذا فإن انفجار الأوضاع في السودان والضغوط الدولية وضعف القوى السياسية السودانية جميعها عوامل دفعت مصر وإثيوبيا إلى السعي من أجل وقف الصراع في السودان ويأتي ذلك وفقا لتغيير استراتيجيتهما، وجمع القوى السياسية رغم التناقضات التي تحملها كل الدولتين تجاه القوى السياسية.
على سبيل المثال وفي مارس 2021، وقع السودان ومصر اتفاقية عسكرية في الخرطوم، بحضور قائدي جيشي البلدين، اللذين أكدا أن البلدين يواجهان تهديدات مشتركة.
وتم وقتها الاتفاق على تعزيز التعاون العسكري والأمني بين البلدين، خصوصا في مجالات التدريبات المشتركة والتأهيل وأمن الحدود ونقل وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية.
يذكر أن قوى الحرية والتغييرالكتلة الديمقراطية نظمت فعاليات مؤتمرها الثاني في القاهرة في الفترة من 5 إلى 7 مايو الحالي. وقد ناقش المؤتمر عدد من الملفات السياسية الهامة وفي مقدمتها ملف وقف الحرب، بجانب الأوضاع الإنسانية في البلاد وكيفية إيصال المساعدات للمتضررين بالإضافة إلى عدد من القضايا التنظيمية الداخلية ومن بينها انضمام قوى سياسية جديدة للكتلة الديمقراطية.
واعتبر المحلل السياسي محمد نورشين، أن دعوة الخارجية المصرية لقيام مؤتمر للقوى المدنية في السودان، له عدة جوانب منها أن مصر تريد أن تؤكد بأنها حاضرة في الأزمة السودانية بقوة، وهذا الحضور حتى تراعي مصالحها، بحيث أنه في الإتجاه الآخر الغريم لمصر وهي إثيوبيا ظلت تحتضن تنسيقية (تقدم) منذ اندلاع حرب 15 أبريل، وبالتالي من الضرورة بمكان أن تكون مصر حاضرة وداعمة لقوى سياسية مؤثرة
أما الباحث محمد الدوح، فقد قال في تحليل لموقع “أوراسيا ريفيو”، إنه “على مدى قرون، اعتبرت مصر السودان عنصرا حاسما لأمنها الاستراتيجي على طول حدودها الجنوبية، وتلقى العديد من القادة العسكريين والحكوميين في السودان تعليمهم وتدريبهم في مصر، وبينهم عبد الفتاح البرهان الحاكم الفعلي للبلاد حاليا”.
وأضاف أنه “منذ عام 2019، نسقت مصر ودعمت البرهان بقوة في المصالح الاستراتيجية الرئيسية للبلدين، وبينها التدريبات العسكرية المشتركة، وتعزز التعاون الثنائي وسط التوترات المتزايدة بين مصر وإثيوبيا (جارة السودان) إثر بناء الأخيرة لسد النهضة، الذي يشكل تهديدا للأمن القومي لمصر؛ بسبب الآثار الزراعية والاجتماعية.
وأضاف: “وكل ما تستطيع مصر فعله حالياً تجسير الهوة بين القوى المدنية الموالية لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان وبين تحالف تقدم ولو ظاهرياً، إذا تحقق الوفاق بين الفرقاء السودانيين في مؤتمر القاهرة ربما تلعب مصر دوراً كبيراً في إيقاف الحرب، وهو مكسب رغم أن السلام سيكون على حساب الحكم المدني والتحول الديمقراطي، لذا فإن التدخل المصري لتنظيم مؤتمر للقوى السياسية السودانية ضمن صراعها أيضاً مع أديس أبابا حول ملف المياه وتخشى القاهرة من عودة النفوذ الإثيوبي إلى الملف السوداني من خلال رعاية مؤتمر القوى المدنية “تقدم” في العاصمة أديس أبابا نهاية الشهر الماضي.
اما المفكر والمحلل السياسي النور حمد فيقول، ان الدور الذي تلعبه مصر تارة في دعهما لنظام البرهان وتارة اخرى عقد مؤتمر سياسي يجمع كل الوان الطيف السياسي يمثل نوعا من التناقضات في التصرفات الرسمية، بأن مصر تحاول التأثير في مختلف القوى السياسية السودانية للخروج بصيغة توقف الحرب، وتدرأ عنها المخاطر الأمنية، وتحفظ لها في الوقت ذاته الهيمنة على مجريات السياسة السودانية عبر “وكلاء” يحرسون مصالحها في السودان على المدى الطويل.
وعلى صعيد متصل فإن الدور الاإقليمي لإثيوبيا، على نحو ما ظهر في الحراك الإثيوبي الذي تعثر في إحداث توافق سياسي بين الطرفين المدني والعسكري بعد سقوط الإنقاذ، وذلك خلال الفترة بين فض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة في الثالث من يونيو/حزيران 2019، وحتى توقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس/آب 2019، وفي تلك الفترة حاول رئيس الوزراء الإثيوبي الاستفادة من تفويض (إيغاد) التي كان يرأسها بغية التوصل لاتفاق مع الأطراف السودانية، وما نقله موقع العربية نت ان الصراع الجاري في السودان يحمل تداعيات وخيمة على حركة التجارة بين البلدين، مثلما أثرت في السابق التوترات الأمنية في إثيوبيا على هذه الحركة.
آخر أوجه تضرر التجارة الثنائية جاء في فبراير 2023، حيث أفادت وسائل إعلام سودانية في 3 فبراير 2023 بأن حركة التجارة بين السودان وإثيوبيا توقفت بسبب إقدام سكان غاضبين على قطع طريق حيوي، احتجاجا على اعتداءات ميليشيات مسلحة إثيوبية.
وأضافت أن إغلاق الطريق القاري في منطقة عطرب “أدى إلى توقف الحركة التجارية بين السودان وإثيوبيا، مع تكدس البضائع والشاحنات على طول الطريق المؤدي إلى المعبر الحدودي”. فيما باءت بالفشل محاولات الأجهزة الأمنية والعسكرية لإقناع الأهالي بفتح الطريق واستعادة حركة التجارة. يشار إلى أن عصابات مسلحة إثيوبية نفذت الشهر الماضي عدة هجمات لأغراض نهب الماشية، واختطاف الرعاة للمطالبة بفدى مالية من داخل الحدود السودانية.
وحول ما تردد بأن إثيوبيا قد تستغل الاضطرابات في السودان لتسريع عمليات ملء السد، قال وزير الري المصري السابق، محمود أبو زيد، لموقع “الحرة”، 11 مايو 2023، إن الوضع الأمني الهش في السودان أضعف موقف مصر حاليا، وهو ما تدركه إثيوبيا، لذلك تسعى بكل ما لديها لتسريع الملء الرابع لسد النهضة الذي لا يزال موضع خلاف رئيسي.
وتزامن اندلاع الصراع في السودان مع الحديث عن بدء الملء الرابع لبحيرة سد النهضة، وقد حذر خبراء من إمكانية أن تستغل إثيوبيا الحرب وانشغال السودان ومصر بها وتنهي الملء الرابع للسد والذي قد يبدأ خلال أسابيع مع بدء موسم الفيضان، لكن صورا حديثة كشفت أن اديس أبابا لم تبدأ بعد في ذلك، وربما ولأسباب فنية قد تتعثر، أو تقوم بالتخزين، ولكن ليس بالكمية المطلوبة.
المصدر: صحيفة الراكوبة