بكري الصائغ
“المنتقم”،هو اسم من أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين. وقد أوردها الترمذي في حديث عن أبي هريرة وذكر فيه من ضمن التسعة والتسعين: “المنتقم” و”ذو الجلال والإكرام”. لكن العلماء اختلفوا في تصحيح حديث الترمذي هذا، وقالوا ان اسم “المنتقم” ليس من أسماء الله الحسنى الثابتة، وإنما جاء في القرآن مقيداً كقوله تعالى “إنا من المجرمين منتقمون” وقوله “إن الله عزيز ذو انتقام”، و”فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ”،ولَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ.
المصدر “ويكيبيديا”، و”قاموس المعاني”.
اصوغ هذا الكلام اعلاه كمدخل للحديث عن انتقام الله تعالي الذي يمهل ولايهمل، وانزاله العقاب الرادع القوي علي الطغاة الثلاثة النميري والسادات والقذافي، جراء ما اقترفوها من ظلم وانتهاكات في حق الضباط والمدنيين الذين اعتقلوا بعد فشل الانقلاب ١٩/ يوليو ١٩٧١م، في هذه المقالة اليوم وبمناسبة الذكري ال(٥٤) عام علي اعدام هاشم العطا، وبابكر النور وفاروق حمدناالله، وعبدالخالق محجوب، والشفيع احمد الشيخ، وجوزيف قرنق،لن اتطرق فيها لامن بعيد او قريب عن هذا الأنقلاب، او اقوم مرة اخري بسرد احداث معلومات قديمة غدت معروفة عند القاصي والداني، ساكتب عن انتقام الله تعالي وانزاله العقاب الرادع القوي علي الطغاة الثلاثة وكيف كانت نهاياتهم اليمة ودامية.
اولا(أ) المشير/ جعفر النميري: جاءت الاخبار ذات يوم في عام ١٩٨٢م، ان النميري اصيب بمرض تصلب الشرايين، وان هذا المرض سبب له عدة اعراض جانبية كثيرة منها عدم التركيز وفقدان السيطرة علي تصرفاته بشكل واضح، ولكن بعد سقوط نظام ٢٥/ مايو، قامت الصحف السودانية كشفت حقائق كثيرة عن مرضه والتي كانت وقتها خافية عن الناس، وان النميري في لحظة من لحظات حالته العصبية اعلن عن نيته في تغيير نظام الحكم الي اخر اسلامي، وهو ما طبق بالفعل في عام ١٩٨٣ تحت مسميات كثيرة مثل “قوانين سبتمبر ١٩٨٣”، و”تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية”، “قوانين بدرية سليمان”، وهو النظام الذي بدأ في سبتمبر ١٩٨٣م، وانتهي في ابريل ١٩٨٥م.
(ب)/ لما اشتد المرض علي النميري وغدت تصرفاته غير مقبولة اضرت كثيرا بالبلاد، وخرجت الاشاعات القوية انه يستعين بفكي من دراويش حمدالنيل لعلاجه من الاوجاع، اضطر تحت ضغوطات المقربين من اهله السفر العاجل الي امريكا لاجراء فحوصات طبية هناك، وخرج النميري من الخرطوم في يوم ٢٤/ مارس ١٩٨٥ الي واشنطن علي رأس وفد كبير.
(ج)/ اقلعت طائرته من مطار الخرطوم ، وكانت لحظتها شرارة الانتفاضة ضد نظامه قد اشتعلت، واستمر الغليان طويلآ حتي يوم ٦/ ابريل من عام ١٩٨٥م، وماعاد النميري بعدها الي خرطوم فقد نجحت الانتفاضة، وبقي هو لاجئآ بالقاهرة مع زوجته ومرضه اللعين.
(د)/ قمة المهزلة التي تعرض لها النميري في حادثة دخلت تاريخ السودان، كانت في يوم ٦/ ابريل عام ١٩٨٥، عندما هبطت طائرته الرئاسية مطار القاهرة، ونزل منها، وبينما علي سلم الطائرة، لاحظ النميري عدم وجود بساط احمر كما جرت العادة عند استقبال رؤساء الدول، ولا وجود لحرس الشرف، ولا وجود للرئيس المصري حسني مبارك علي سلم الطائرة لاستقباله، وتوجه الي صالة كبار الزوار بالمطار ، وهناك استقبله مبارك الذي اطلعه علي الموقف الجديد في السودان، وان الشعب السوداني بالتضامن مع القوات المسلحة برئاسة المشير/ سوار الذهب اطاحا بالنظام، وان سوار الذهب اصدر اوامره بعد السماح بدخول الطائرة الرئاسية الاجواء السودانية، وان الطائرة ستتعرض للقصف ان حاولت عبور الاجواء السودانية، وما ان سمع النميري هذه المعلومات من الرئيس مبارك، حتي هاج هياج شديد وعلا صراخه، واصر علي السفر للخرطوم بحجة انه قادر علي انهاء “مظاهرات شوية العيال وتمرد قلة من افراد الجيش”، استدعي النميري كابتن الطائرة الرئاسية للحضور في صالة كبار الزوار، وطلب منه النميري التجهيز والاستعداد للسفر الي الخرطوم، ورفض الكابتن تنفيذ التوجيه، واكد للنميري ان الطائرة ستتعرض للقصف، فما كان من النميري تجاه تصرف الكابتن الا ان قام بصفعة بشدة مما استدعي تدخل بعض الحاضرين من ابعاد الكابتن من الصالة، بعدها ما كان امام النميري الا قبول عرض الرئيس مبارك القبول بالبقاء في القاهرة كلاجيء.
(هـ)/ لقد انتقم الله تعالي من النميري شر انتقام، وابقاه في المرض العضال طويلآ في القاهرة، يتألم ويشقي، ويتذكر ضحاياه، واغتياله للشيخ محمود محمد طه الذي اعدم ولم يحمل سلاح ضد السلطة، لقد استجاب الله تعالي لدعوات الارامل واليتامي، ولدعوات ملايين الناس الذين ظلمهم نظام ٢٥/ مايو بشقيه العسكري والاسلامي، عاد النميري الي الخرطوم مرة اخري بعد غياب سنوات طويلة بعد ان عفي عنه البشير، ولزم النميري بيته في امدرمان، وظل يعاني من مرضه العضال حتي توفاه الله تعالي وغادر الدنيا في يوم ٣٠/ مايو ٢٠٠٩م اي قبل خمسة ايام من الذكري ال(٤٠)عام علي انقلابه!!… توفي النمير عن عمر يناهز (٨٠) عاما.
ثانيا (أ)/ الرئيس/ محمد انور السادات:
اكبر خطأ ارتكبه الرئيس المصري/ انور السادات، انه في شهر يوليو عام ١٩٧١م تدخل في ما لا يعنيه وزج بانفه في شأن سوداني لا يخص مصر من قريب او بعيد، فبعد اعتقال قادة انقلاب ١٩/ يوليو، وتم تكبيلهم بالاصفاد وتعرضوا للضرب المبرح بكعوب البنادق في معسكر الشجرة، وقتها جري اتصال تلفوني ما بين السادات والنميري، وكان السادات هو من بادر بالاتصال وقال للنميري إن “الروس قد طلبوا منه الاتصال به كي يعفو عن عبد الخالق”، ولكن بدل ان يتشفع السادات لنميري واطلاق سراح عبد الخالق قال له “إقطع رأس الأفعى”!!، ويقال هنا أن النميري قد ضحك كثيرا وقال للمقربين منه “أن هذا الرجل ويقصد السادات داهية ومصيبة”.
(ب)/ هناك رواية اخري افادت ان، الزيات وزير خارجية مصر وقتها قال بالحرف الواحد: “قال لى السادات ان السوفيت طلبوا منه التوسط لانقاذ الشفيع لكنى طلبت من نميرى ان يخلص عليه”!!، جاء هذا في مذكرات كتبها الوزير الزيات في كتاب موجود وبالمكتبات المصرية.
(ج)/ ورواية ثالثة تقول ان الرئيس السادات تعمد التأخير فى الاتصال بنميري بعد ان علم من مصادره باعدام الشفيع، فاتصل بنميرى قائلا:
“يا قاعفرجعفر السوفيت طلبوا منى التوسط علشان تعفي الشفيع!!
(د)/ اغتيال الرئيس محمد أنور السادات أو حادث المنصة أو عملية الجهاد الكبرى: جرت خلال عرض عسكري أقيم بمدينة نصر بالقاهرة في 6 أكتوبر 1981 احتفالاً بالانتصار الذي تحقق خلال حرب أكتوبر 1973. نفذ عملية الاغتيال الملازم أول خالد الإسلامبولي الذي حكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص لاحقاً في أبريل 1982. وعقب الاغتيال تولى صوفي أبو طالب رئاسة الجمهورية مؤقتا لمدة ثمانية أيام وذلك من 6 إلى 14 أكتوبر 1981 حتى تم انتخاب محمد حسني مبارك رئيساً للجمهورية.
(هـ)/ الشيء الذي اثر كثيرا في نفوس الشعب المصري ، ان عملية اغتيال السادات تمت بايدي جنود في القوات المسلحة وليست بايدي اخرين من خارج المنظومة العسكرية، وكثيرا ما كان السادات يصف الضباط والجنود بانهم اولاده ويتفاني في خدمتهم.
ثالثا(أ) العقيد/ معمر القذافي قُتل الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي الذي حكمَ ليبيا لأكثر من 40 سنة في 20 تشرين الأوّل/أكتوبر 2011 خلال معركة سرت؛ حيثُ عُثرَ على العقيد مختبئًا في بربخ غربي سرت على يدِ قوات المجلس الوطني الانتقالي. بعدَ وقتٍ قصيرٍ من إلقاء القبضِ عليه؛ فارق القذافي الحياة وقالَ حينَها المجلس الوطني الانتقالي إنه تُوفيّ متأثراً بجراحه التي أصيب بها في معركة بالأسلحة النارية لكنّ شريط فيديو مصور ظهرَ فيهِ القذافي وهو حيّ رفقة عناصر من الثوار الذين انهالوا عليهِ بالضرب وهو يطلبُ الصفح منهم.
المصدر “ويكيبيديا”
(ب)قُتل القذافي بعد ذلك بوقت قصير؛ ولم يُعرف كيف فارق الحياة على وجهِ التحديد حيثُ صدرت تقارير مختلفة بل ومتضاربة في بعضِ الأحيان. وفقًا لأحدِ التقارير؛ فإنّ القذافي قالَ لحظة القبض عليه: «من فضلك لا تطلق النار!». وعندَ استجوابه من قبل ثوار مصراتة حول الأضرار التي لحقت بالمدينة من قِبل قواته؛ أنكرَ معمّر أي تورط له وطلبَ من الثوار عدم ضربه أو قتله؛ فيما طلبَ منهُ أحد الثوار الوقوف فكافحَ من أجل ذلك. في الفيديو الذي صوّره أحد الثوار بعدَ دقائق من القبضِ على معمّر؛ كان يُسمع صوت العقيد وهو يقول: «حَرَامٌ عَلَيْكُمْ.» وفي شريط فيديو آخر؛ ظهرَ القذافي فوقَ غطاء محرك السيارة والثوار يُحيطون بهِ من كل جنبٍ مرددين عبارات وصيحات تُشير للقبض عليهِ فيما أطلقَ آخرون الرّصاص في الجو.
المصدر “ويكيبيديا”
رابعا/(أ)/ الرئيس/ حسني مبارك: هناك مقالات سودانية كثيرة جاء فيها ان حسني مبارك ابان عمله كطيار في القوات المسلحة المصرية عام ١٩٧٠ وقبل ان يصبح رئيسا لمصر، كلف بمهمة عسكرية عاجلة بقصف الجزيرة ابا السودانية للقضاء علي تجمعات الانصار الذين عارضوا نظام النميري وقتها، وبالفعل كما جاءت في المقالات، ان مبارك قصف الجزيرة ابا، وتم القضاء علي الكثيرين من الانصار.
(ب)/ بعد شهرين من تنحيه حسني مبارك من السلطة عام ٢٠١١، تم التحقيق معه في مكان إقامته بمدينة شرم الشيخ باتهامات تتعلق بقتل متظاهرين، واستغلال النفوذ ونهب المال العام. وبعد قرار إحالته للمحاكمة ومعه نجلاه ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من معاونيه ظل مبارك يتلقى العلاج في المستشفيات العسكرية. وظهر راقدا على سرير طبي أثناء حضوره جلسات محاكمته. وفي الثاني من يونيو 2012، قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة حسني مبارك بالسجن المؤبد لمسؤوليته عن قتل المتظاهرين وهي العقوبة ذاتها التي نالها وزير داخليته.
المصدر “سودان اندبندنت” 20200226
خامسا/ القاضي المصري الذي حاكم عبدالخالق فقد عقله: كتب الاستاذ/ شوقي بدري في مقال نشر في صحيفة “الراكوبة” بتاريخ 22/ يوليو، 2011:(الذين حاكموا عبدالخالق خمسة عبدالوهاب البكري ومحمد حسين طاهر وهو مصري ووالده كان مامور الخرطوم وابنه الان في الامن واسمه مشهور لنشاطه الامني وكان رئيس المحكمه احمد محمد الحسن وهو مصري اتي الي السودان سنه 1958 وكعقيد ورقي بعد المحاكمة وخشيت المخابرات المصريه ان يكون في المحكمه ظباط وطنيين او من اصحاب الشخصيات القويه ومن اعضاء المحكمه عبدالسلام محمد صالح ومنير حمد الذي ابدي اسفه في مابعد وقدم اعتذاره لزوجة عبدالخالق ولقد احتج عبدالخالق في المحاكمه لان الذي يحاكمه مصري واحمد محمد الحسن قاضي المحكمه قد قضي بقية حياته في مصر في حاله ذهول ودروشه وجاور في الحسين ويبدوا ان ضميره قد استيقظ بعد جريمة قتل عبدالخالق حتي احمد عبد الحليم كذلك تدروش وجاور في الحسين ولكن عبدالوهاب البكري السوداني لا زال يفتخر بتلك المحاكمه ولقد قابل ثريا زوجه محمد محجوب عثمان في الطائره في السبعينات ومعها ابنتها الطفله هدي وبعد ان داعب ابنتها استفسر عن محمد محجوب بكل بساطه ولماذا لا يرجع للسودان فردت ثريا بان محمد لم يترك السودان كسارق ولكن هناك ظروف تحول دون عودته فابدا عبدالوهاب عطفا وتفهما زائفا.).
*** لم ينس الله تعالي دعوات الملايين من اهل السودان الذين ذاقوا كثيرا المر والهوان من ابناء جلدتهم واجانب ، لقد انتقم لهم شر انتقام من الطغاة الفاسدين النميري والسادات والقذافي وحسني مبارك وعمر البشير.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة