صباح محمد الحسن

طيف أول:

ونداؤها لا يقف خلف أبوابكم المغلقة، إن لم تعوا، هي إعصار غضب يخيط البرق مسبحةً ليعرّفكم معاني الصمود، هي مصدر هلع كلما رأيتم مطارقها فوق رؤوسكم!!

ومن قبل تحدثنا أن الخطاب العسكري المتهور هو واحد من العوامل التي تتسبب في اتساع رقعة خيام العزلة التي ضربت على القيادة العسكرية وجعلتها لا تستطيع الوقوف مستقيمة بزيها العسكري لتمثل المؤسسة العسكرية. ولابد من أن تحتمي خلف الواجهة الإخوانية لتستمد منها القوة، فكلاهما ـ التنظيم والمؤسسة ـ لا يستطيع كل واحد أن يقف وحده ليمثل نفسه

فعوامل الضعف تجعل كلاهما يستجير بالآخر ويقف خلفه. لذلك لابد أن يقدم القيادي العسكري تقرّبًا يجعله المفضل عند القيادات الإسلامية التي ترى في القوى المدنية عدوها اللدود، الذي كلما ذُكر تحسسوا مقاعدهم .

والفريق ياسر العطا، مساعد قائد الجيش، أعلن أنه سينفذ انقلابًا على القوى المدنية حتى إذا تسلمت الحكم عبر الانتخابات وحتى لو أُحيل إلى المعاش. الأمر الذي فندته شخصيات قانونية لـ “سكاي نيوز” إن تهديد العطا يعتبر جريمة كبرى وفقًا لأكثر من عشر مواد في القانون الدولي والقوانين الجنائية والعسكرية السودانية،التي تنص على عقوبات تصل إلى الإعدام في مثل هذه الحالات.

والعطا بهذا التصريح يضع قائد الجيش أمام المساءلة القانونية، فهو الذي يعلم أن الانقلاب جريمة يحاسب عليها القانون. لذلك قال في صباح “25 أكتوبر” إنه لم يقم بانقلاب على الحكومة المدنية بل هي إجراءات تصحيحية. ولكن اعتراف الفريق العطا، باعتباره الرجل الثالث في الجيش، يضع البرهان أمام المساءلة والمحاسبة. فالعطا لا يسيء إلا لنفسه وللمؤسسة العسكرية. فالحكومة المدنية التي انقلب عليها، ماذا قدم للشعب السوداني بعدها أو بالأحرى، ماذا جلبت “العسكرية” للشعب السوداني!!

فالمدنية التي كانت تنادي ثورتها بالحرية والسلام والعدالة اعتدت عليها القوة العسكرية بالبندقية لتبدل شعارات السلام والعدالة إلى (القتل والحرب والظلم)

فما قدمته عسكريتكم يا سعادتك هو أنها قتلت ما يقارب 200 ألف مدني في الفترة من 15 أبريل 2023 وحتى تاريخه، وشردت أكثر من 16 مليون سوداني، واعتقلت الآلاف عندما اتسعت معتقلاتها وامتلأت زنازينها بتهمة (متعاون) التي ألصقتها نياباتكم على كل خصم لها في السياسة والإعلام وحتى في القانون. فسلطتكم اعتقلت المحامين الذين وصلوا نياباتكم للدفاع عن المتهمين فحجزت لهم مقاعد مع موكليهم!!

عسكريتكم دمرت السودان وحولته الي “كوم رماد” قضت على أكبر ثروة مستقبلية وهي الشباب، فزجت بهم في صفوف الاستنفار ودفعت بهم إلى النار، فحرمتم الأمة السودانية من رصيدها وطاقاتها البشرية.

العسكرية هي التي استشرى في عهدها الفساد الذي أزكم الأنوف، فحكومتكم في بورتسودان ما هي إلا مجموعة سمسارة تتاجر في الذهب والمعادن، يجتمع مجلسها السيادي خصيصًا لتقاسم الأرباح، وتفتح حدودها لتنهب الموارد. فالشاحنات التي تسرق موارد البلاد تمر على نقاط تفتيشكم، فبدلًا من أن يرتجف المهرب لأن أمامه “نقطة تفتيش” ، تقف عناصركم لتلقي عليه التحية وتلوّح له بالدعوات أن يصل بالسلامة.

المدنية التي تنوون الانقلاب عليها قياداتها من أشرف وأنزه أبناء السودان، وهذا ليس قولنا وإنما قولك بلسانك عندما خرجت وأقسمت على الهواء مباشرة وتحدثت عن أنهم من خيرة أبناء البلد وأنهم الأشرف والأنزه لأنك عرفتهم عن قرب.

ولكن بربك، من الذي يستطيع أن يخرج على الهواء الآن ليقسم أنكم من أنزه وأشرف أبناء الشعب السوداني!!

قسم سيعجز عنه حتى مناصروكم ناهيك عن خصومكم.

ومن قال للفريق ياسر العطا، الذي خسرت عسكريته الماضي والحاضر، إن المستقبل لهم!!

وليدعو العطا الله أن تكون أيام معاشه بين أهله وأسرته وليس في ساحات السجون، فالمدنية ستقدم المجرمين إلى ساحات العدالة . سيحاكمكم الشعب السوداني ليس على الانقلاب فحسب، ولكن على كل جرائمكم: عن قتل الثوار، وفض الاعتصام، وقتل مئة شاب صبيحة الانقلاب، وعن جرائمكم في الحرب، وعن احتضانكم للإرهاب، وعن الكيماوي، وعن…).

فبأي من مواد القانون ستكون متهمًا وقتها، وأي حكم وعقوبة ستطالك

وهل بين كل هذه الجرائم ستجد وقتًا لحياكة مؤامرة أخرى، لا أظن!!

والعطا يقفز عن بحر هموم المؤسسة العسكرية التي تحاصرها المحن والمصائب، ويترك مسؤوليته في استعادة البلاد آمنة مستقرة بعد حرب خرج هو نفسه ووعد المواطنين أن ثلاثة أسابيع فقط تفصلهم عن ساعة النصر، والآن استمرت ثلاث سنوات وما زالت مدن استراتيجية تحت قبضة الدعم السريع .

فقائد عسكري لم يحسم قوات تمردت عليه لثلاث سنوات حريٌّ به أن يحدث الناس عن الهم العسكري وليس عن الهم السياسي المدني الذي يسيطر على مخيلته.

فالعقلية العسكرية، بالرغم من كل هذا الواقع المأساوي الذي خلفه حكمها الدموي، لايخيفها “بعبع” سوى “المدنية”. ولو أن السلام لا يأتي بعده حكم مدني لذهب العسكر للتفاوض مع الدعم السريع بلا تردد.

فالهجوم على المدنية والإقرار بالانقلاب عليها والإصرار على الفعل من جديد يعني أن القيادات العسكرية ليس لها طموح عسكري في نصر أو تقدم، طموحها سياسي وكل همها أن ترضي النظام الكيزاني الذي يصارع الموت الآن ويتغذى فقط على (درب شتيمة القوى المدنية). لذلك يتقرب القادة العسكريون للنظام بترديد هذا الأسلوب العدائي. لكن من المؤسف أن يتساوى لسان حال “مساطب الحرب الإسفيرية ” المسيئة للقوى المدنية مع لسان القادة العسكريين. فهل من المنطق أن لا يشعر القائد بوجوده إلا بالإساءة للحكم المدني والرموز السياسية ، حتى وهو على طريق الهاوية. !!

طيف أخير:

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.