ظروف غير مواتية لتعديل مناهج التعليم
تاج السر عثمان بابو
1
كما جاء في الاخبار (راديو دبنقا: 25 سبتمبر 2025) أصدر وزير التربية والتعليم الوطني، د. تهامي الزين حجر، مؤخرًا قرارًا بتشكيل اللجنة العليا لمراجعة المناهج من (12) عضوًا برئاسة وكيل الوزارة. وحدد مهام اللجنة في مراجعة مناهج التعليم العام من حيث مواكبتها للظروف العامة في البلاد، ومواجهتها للتحديات الماثلة، إضافة إلى تقييم قدرة المناهج الحالية على ترسيخ التربية الوطنية، وتعزيز الوحدة القومية وقبول الآخر، ومكافحة العنصرية وخطاب الكراهية، ونشر ثقافة السلام ونبذ العنف.
لاشك أن المراجعة الدورية للمناهج مهمة لمواكبة التطورات المحلية والعالمية، لكن ظروف الحرب الجارية غير مواتية لمراجعة المناهج التي تتطلب التوافق العام من المعلمين والمهتمين وأولياء امور الطلاب. إضافة إلى وقف الحرب والاستقرار والحكم المدني الديمقراطي، وحتى لا تتكرر تجربة الانقاذ الأحادية التي دمرت التعليم لأكثر من ثلاثين عاما، وبعد ثورة ديسمبر عمل “الفلول” بنشاط ضد إصلاح التعليم والمناهج، إضافة إلى أن يكون التطوير وفق خطة شاملة تأخذ في الاعتبار التجارب البشرية، كما يجب أن تتفادى أخطاء الماضي. ما أثار الشكوك حول قرار تعديل المناهج أن اللجنة التي شكلها الوزير تضم في عضويتها أشخاصًا من عناصر المؤتمر الوطني السابق المسؤولة عن تدمير التعليم.
إضافة لما أشار إليه المعلمون أن المنهج الحالي ما زال جديدًا ولم يكتمل بعد. وأن السلم التعليمي الجديد (633) لا يزال في طور التطبيق، حيث أُجريت امتحانات الشهادة السودانية الأخيرة وفق المنهج الجديد، بينما يجري إدخال مقررات الصف الأول الثانوي هذا العام، على أن يكتمل المنهج تدريجيًا حتى الصف الثالث الثانوي.
فضلا عن المخاوف بإعادة إنتاج مناهج الانقاذ مجددا.
2
القضية العاجلة هي وقف الحرب واستعادة مسار الثورة، واستقرار العام الدراسي والتعليم العام والعالي الذي تأثر بالحرب. وصيانة المؤسسات التعليمية التي تأثرت بالحرب، واستقرار المعلم والطالب وتوفير مقومات التعليم الأخرى من مباني ومعامل ومكتبات وميادين رياضية وعودة النشاط المدرسي المبدع والخلاق الذي تأثر بالحرب الجارية.
وهذا ما لم يحدث رغم حديث حكومة بورتسودان عن استقرار العام الدراسي وانتظام الدراسة بنسبة 100% لكن لجنة المعلمين أوضحت حقيقة الوضع في ولاية الخرطوم.
في رصدها لعدم انتظام العام الدراسي والنقص في المعلمين وفي الكتب وفي الاجلاس، فضلا عن معظم سكان المحلية، بما فيهم المعلمين والتلاميذ خارج المحلية بين نازح ولاجىء، فكــــيف بالله تنتظم الدراسة بنسبة (100%)؟ و المحلية تكاد تكون خالية من كل مقومات الحياة الأساسية، أضف لذلك مؤبوة بامراض المـــلاريا و حمي الضنك و الحُميات و غياب خدمات المياة النقية الصـــــالحة للشــــرب و خدمات الكـــــــهرباء .
3
خطر قرار التسرع في تغيير المناهج يعيدنا لنظام الانقاذ الذي وصل فيه التعليم الى أدنى مستوي ، فمنذ إعلان سياسة الانقاذ بعد صدور قرارات وتوصيات مؤتمر التعليم الذي دعت له السلطة الانقلابية في 17 سبتمبر 1990، وتمّ وصفها بانها ثورة تعليمية كبرى!!! تهدف الى إعادة صياغة الانسان السوداني، وتحقيق نظام تعليم مستمد من موروثات المعارف الإسلامية عقيدةً واخلاقا.
وهو في جوهره مشروع يخدم فكر الاسلامويين الظلامي باسم المشروع الحضاري، ولتحقيق هذا لم يراعو حتى توصيات مؤتمر التعليم في التمويل والأحصاء التربوي، وتدريب المعلمين وتحسين أوضاعهم المعيشية والمهنية. إلخ.
لكنهم قاموا بصياغة المناهج على عجل بواسطة عناصرهم، ودون مشاورة المعلمين واولياء الأمور والمختصين والمهتمين، وهى مناهج مليئة بالأخطاء المعرفية اولإملائية والحشو والتكرار، اضافة لعدم مراعاة أذهان الطلاب بزحمتهم بمواد فوق طاقتهم الذهنية، وعدم مراعاة خصائص الييئة والواقع السوداني المتعدد دينيا ولغويا وثقافيا وعرقيا.
إما في السلم التعليمي فقد كانت ابرز معالمه:
قام على 8 : 3، أي جعل المرحلة الابتدائية 8 سنوات، والثانوي 3 سنوات
إلغاء المرحلة المتوسطة
انقاص سنوات الدراسة عاما
(للمزيد من التفاصيل راجع عمر على محمد طه شرارة، تطور التعليم العام خلال خمسين عاما 1956 2006، دار مدارات، 2012)
كان هذه القرارات وبالا على التعليم، فقد تم خصم عام دراسي كامل من الطلاب أدى لتدهور في مستوى تعليمهم، اضافة لتجاهل ملاحظات وانتقادات المعلمين والمهتمين واولياء الأمور الذين ارهقوهم في متابعة أبنائهم بمناهج طويلة مليئة بالحشو الذي لا معنى له.
كان من نتائج ذلك تدهور مستويات الطلاب في اللغة العربية وبقية المواد، وعودة البلاد الى الوراء جراء تلك المناهج للتعليم.
تدهورت اوضاع المعلمين المعيشية والمهنية، والبيئة المدرسة، فقد اصبحت 90% من المدارس غير صالحة..
ضعف ميزانية التعليم التي لم تتجاوز 2,5%، على سبيل المثال في العام 2012 ، بلغ الصرف على التعليم 44 مليار جنيه، في حين بلغ الصرف لجهاز الأمن (1) ترليون جنيه (الترليون الف مليار) و30 مليار جنيه.
كان من نتائج ذلك الخراب الكبير الذي نشهده في التعليم العام الذي عبرت عنه لجنة المعلمين في اضرابها، حيث اشارت لضرورة زيادة الحد الأدني لأجور المعلمين، وزيادة الانفاق على التعليم ليصل الي 20%، وتدهور بيئة المدارس التي زادت تدهورا بعد انقلاب 25 أكتوبر، واصدار ميثاق للتعليم باعتباره اساس تقدم وتطور البلاد واستثمار بشرى لا غنى عنه، اضافة الى أن اجبار الطلاب على دفع الرسوم أدي لتسرب أعداد كبيرة منهم خارج المدارس.
وبعد خراب سوبا بعد 20 عاما من التجربة اقروا بالفشل.
وكانت النتيجة ثورة الطلاب مع الشعب على نظام الانقاذ بعد ثلاثين عاما من الحشو بما يسمى بمناهج المشروع الحضاري.
4
في التعليم العالي الغت الحكومة الانقلابية قانون الجامعة، واعلنت ما يسمي بثورة التعليم العالي الذي التي كانت كارثة، وصادرت استقلال الجامعات والاتحادات الطلابية في الجامعات كما حدث في الثانويات.
كما شردت الأساتذة المؤهلين مما كان له الأثر السلبي علي التعليم العالي، والغت نظام الاعاشة والسكن، وقام صندوق دعم الطلاب الذي اوغل في الفساد ونهب ممتلكات الجامعات، ومارست اقصي انواع العنف ضد الطلاب من قتل وتشريد وتعذيب وحشي، وقمع مفرط لاضراباتهم ومظاهراتهم، وكونوا الوحدات الجهادية الطلابية التي حولت الجامعات لساحات حرب بدلا من ساحات للحوار والفكر المستنير، وحرية البحث العلمي والأكاديمي، وسالت الدماء، واشتدت موجة العنف والإرهاب، ومصادرة حرية الفكر والحوار، ومنع فوز قوائم المعارضة في الاتحادات، وتم استشهاد عدد كبير من الطلاب (محمد عبد السلام، التاية، ابو العاص، . إلخ)، كما تم استخدام القمع الوحشي لطلاب دارفور، ولكن رغم ذلك تواصلت مقاومة الطلاب بمختلف الأشكال من اعتصامات ومظاهرات ومذكرات وعرائض، وقيام اوسع تحالفات تم فيها انتزاع بعض الاتحادات، واستخدم “رباطة” المؤتمر الوطني العنف لالغائها، أو تجميد الاتحادات، كما حدث في جامعة الخرطوم والجامعة الأهلية، وكردفان. الخ.
قامت انتفاضات الطلاب في سبتمبر 1995، وسبتمبر 1996، و2012، والتي كانت قوية هزت النظام، وتم مواصلة النضال من أجل شرعية الاتحادا الطلابية وحرية وديمقراطية النشاط الطلابي السياسي والفكري والأكاديمي واستقلال الجامعات، وتوفير مقومات التعليم من سكن واعاشة، الغاء الرسوم الدراسية الباهظة وتوفير المكتبات والأساتذة، وميادين رياضية ومعامل، وابعاد الوحدات الجهادية المسلحة من الجامعات وعودة الطلاب المفصولين، والتحقيق في اغتيال الشهداء. إلخ.
5
في هذه الفترة يونيو 1989 ديسمبر 2019، حدثت متغيرات كبيرة في التعليم العالي حيث بلغت جملة مؤسسات التعليم العالي أكثر من 72 مؤسسة منها 44 جامعة خاصة وأهلية و28 حكومية، منه 11 بالعاصمة، وبلغ القبول بها أكثر من 250 ألف طالب.
هذا التوسع كما اشرنا سابقا، لم يقابله توسع في الصرف علي التعليم، وفي توفير الأساتذة المؤهلين والمراجع والمكتبات والمعامل والمباني اللائقة، والبيئة الجامعية مثل: الميادين الرياضية وأماكن النشاط الثقافي والترفيه. إلخ من مقومات التعليم العالي. كما تم تصفية نظام السكن والاعاشة والزيادة في الرسوم الدراسية، كما تواصلت اعداد الزيادات في الطالبات مما يتطلب دراسة وحل مشاكل الطالبات.
كما تدنت مستويات البحوث العلمية، وضعف ميزانية التعليم التي بلغت في المتوسط 1,3% من ميزانية الدولة، مما أدى لفرض الرسوم الباهظة على الطلاب المقبولين للجامعات هذا العام، التي وجدت مقاومة كبيرة من الطلاب والأساتذة، ومجالس إدارات الجامعات، اضافة لنهب ممتلكات الجامعة (أراضي، مزارع. الخ)، وضعف العلاقات والتدريب الخارجي، وتراجع جامعة الخرطوم وغيرها في التصنيف العالمي.
فضلا عن مشكلة القبول الخاص التي جعلت الكفاءة تتراجع في وحه من يمتلكون المال، اضافة لمشكلة التدريب النظرى دون العملي، كما تم حشو المناهج بمطلوبات الجامعة، تدني اللغة الانجليزية جراء التعريب غير المدروس.
لمواجهة ذلك تبرز أهمية زيادة الصرف على التعليم، وشروط الخدمة المجزية للاساتذة لمواجهة خطر الهجرة للكفاءات، الغاء القبول الخاص، واستقلالية الجامعات وحرية البحث العلمي والأكاديمي، وتوفير مقومات التعليم العالي من معامل ومكتبات، وسكن واعاشة للطلاب، وعودة الداخليات وللجامعات.
واخيرا لاستقرار التعليم مهم وقف الحرب والاستقرار والسلام والحكم المدني الديمقراطي الذي يعتبر الضمان لتعليم معافى يشارك فيه الجميع.
المصدر: صحيفة التغيير