اخبار السودان

عثمان فضل الله قلادة شرف وشهادة تؤتمن في زمن الإلتباس..

أجوك عوض

 

حين قرر الأستاذ عثمان فضل الله أن يشارك بوست المناشدة التي نشرناها لمناصرة العظيمة أشول ملونق التي ألزمها المرض الفراش الأبيض، لم يكن ذلك مجرد مشاركة عابرة.

 

كتب استاذ عثمان على جداره معلقًا:

“لا أعرف أشول، ولكن أعرف أن الزميلة أجوك … لا تكتب إلا شهادة حق”.

 

تلك الكلمات كانت كفيلة بأن تختزل في معناها أرفع مراتب التقدير والاعتراف.

شهادته لنا لا تُعد مجاملة، بل هي وسام فخر نعلّقه على صدورنا، مصدرها قلم نزيه، لم يعرف المجاملة أو التورط في منح من لا يستحق.

 

عرفنا الأستاذ عثمان فضل الله منذ أن كان مديرًا لتحرير صحيفة “الأحداث”، ومنذ أول لقاء، لمسنا فيه شموخًا لا تهزه مغريات، أنفه تجعله يربأ بنفسه عن وضع السيف في موضع الندي ،

واعتدادًا بالذات لا يعرف الانكسار. كان دائمًا حاد البصيرة، عميق الإحساس بالناس،لا تأتي كلماته حرصا علي دينا يصيبها إنما يُصدح بها انطلاقًا من قناعة لارغبة، وموقف لا مصلحة. وإن بدا حادًا في بعض مواقفه، فقد عرفناه سريع التسامح، عذب الرجوع.

 

حين تكتب الصحافة النزيهة شهادتها:

 

في زمن اختلطت فيه القيم، وبهت فيه صوت الصدق، نحتفي بشهادة رجل هو، في نظرنا، مدرسة في المهنية، أيقونة في الالتزام، وتجسيد حقيقي لمفهوم الصحافة كأمانة قبل أن تكون مهنة.

تقييمه لكلمتنا لم يأتِ عابرًا، بل جاء متبصرًا، دقيقًا، ولهذا كان تأثيره بالغًا في نفوسنا، وأثره ممتدًا يتجاوز الحروف إلى المعنى الحقيقي للتضامن المهني والإنساني. كلمته وسام لا علي شخصنا الفقير الي الله بل علي القيمة التي تحملها اشول.

 

من هي أشول ملونق؟

أنشودة الإنسانية في زمن الخذلان:

 

برزت أشول ملونق كوة أمل في ظلمات الكثيرين.

سيدة بسيطة، من ضحايا الحرب بين حكومات المركز وحركات التحرر الجنوبية، لم تحظَ بمقعد دراسي، لكنها حجزت لنفسها مقعدًا في الذاكرة الوطنية.

 

عندما اندفع سماسرة السياسة إلى جوبا بعد إعلان الاستقلال، تركوا خلفهم ضحاياهم من الجنوبيين في الخرطوم، في انتظار قدوم عربات العودة الطوعية التي لم تأتِ، بسبب فساد القطط السمان وفساد العطاءات المخصصة لها تباعا. وحدها أشول بقيت، لتمسح وجعهم، تحفظ أسماء المعتقلين والمرضى عن ظهر قلب، وترافقهم في أزمتهم كما ترافق الروح الجسد.

 

لم تكن تقرأ التقارير أو تحفظ الأرقام من الورق، بل من نبض المعاناة.

أشول فعلت ما لم يفعله كثيرون من أصحاب الدرجات الأكاديمية.

لقد أعادت بصمت، وشجاعة، تعريف الإنسانية والبذل والعطاء بلا شرط.

 

قصة أشول تستحق التوثيق، لا لمجرد العرفان، بل لأنها تُعلّمنا درسًا نادرًا في الوفاء، والصدق، والانتماء.

في وطن لا ينصف أبناءه، فهي من تلك القلّة التي تسمو فوق الجراح، وتردد في صمت :

 

“بلادي وإن جارت عليّ عزيزة

وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرامُ”.

 

ختامًا، نأمل أن تسترد الصحافة عافيتها، وأن تظل كما ينبغي لها أن تكون : منارة للحق، وملاذًا للصدق، ومكانًا يليق بالأمل.

 

تقديري وشكري اللامحدود.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *