عرض كتاب: نظام التفاهة
المؤلف: د. آلان دونو
ترجمة وتعليق: د. مشاعل عبدالعزيز الهاجري
الطبعة الأولى: 2020م
الناشر: دار سؤال للنشر، بيروت لبنان
قامت الدكتورة مشاعل عبدالعزيز الهاجري، الأستاذة بكلية الحقوق، جامعة الكويت بترجمة كتاب la mediocratie الصادر باللغة الفرنسية من تأليف ألان دونو Alain Deneault أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية، جامعة كيبك كندا. وقد ذكرت الدكتورة مشاعل أنه أكاديمي نشط، معروف بالتصدي للرأسمالية المتوحش ومحاربتها على عدة جبهات. وقد كانت مساعيه هذه موجعة للأطراف التي حاربها، حتى أنه لوحق قضائياً في العام نفسه بعنوان مثير، هو “كندا السوداء: النهب والإفساد والإجرام في إفريقيا” Noir Canada: Pillage, corruption et criminalite en Afrique.
المؤلف:
تم إصدار هذا الكتاب في العام 2017م، وقد لاقى الكتاب نجاحاً كبيراً في كثير من دول العاملم بسبب أطروحاته الجريئة وأسلوبه المختلف.
يتألف الكتاب من 368 صفحة. ضمت الإهداء والمقدمة، وأربعة (3) فصول، وخاتمة مع تثبيت المراجع.
تناولت المقدمة:
تناول الفصل الأول هو بعنوان: (المعرفة) والخبرة، وقد تضمن عدة محاور هي: أن تفقد عقلك، صناع الرأي العلمي، إنه ممل .. إنه علمي، والكتابة على طريق الخراب، ومثقفون صغار، وأن تلعب اللعبة، والخاسرون، وآثار معاكسة، والخلاص: الكاتب العاطل عن العمل .. المعلم غير المستقر .. والأستاذ الجاهل.
وتناول الفصل الثاني وهو بعنوان: التجارة والتمويل وقد تضمن المحاور التالية:
الاقتصاد الغبي، وصنع في الصين، الخبراء المنقذون، ومرض المال، الاقتصاد الجشع، ونهب مسير عن بعد، ونقابات العمل ضد الرفاق العالميين.
وتناول الفصل الثالث وهو بعنوان: الثقافة والحضارة وقد تضمن المحاور التالية:
رأي الأثرياء والمشاهير، ورأس المال الثقافي، ولا اعتبار للفنانين، وبورتوريه الفنان كعامل اجتماعي، وعلاقة منفصلة عن الواقع، والفن التجريبي المدعوم، ونظرة كارتونية للعالم.
وتناول الفصل الرابع وهو بعنوان: ثورة إنهاء ما يضر بالصالح العام، وتضمن محوراً واحداً هو قطيعة جمعية.
وكان عنوان الخاتمة: سياسات الوسط المتطرف.
وبدأ الكتاب بالتعريف عن الكاتب: وهو ألان دونو Alain Deneault، أستاذ الفلسفة في جامعة كيبك الكندية. وهو أكاديمي نشط، معروف بالتصدي للرأسمالية المتوحش ومحاربتها على عدة جبهات. وقد كانت مساعيه هذه موجعة للأطراف التي حاربها، حتى أنه لوحق قضائياً في العام نفسه بعنوان مثير، هو “كندا السوداء: النهب والإفساد والإجرام في إفريقيا” Noir Canada: Pillage, corruption et criminalite en Afrique.
وعن الكتاب جاء: هذا كتاب هام، ينبغي أن يقرأ بهدوء.
في عام 2017م، أصدر المؤلف كتابه هذا تحت عنوان: La mediocratie، وقد نجح الكتاب نجاحاً كبيراً، فلاقى رواجاً في كثير من دول العالم بسبب أطروحاته الجريئة وأسلوبه المختلف.
ويدور موضوع هذا الكتاب حول فكرة محورية: نحن نعيش في مرحلة تاريخية غير مسبوقة، تتعلق بسيادة نظام أدى تدريجياً إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل نموذج الدولة الحديثة.
عن ترجمة هذا الكتاب، وتضمن: لماذا أترجم هذا الكتاب تحديداً، ومنهج الترجمة وتحدياتها: وقد تحدثت الدكتورة مشاعل التي قامت بترجمة هذا الكتاب إلى المنهج والتحديات التي واجهتها في الترجمة. وذكرت بأنه كتاب متعب من حيث الموضوع، ومن حيث الأسلوب معاً.
وقد رأت الدكتورة مشاعل أن ترجع إلى النسخة الإنجليزية والنسخة الفرنسية الأصلية معاً أثناء قيامها بالترجمة. ووضعت عدة ملاحظات عنهما.
الأطروحات الكبرى للكتاب، وهي:
الإطار العام: اللعبة.
لغة خطاب التفاهة، وتضمن هذا المحور: القص أسلوباً، واللغة الخشبية، والتبسيط الخطر، و
الأكاديميا، وتضمن هذا المحور: الجامعة، والخبير.
التجارة والاقتصاد، وقد تضمن هذا المحور: الحوكمة.
الثقافة، وتضمن هذا المحور: اللغة، والصحافة، والكتب، والتلفزيون، والشبكات الاجتماعية، والفن.
السياسة.
الهدف النهائي: إسباغ التفاهة على كل شيء، وتضمن هذا المحور: البهرجة والابتذال، والمبالغة في التفاصيل.
وتحدث مؤلف الكتاب في مقدمته للكتاب عن الموضوع بشكل عام طارحاً الإشكالات والموضوعات وتطرق إلى عدة نظريات خاصة بنفس موضوع الكتاب.
الفصل الأول: المعرفة والخبرة:
تطرق الكاتب إلى أن الصحافي الأمريكي كريس هيدجيز مباشرة، فهو لا يحوم حول الموضوع عندما يقول إن الأكاديميين هم المسؤولون عن عللنا الاجتماعية. ويصر هيدجيز في كتابه (إمبراطورية الخيال) أن هناك سبباً جدياً للقلق، لأن (جامعات النخب قد قامت بنبذ كل نقد ذاتي، فهي ترفض مساءلة هذا النظام القائم على التبرير الذاتي. فبداخل هذه المؤسسات، ليس هناك ما يهم إلا المنظمة، والتكنلوجيا، والترقيات الشخصية، ونظم المعلومات).
أن تفقد عقلك: يصبح التفكير تافهاً حين لا يهتم الباحثون بالملاءمة الروحية لمقترحاتهم البحثية. وكان جورج سيميل هو مفكرة ألماني مبكر آخر عاش في أوائل القرن العشرين، كان يتنبأ بأن مصير الباحثين الذين يستمرون باتباع هذا المسلك سوف يكون مأسوياً. ولقد لخص سيميل البعد عن عملية المعرفة، أي العملية التي نكتشف بمقتضاها وعينا وما هو قادر عليه من خلال “سعادة الشخص المبتكر بعمله، صغيراً كان أم كبيراً” وقال: “بالإضافة إلى تفريغ توتره الداخلي، إثبات قوة الشخصية، والرضا النام عن إشباع حاجة، هناك أيضاً ضرب من الرضا الموضوعي بحقيقة أن العمل صار الآن موجوداً، وأن عالم الأشياء ذات القيمة أصبح الآنت أكثر غنى بهذه القطعة الخاصة”.
ما عادت عملية الوحي الهيغلي (جورج هيغل) التي يصفها سيميل هذه ممكنة. لقد وصلنا إلى درجة الحمولة القصوى: صار الطريق نحو تحقيق الفكر مسدوداً. لقد انتصرت النزعة الانتاجية وما يصاحبها من عمليات تراكمية. لعمل العقل، هذا الذي يتطلب استيعاباً بطيئاً وحميماً، قد تمت إعاقته بواسطة مراجع متكاثرة إلى حد مديرٍ للرؤوس. صارت التفاهة غالبة.
صناع الرأي العلمي: ضمن اقتصاد كهذا، فإن الجامعة ما عادت اليوم تبيع نتائج أبحاثها، وإنما تبيع علامتها التجارية تحديداً، تلك العلامة التي تختم بها التقارير والتي تمتلك حققها التجارية.
إنه ممل، إنه علمي: إن غرور مديري المعرفة Knowledge managers يقودهم للاعتقاد بأنهم يستطيعون السيطرة على اللغة؛ هم يظنون أن بإمكانهم اختزالها إلى إشارات يمكن التلاعب بها بسهولة، بغرض إقناع نظرائهم بتحويل قنوات المال باتجاههم.
لقد كانت الجامعة تعمل لعقود الآن لجعل نفسها قابلة للتلاعب من قبل أي طرف على استعداد لتمويلها. وإلى حد ما، ربما كانت تقوم منذ تأسيسها في التاريخ الحديث.
وتتمثل الحالة الأكاديمية academic habitus، بطبيعتها بالسماح بجعل ذاتك قيد السيطرة. فعادة ما يكون الأكاديميون مشوشين بالكامل؛ وحده المال ما يبدو أنه يضفي على ممارساتهم بعضاً من الاتساق. فالكتابة الأكاديمية تقوم على قاعدة ضمنية تتحول إلى علنية في حال خرقها: وحده الأسلوب المحايد، والهادئ، والمعبر هو ما يجعل من نثر المرء جديراً بالعلم. كلما كان ذلك ممكناً، ينبغي أن تكون الكتابة مملة. أسلوبياً، ينبغي على الكتابة التي تدعى ارتباطاً بالمعرفة أن تدور حول المنطقة الوسطى: كل ما عدا ذلن يتسبب في حالة من عدم الارتياح. فالأستاذ المميز سوف يشعر بالقلق من أي مقترح علمي إن لم يُقدم وفقاً لمتطلبات الفكر الموضوعي. وإذا تبدت له صلاحية فكرة ما من دون أن يجدها مصاغة بطريقة ملائمة للبيئةة، فإنه يمكن أن يكررها بالنهاية من دون ذكر مصدر حصوله عليها؛ فالأسلوب هو كل شيء.
ويتعلق الأسلوب، قبل كل شيء، باختيار الكلمات. من المفضل اختيار كلمات علمية، فبدلاً من النقود Money، على سبيل المثال، ناقش العملة currency. أيضاً، عليك بتجنب الكلمات المشحونة بالعاطفة نتيجة لما هي مثقلة به من تاريخ: لا تقل (ثورات سياسية) political revolts، وإنما تحدث عن (الصمود) resilience، ولا تناقش (الطبقة) class، وإنما حلل (الفئات الاجتماعية).
الكتابة على طريق الخراب: ليست هذه النبرة المعيارية تنتج لغة متماسكة. إن قواعد الكتابة الأكاديمية تنحدر بالطلبة الذين يرغمون أنفسهم على الامتثال لها أثناء وجودهم في الجامعة؛ فيصير عليهم أن يعيدوا تعلم كيف يكتبون بمجرد تركهم لمقاعد الدراسة.
مثقفون صغار: عام 1951م، وجد أستاذ اللغة الإنجليزية مارشال ماكلوهالانت في كلارك كينت رمزاً لأكاديمي القرن العشرين. لقد كان البديل المدني لسوبرمان، هو البطل الحقيقي للقصة التي تم تخيلها، أصلاً، من قبل فتيين مراهقين. ويبدو الصحفي المتلعثم وكأنه يجسد الأكاديمي الأخرق في ذلك الوقت، ولأنه ينظر إلى نفسه على أنه نكرة، فقد انزلق إلى أوهام العظمة (التي يعبر عنها اليوم بالامتياز والمرتبة الرفيعة).
عندما لا يرى المواطنون والمفكرون والعلماء في أنفسهم أنهم سوى تروس في آلة كبرى، فإن هذه الآلة تأخذ بعداً بطولياً، فيما تجمع في ذاتها جميع قوة العمل المتاحة لها. هذا، لأن (السلطة الفزيائية والصناعية العظيمة) تعرف كيف تخضع الأكاديميين لسلطانها حتى يصيروا موظفين عندها، فيعملون لزيادة أرباحها.
فالباحثون الذين يختارون البقاء في الحدود (العملية) إنما يحكمون على أنفسهم بالصغر. إنهم يرون الصناعات الكبرى، والجيش، وبيروقراطية الدولة، ومؤسسات التمويل العالمية كقوى عظمى هم مجرد رعايا لها، مثل (حشد من الأفراد عديمي الحيلة، الذي يرفض كثير منهم أوضاعهم رفضاً عميقاً).
أن تلعب اللعبة: إنه لشيء محزن حقاً أن نقرأ الكثير من الكتابات حول الدراسلاات العلمية عديمة الجدوى والرقابة الذاتية التي تحكمها والإساءات المتعددة الملاحظة في الحرم الجامعي. وفيما تصبح معتاداً على التقارير المعاصرة والتب والمستندات حول الأكاديميا، يمكنك أن تتنبأ، عندها، بأن المؤسسة لن تثير أي اعتراض بهذا الصدد. لقد مرت الجامعة بتحول واسع وجانح. وهو تشخيص تتأكد دقته بعدم قدرة المؤسسة من الرد على منتقديها، بما في ذلك عدد من الأساتذة الشجعان الذين يتحدثون من داخل الجامعة.
الخاسرون: إن لم يفهم الأكاديميون ضرورة التحفظ العقلاني والتوازن والغموض، فإن طرقاً قاسية سوف تُستخدم لضمان أن يفهموها. ذلك أن الباحثين الذين يُزعج عملهم المصالح المتنفذة سوف يدفعون جراء ذلك: سوف تتم مضايقتهم، يُسرحون من العمل، أو تتم عرقلة عثورهم على عمل.
آثار معاكسة: في إشارته لألف تكتيك، وتكتيك مناور من تلك التي تطبقها الجامعة، يصف طالب دكتوراة فرنسي مقيد في إحدى جامعات كيبيك الأمر من خلال الإحالة إلى صورة شريك مؤذ في علاقة ما. وكجزء من علاقة الإغواء والاندماج التي تربطك بالمؤسسة، فإن كل شيء يتم بالتدريج لضمان تبعيتك لها. ويبدأ الأمر بحب من النظرة الأولى (أنت الأفضل)، و(مستقبلنا معاً سوف يكون استثنائياً)؛ وبعدها، تُقدم الجامعة قواعد هي فقط من يفهمها. (يمر الزمن وتقضي أنت الكثير من الوقت كي تتخصص في مجال ضيق جداً حتى تصل إلى درجة تبدأ فيها بالتفكير بأنه ليس فقط أن الأكاديميا/ البحث هي فرصة النمو الوحيدة أمامك، بل إنها الطريقة الوحيدة أصلاً لتطوير كامل قدراتك بطريقة مهنية).
خلاصة: الكاتب العاطل عن العمل، والمعلم غير المستقر، والأستاذ الجاهل: في عام 1933م، عندما فقد الكاتب السويسري دينيس دي روجيمونت عمله واستقر في بيتٍ استعاره على جزيرة (ريه) قال عن نفسه بأنه (في حالة بطالة) باعتبار ذلك وضعاً نشطاً، بدلاً من القول ببساطة بأنه عاطل عن العمل. فعندما يكون التفكير هو مهنتك، فحتى البطالة تكون عملاً.
من المفهوم أن عدم الاستقرار يجعل من التركيز صعباً على المفكر. باتباعنا لدي روجيمونت على مدى سنتين، من جزيرة (ريه) إلى حي في باريس ثم إلى منطقة جارد في جنوب فرنسا، نراه يغوص بشيء من القلق بممسكٍ مضنٍ للحسابات، محاولاً أن ينفق على نفسه وعلى شريكته من خلال محاضرات زهيدة الأجر، وترجمات تقدم خلال آجال قصيرة، ومقالات مكتوبة بشكل مستقل تبدو له مع الوقت أكثر سخافة.
المصدر: صحيفة الراكوبة