

التقي البشير الماحي
إن ما لا يعلمه الذين يبحثون عن سلطة فوق جماجم وأشلاء السودانيين أن السلام باعتباره غاية يظل مقدماً على ما سواه، فإن عودة الحياة إلى طبيعتها بما تقتضيه من مأكل ومشرب ومأوى تظل هي الأولوية. فالإنسان في معركته من أجل التحرر والانعتاق يظل مساره سلمياً مدنياً، وهو الطريق الأجدى والأكثر رسوخاً، فالبندقية بديلها البندقية وإن انتصرت.
إن الطريق السلمي هو نفسه الطريق الذي جعلهم يخوضون حربهم الحالية هروباً إلى الأمام يخوضون حربهم بأعين تنظر إلى تصفية ثورة ديسمبر وشعاراتها السلمية التي أثبت الواقع صلاحيتها لكل زمان وشعارها القاعدي الذي قامت عليه “حرية سلام وعدالة” وقمتُه “يا برهان ثكناتك أولى ما في مليشيا بتحكم دولة”.
إن موقف بعض القوى المدنية من حرب أبريل، وأقصد هنا القوى الحية، وإن بدا متبايناً في ظاهره، إلا أن القاسم المشترك بينهم جميعاً هو وقف الحرب. ومن هنا جاء شعار لا للحرب باعتباره شعاراً قطعي الدلالة، يضع إيقاف الحرب أولاً حتى دون الدخول في التفاصيل السياسية. وهذا بخلاف قوى الظلام التي تريد وقف الحرب مشروطاً بمكاسب محددة، ولو قاد ذلك إلى إعادة التحالف، وأن يعودا إلى السلطة معاً.
هؤلاء توهموا نصراً لن يتحقق في ظل واقع إقليمي ودولي عينه على الدخول ونقل الحرب وفق أجندة وتقاطعات إقليمية ودولية تجعل من أرض السودان مسرحاً لها.
الهدف الثاني كان أنهم إن فشلوا في نصر كامل يعملون فقط على قص أجنحة المليشيا لتعود أخاً أصغر يؤمَر فينفذ. يسعون له وهم يحملون آية كريمة على أسنة رماحهم: وإن جنحوا للسلم. إن أمر العودة معاً تجاوزه الزمن والواقع بفعل التقاطعات التي حدثت.
فالسودان لا يمكن أن يعود إلى ما كان عليه من هيمنة قوة واحدة تفرض أجندتها، وتمارس ما كان يحدث، وحري بكل قواه أن تعي ذلك، وأن تنخرط فور إيقاف الحرب في الإجابة عن السؤال الذي ظل معلقاً منذ الاستقلال كيف يحكم السودان؟ وهو ليس سؤالاً صعباً فالتجارب الإنسانية ماثلة، والبناء عليها يجعل بلوغ غايات هذا الشعب في الحياة الكريمة أمراً ممكناً، حياة تصون تعدد ألوانه وثقافاته ومعتقداته، وتجعله مرآة يرى فيها كل سوداني ذاته التي يريدها ويهواها كما هي.
المصدر: صحيفة التغيير
