اخبار السودان

ظاهرة التسول في مجتمعاتنا العربية

سرف المداد

ظاهرة التسول في مجتمعاتنا العربية

لعل الحقيقة التي لا يغالي فيها أحد أن الغلاء الذي قد نشر بنوده ، وأعلن عن وجوده ، في كل صقع وواد قد تمخضت عنه الكثير من الظواهر السالبة التي جاءت عاقبتها حسرة ووبالاً على مجتمعنا العربي الذي أمسى يردد اللوعة والأنين ، ويرّجع الشكوى والسنين ، فالمواطن الذي أصابته شآبيب البلاء ، واجتاحته أغوال الزمن ، تسرع إليه همم الراغبين ، وتتنافس فيه أمال الطالبين ، وتمتد نحوه أعناق المتوسلين ، من قوافل الطامعين الذين وجدوا حياتهم عبارة عن ضباب لا يشع بين جنباته أمل ، فمن استغنوا عن العمل الدائب ، والعناء المرهق ، واكتفوا ببسط الأيدي في ضراعة يدركون جلياً أن شرائح هذه الشعوب السخية سوف توسع لهم كنف رحمتها ، وتوطئ لهم مهاد رأفتها، لأنها مفطورة على اللين ، مجبولة على الشفقة ، والواقع الذي لا يتسرب إليه لحن ، أو تشوبه عجمة ، أن لبعض هؤلاء المتسولين حالات تتوجع لها القلوب رقة ، وتنفطر لها المهج رحمة ، وتذرف لها العيون رأفة ، وقميناً بمن يتفيؤون ظلال الرحمة ، ويتقلبون بين أعطاف النعيم ، أن يطوقوا هذه الفئات بعطاء جزل ، ونائل غمر ، ولكن الشيء الغريب أن من يأنف عن العار ، ويتكرم عن الدنيئة ، ويترفع عن النقيصة وينوء بنفسه عن إتيان المخاز ، هو من يدّر عليهم أخلاف نعمته ، ويرضعهم أفاويق بره ، نعم من توازعت أفكاره ، وتمزقت خواطره ، وأعياه الرزق الشرود هو من يهب صرعى الفاقة ، وأسرى الجهل ، وطرائد المرض ، الصدقات العجاف ، أما من استرسل إلي الرخاء ، وخالط الرّفاهة ، وحالف الجاه ، فنادراً ما يبل لهاتهم بناطل.

إن الشعوب العربية على ما بين شرائحها من اختلاف في الأصل ، وتباين في الأمزجة، وتفاوت في الثقافة، تدرك بحسها من تكأدته المصائب ، وطرقته المحن ، ومن لا تؤلمه الغضاضة ، أو يمضه الهوان ، فصاحب المجد الأصيل ، والشرف الأثيل ، الذي يكفكف عبرات العين بالصبر ، ويخفف حسرات الفؤاد بالرجاء ، يعلم من رضّه الفقر رضا ، وأفضّه الجوع فضا ، ومن يرسل نغمة استدرار الأكف حلوة الإيقاع، صافية الرنين ، ولا أعتقد من المغالاة أن أزعم أن جلّ قبيلة الشحاذين هم عبارة عن عكارة أجناس ، وبقايا نظم مضوا إلي غايتهم المنشودة بلا إبطاء بعد أن تواترت إليهم الأنباء عن سخاء من يرتاحون للندى ، ويهتزون للعطاء ، ويخفون للمعروف.

إن المتسول أنبل ما فيه الصدق ، وأقوى ما فيه الضعف ، فضعفه هو الذي يدفعك دفعاً لإغاثته ومنحه المال الذي يعينه على إقامة أوده وأود عياله ، بعد أن شلت يده ، وكلّت ذراعه ، وعضته الأيام بنابِ مسموم ، وصاوله الزمان بمخلبِ قاتل، وأخشى ما أخشاه أن ينضم كل من تقاسمته الهموم ، وتشعبته الغموم ، إلي هذه الطائفة حتى يحتار الكريم من هو الجدير برفده

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *