عجباً لكم أيها البلابسة .. عندما يتحول الصمت إلى خيانة..!

محمد عبدالله إبراهيم
منذ اندلاع الحرب السودانية في أبريل 2023م، لم تعد الحياة كما كانت، ولا الموت كما كان، والخراب تمدد من الخرطوم حتى الجنينة، ومن الجزيرة حتى نيالا، ومن بورتسودان حتى قلب كل سوداني، حيث دمرت المؤسسات والبنية التحتية، وتسببت في مقتل آلاف القتلى المدنيين، وملايين الجوعى والمشردين من النساء والأطفال والعجزة، في الطرقات والمعسكرات وركام البيوت”، وأمهات يحضن الغبار بدل من ابنائهن، وشعب بأكمله يبحث عن نفسه وسط الدخان والخراب والحطام .. هذه ليست حرباً .. بل فتنة تسحق فيها الكرامة على مرأى من العالم الصامت، وتسفك فيها المعاني قبل الدماء.
عندما كانت الطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني تمطر المدنيين بنيرانها وتدك بيوتهم وممتلكاتهم كما لو كانت ثكنات للعدو، وعندما تحولت المدارس والمستشفيات إلى أهداف عسكرية، ودمرت البنية التحتية في الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور وكافة المدن، لم نسمع منكم أيها “البلابسة” إلا الصمت المطلق، ولم يجرؤ أحدكم أن يصرخ في وجه القاتل، ولم نرى دموعكم ولا عويلكم ولا زعيقكم، ولكن حين قصفت الطائرات بورتسودان وبعض المدن، انفجرت أبواق النفاق: “المدنيون! السيادة! الكرامة!، وكأن كرامة المواطن تبدأ من بورتسودان وتنتهي عند أرصفة الميناء .. أليس من الغرابة أن يكون القصف على المدنيين غير جدير بإدانتكم، بينما القصف على مراكز السلطة يدفعكم للبكاء على “السيادة الوطنية والكرامة”، أليس “الإنسانية واحدة ولا تتجزأ؟.
اتهامات الجيش السوداني للإمارات ودول أخرى بدعم قوات الدعم السريع، ورفع شكوى إلى المحاكم الدولية، ثم إعلان الإمارات “عدواً”، وقطع العلاقات معها، هذه كلها مشاهد من مسرحية عبثية لا تنطلي على أحد، ومن شدة سوء اخراجها، القرار صدر من اللجنة التى أعضائها لا يعرفون مهامها، وهي “لجنة الأمن والدفاع”، لا عن مجلس السيادة ولا قيادة القوات المسلحة السودانية، أي كما هو مفترض، بل إن قائد الجيش نفسه في حديثه لم يعلق على هذا القرار، في دلالة واضحة على عمق التخبط وغياب التنسيق داخل أجهزة سلطة الأمر الواقع في بورتسودان، إنه عبث بلا قيادة .. وصراع مصالح يرتدي عباءة “الكرامة الوطنية”، بينما الحقيقة أنها مجرد فقاعات في فنجان السياسة المهزوزة.
أي منطق أعرج هذا الذي يجعل الجيش يصرخ في وجه الدعم الخارجي للدعم السريع، بينما يتلقى هو نفسه دعماً مباشراً من مصر وإيران وروسيا وتركيا؟، والطائرات التي تقصف بها بيوت السودانيين ليست ملكه، بل تأتي من مطارات حلفائه، ولولا هذا الدعم، لكان قادة الجيش وحكومة الامر الواقع في خبر كان او في “السماء ذات البروج” كما يقول المهرج “مناوي”، فكيف تصفون الآخرين بالخيانة وأنتم تغرقون في نفس المستنقع؟ إنكم تتهمون لتصرفوا النظر عن فشلكم، وتصرخون لتغطوا على عجزكم، وتدعون الوطنية وأنتم تبيعون الوطن في المزاد العلني باسم “الجيش والسيادة والكرامة”.
نحن الشعب السوداني الذين لا نملك طائرات ولا مسيرات، ندين هذه الحرب بقلوبنا ودموعنا ووجعنا، ونحمل مسؤولية كل قطرة دم سقطت وكل طفل شرد وكل بيت هدم، لأولئك الذين أشعلوا نيران هذه الكارثة، سواء كانوا بزي رسمي أو بعمامة زائفة أو بلحية ملوثة بالدم .. ان قصف المدنيين وسرقة وتدمير البيوت والمؤسسات وتشريد الملايين، كل ذلك جريمة مشتركة يتحملها الجيش والدعم السريع والمجموعات والمليشيات الحليفة لكليهما .. ان مؤسسات الدولة من المدارس والمستشفيات والجسور وكافة البنية التحتية، ليست ملكاً للجنرالات، بل ملك للشعب السوداني، وهو من يدفع ثمنها من دمه وجوعه وقهره.
عجباً لكم أيها البلابسة، كيف نامت ضمائركم حين احترق الوطن، وكيف استيقظت فجأة حين اهتزت مصالحكم في بورتسودان وبعض المدن؟ أنتم لا تبكون على الشعب، بل على مواقعكم وثرواتكم، ولا تغضبون للكرامة، بل للفتات، وتاجرتم بالوطن كما يتاجر السماسرة بالجثث في سوق الخراب .. ولكن لا تنسوا ان “التاريخ لا يحابي والذاكرة لا تموت”، وسيأتي يوم تنصب فيه محاكم الضمير قبل محاكم العدالة، وسيسأل كل بلبوسي “بأي ذنب صمت؟ .. وبأي ذنب دافع؟ .. وبأي خيانة ساهم في ذبح الوطن؟
فلتستعدوا .. فالغد قادم وإن تأخر.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة