صلاح شعيب


صلاح شعيب

كيف يمكن قراءة إحالة البرهان عدداً من ضباطه الذين أبلوا بشكل حسن في حربه؟ هل جرت العملية ضمن الإحالات الروتينية التي ظل الجيش السوداني ينجزها على مدار تاريخه بحيث إن المميز سيصعد بدل الأميز الذي خدم فترته بقضها، وقضيضها؟ وما هي العلاقة بين هذه الإحالة واجتماع بولس الأخير مع البرهان على ضوء تسريبات جديدة تقول إن الجانب الأميركي عرض عليه وثائق قوية لاستخدام الجيش السلاح الكيماوي، وعليه هل هؤلاء الضباط متورطون في الأمر، ويريد قائد الجيش أن يضحي بهم؟، وكذلك يمكن التساؤل حول قرب أو بعد هؤلاء الضباط من الحركة الإسلامية في وقت يريد البرهان تأكيد أن الجيش ليس جيش كيزان، وأنه في قرارة نفسه كان يوظفهم لمرحلة ثم يتخلص منهم في أخرى قادمة؟.
وهل هناك صلة للإحالة بقرار تخليص دور القوات المساندة للجيش بمن فيها من براءيين من إمرتها، وذلك في وقت لم يبد البرهان الوقوف مع قائد البراء في محنته بمصر كما أشيع؟ وهل يريد البرهان بقرار الإحالة تحجيم مخاوفه من هؤلاء الضباط الذين وجدوا مدحاً دون غيرهم من الإسلاميين والبراءيين في ظل دعوات لبعضهم بالتخلص من البرهان لعدم الثقة فيه؟
وهل هذه الإحالة هي الأخيرة وليست الآخرة بمعنى أننا قد نتوقع بين يوم وليلة التخلص من هيئة الأركان، والسيادي، بما فيهما من كباشي، والعطا، وجابر، واستبدالهم بقادة جدد يحققون تطلعات البرهان عندما يخطو للاستجابة لواشنطن الجادة في إنهاء الحرب؟
عموماً تترى الاسئلة من هذه الأشكال في محاولة لمعرفة نوايا البرهان وما يحيط بحرب البلاد والمساعي لإيقافها. والبرهان وحده بمكره ظل مراراً، وتكراراً، يزيد بتصريحاته، وقرارته، وتحركاته، المزيد من الغموض، وهو بعد يستعمل منهج الحفر بالإبرة، كما قال.
كل الآراء، والتحليلات، التي استمعنا إليها لمختلف مشارب ألوان الطيف السياسي صحيحة من زاوية أنها رغبت أن تصب الإحالة في مجرى قناعاتها، ورغباتها، ومواقفها، من البرهان، والحرب، والحركة الإسلامية، والمجتمع الدولي، وثورة ديسمبر، وانقسام البلاد، وغيرها من القضايا التي تتصل بالراهن السوداني. فكل محلل، أو كاتب، يحاول تسمين دجاجته بالضرورة.
كتبنا من قبل بأن الزمن ضيق أمام البرهان في ظل عدم الثقة المتبادلة بينه وبين الإسلاميين، وقاعدتهم المتينة في الجيش، خصوصاً بعد إحساسه بالخروج منتصراً من الحرب ما أدى إلى انتهاجه سياسة استئناف الإعمار. وعندئذ فإنه، وهو يحاول إعادة ترتيب مناطقه المحررة، لا بد أن يعود للسياسة حتى يخرج منها بأكبر قدر من الانتصار لحلمه في حكم السودان بشكل مستقر.
إن كثيرا من المحللين المؤيدين للحرب أصابهم الحزن بأن البرهان تخلى بقراره الجديد عن بعض أميز الضباط الذين دافعوا عنه، وعن البلد. وأشار محللون مساندون الجيش إلى أن القائد ليس رجل وفاء ما يعيد هذا للأذهان حديث الشيخ عبد الحي بأن “لا دين للبرهان”. ولكن الحقيقة التي يجب أن نعتبرها من التاريخ أن متطلبات الحكم لها نواميسه، ولا علاقة لها بالعواطف المثارة عن الإخلاص بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، أو هيئة الأركان. ففي كل مراحل تاريخ الإحالات في الجيش كان ضحايا النميري، والبشير مثالاً هم من المقربين جداً إليهما، وإلا لما منحوهم الفرصة للصعود إلى قمة الجيش. فالنميري في لحظة ما تخلص من زملائه الذين خاطروا معه بأرواحهم في “انقلاب 69”. وكذلك فعل الترابي مع العسكريين، وحاول التخلص من البشير، ولكن الأخير كان أذكى فأرداه في السجن.
إن حسابات العواطف عند الذين ينشدون الحكم لا تجدي، فالساعي للسلطة يمكنه قتل أبيه، أو أخيه، أو نفيهما لو كان أكثر رحمة. ولذلك فإن القائلين بأن البرهان لا دين له لا يدركون طبيعة السياسة من جهة، وطبيعة العسكريين الطامحين في السلطة من جهة أخرى. فالذين يدعمون البرهان الآن لم يعتبروا من دوره في المساهمة في التخلص من نظام الإنقاذ، وتخلصه لاحقاً من حلفائه في الحرية والتغيير الذين وثقوا فيه بأنه سيسلم السلطة لرجل ملكي حين تحل أوان الأجل.
هل نتوقع ردود فعل من ضباط إسلاميين ما يزالوا في الجيش لو أن الحركة الإسلامية قنعت بأن البرهان سائر بتؤدة نحو التخلص من العسكريين المؤدلجين ضمن التنظيم، والانفراد وحده بحكم مناطقه المحررة؟
كل شيء وارد. ولكن الأهم من كل هذا معرفة ماهية كلفة إحالة هؤلاء الضباط على مستوى الدعم المعنوي والقتالي في الميدان، خصوصاً أن لديهم موالين، وواضعين هنا في الاعتبار أن قرار تخليص إمرة القوات المساندة في مناطقها قد يكون له مردود سلبي على الحرب. ذلك في وقت قد يحس فيه القادة المساندون، وقاعدتهم، أن البرهان بعد أن شعر بغياب التهديد تخلص من إمرتهم العسكرية على الأرض دون مشورتهم. سننتظر ردود الفعل السياسية الأكثر أهمية في الأيام القادمة لخطوات البرهان العسكرية على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي، وما إذا كانت هذه الردود قد تغير معادلة الحرب، والسلطة، والسياسة، في البلاد. وإلى ذلك الحين فالحقيقة هي أن كرة البرهان تراوغ في خط ستة دائماً دون الاكتراث للمدافعين الخشنين. وأخشى أن يواجه في القريب العاجل، أو الآجل، إصابة من ثيردباك كسار النجوم، وتمنعه من العودة للملاعب مرة ثانية.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.