كثف سكان منطقة صواردة التابعة إلى محلية حلفا شمالي السودان، حراك مناهض لشركة مملوكة لجهاز الأمن والمخابرات تعمل في مجال معالجة مخلفات التعدين التقليدي “الكرتة” واستخلاص الذهب باستخدام مادة السيانيد السامة، بالقرب من مصادر المياه، الأمر الذي يعتبره الأهالي مهدداً لحياتهم.

وخلال الشهر الحالي، أطلقت اللجنة السداسية لمناهضة السيانيد في صواردة حملة واسعة تحت شعار “لا للسيانيد.. معاً من أجل بيئة آمنة ونظيفة”، وهي تطالب بإبعاد الشركة الدولية التابعة لجهاز الأمن والمخابرات، والعاملة في مجال معالجة مخلفات التعدين التقليدي، من المنطقة، كما تدعو إلى وقف أنشطة التعدين عن الذهب باستخدام الزئبق، وتفكيك سوق محلي للتعدين؛ بسبب قربه من المناطق السكنية.

وَأَوْقَفَ نشاط الشركة الدولية بقرار من وكيل وزارة المعادن السودانية في العام 2019، بناء على تقييم أجراه فريق من الخبراء والفنيين، أثبت مخالفتها للمعايير والاشتراطات الصحية والبيئة، حيث يبعد مقرها عن نهر النيل بأربعة كيلومترات فقط، في حين ينبغي أن يكون البعد القانوني المطلوب 25 كيلو متراً على الأقل، لكن بعد انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021م، أصدرت وزارة المعادن قرار استئناف يسمح للشركة الدولية بالعمل من نفس مقرها الحالي.

ومع استمرار مقاومة الأهالي، لم تتمكن الشركة الدولية، من مواصلة العمل في مجال معالجة مخالفات التعدين التقليدي بمقرها الحالي، وبعد اندلاع الحرب الحالية كررت محاولاتها لاستئناف نشاطها، وفي رمضان الماضي الذي يوافق مارس 2025 كثفت الشركة مساعيها لمواصلة العمل، ورغم عمليات الترهيب من المسلحين، لم يتوقف السكان عن مناهضتها، وفق ما يرويه السكرتير العام للجنة السداسية لمناهضة السيانيد في صواردة صالح إدريس صالح لـ”دروب”.

أنشطة الموت

وتُعَالَج مخلفات التعدين التقليدي “الكرتة” من خلال عدة أحواض على الأرض، وتُغمر بالمياه، ومن ثم تضاف لها مادة السيانيد، لاستخلاص الذهب، وأثناء هذه العملية تتسرب المياه على مساحات واسعة في التربة.

وتعتبر معالجة الكرتة، النشاط الأكثر شيوعا في قطاع التعدين في السودان، وتعمل عدة شركات متخصصة في هذا المجال من خلال عقود امتياز وتصديق من السلطات الحكومية المعنية، فهي ذات مكاسب سريعة وكبيرة، حيث يستخلص المعدنيين التقليديون 40 بالمئة فقط من الذهب الموجود في الأحجار التي يستخرجونها من باطن الأرض؛ لأنهم يستخدمون معينات بدائية، بينما تأتي الشركات، وتستخرج الـ60 بالمئة المتبقية في “الكرتة” بعد معالجتها بمادة السيانيد.

وتشير تقارير طبية إلى خطورة مادة السيانيد الكيميائية على صحة الإنسان والحيوانات، والبيئة بصورة عامة، مما دعا إلى وضع اشتراطات ومعايير صارمة لاستخدامها، ودائما تنشأ خلافات ومواجهات بين شركات معالجة مخلفات التعدين التقليدي والسكان المحليين في مناطق التنقيب، حيث يتهم الأهالي، الشركات باستخدام غير آمن للسيانيد.

ونتيجة هذه المخاطر، يواصل سكان صواردة في شمال السودان، كفاحهم ضد أنشطة التعدين باستخدام مادة السيانيد والزئبق، وقد بدأ حراك الأهالي في هذه المنطقة في يوليو من العام 2016م مع ظهور الشركة الدولية وبدئها في الإنشاءات توطئة للعمل في مجال معالجة مخلفات التعدين التقليدي، وما تزال متواصلة.

بداية المقاومة

ويقول سكرتير عام اللجنة السداسية صالح إدريس صالح لـ”دروب”: “شكلنا اللجنة السداسية التي تضم ممثلين من ست قرى في سبتمبر 2016، وعملنا على مناهضة الشركة الدولية، وكل عمليات التعدين بالسيانيد والزئبق، لم يكن لدينا أي دافع أو غرض سياسي، فقط كان همنا الصحة والبيئة، ومن هنا نحيي جميع قادة هذه المقاومة، ونترحم على نائب رئيس اللجنة السداسية رمزي عثمان علي بدر الذي توفي العام الماضي، فقد كان من أشد المتمسكين والمدافعين عن البيئة”.

وبعدما تشكلت اللجنة السداسية، فَعلّ حزب المؤتمر الوطني لجنة شعبية موالية له، وأخذت تطالب بالنصيب المحلي من عائدات التعدين، وهي محاولة لإجهاض عمل لجنة مناهضة السيانيد، والتي لم تكترث واستمرت في كفاحها ضد الشركة الدولية التابعة لجهاز الأمن والمخابرات، وفق صالح.

ويضيف: “واصلنا مقاومة سلمية للشركة الدولية، وذهبنا للجهات المسؤولة في محلية حلفا، وتم استدعانا من مكاتب جهاز الأمن في المنطقة للتفاكر عدة مرات. في ذلك الحين كانت تعمل شركة حاسور والشركة التركية في دلقو، وجميعها تبث السموم، وتحدث السكان في المناطق المجاورة عن ظهور أمراض جلدية وسرطانات وفشل كلوي، مما دفعنا للتمسك بموقفنا الرافض لعمل الشركة الدولية”.

وتابع “بعد مشاورات ومناهضة، أحضرت الشركة الدولية لقياس الأثر، فوجدت أن مقرها يبعد عن النيل بـ4 كيلومترات و43 متراً فقط، وفي 2017 حددنا وقفة احتجاجية تطالب بوقف عمل الشركة، لكنها رفضت وتعللت بأنها دفعت مبلغ 5 مليارات جنيه مقابل التصديق ولن تتوقف”.

ويشير صالح إدريس صالح إلى أنهم بعد اجتماع مع مدير الشركة الدولية وهو ضابط برتبة لواء في جهاز الأمن والمخابرات في 2017، تم الاتفاق على جلب فريق خبراء من الخرطوم، على أن يتكفل جهاز الأمن بحوافزهم المالية، لكن لم تكتمل العملية نتيجة خلافات لاحقة.

وبعد ذلك، شرعت الشركة الدولية في توصيل الكهرباء، لكن الأهالي تصدوا لهم بوقفة احتجاجية في أبريل 2017م، على طريق الأسفلت، ومع تصاعد وتيرة الغضب الشعبي التزمت السلطات المحلية بوقف الأعمال الإنشائية للشركة، حسب ما يطالب الأهالي.

مخالفة الاشتراطات

ووفق صالح تمكن الأهالي من منع الشركة الدولية من الوصول إلى مصادر المياه، واضطر إلى جلب المياه بالتناكر من مسافة بعيدة تبلغ 20 كيلومتراً، لكن شباب المقاومة اعترضوها كذلك، مما أعاق عملها، وفي 2019 نصبت محتجين خيمة اعتصام بالقرب من مقر الشركة لمدة 10 أيام، مما دفعها إلى تسريع جميع العمال والإبقاء على المهندسين فقط، فتوقف نشاطها.

ويقول “بعد ذلك أحضرت وزارة المعادن خبيرين اثنين لقياس الأثر، أكدا مخالفة الشركة الدولية للبعد، حيث يبعد مقرها 4 كيلومترات و43 مترا، وأن المطلوب 25 كيلو متر على الأقل، لكن بعد انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021م، أصدرت وزارة المعادن في 3 يناير 2022 قرار استئناف يسمح للشركة الدولية بالعمل من نفس مقرها الحالي، فأتونا ومعهم قوات الدعم السريع والكوارتة، وقالوا إنهم اشتروا الشركة، وبعد مقاومتنا لم يتمكنوا من العمل، فغادروا”.

وامتد رفض الأهالي في صواردة كذلك إلى سوق محلي للتعدين وسط المناطق السكنية، تتم فيه استخلاص الذهب بمادة الزئبق، وقد صدر قرار بنقله إلى منطقة بعيدة، لكن تضارب المصالح تسبب في بقائه في مكانه الحالي وسط تصاعد مخاطره مهدداته البيئية.

عودة بعد الحرب

وعادت الشركة الدولية في مارس الماضي، في محاولة لاستئناف نشاطها تحت مظلة الحرب، لكن الأهالي تصدوا لها، رغم المضايقات الأمنية التي يتعرضون لها، مطالبين بتنفيذ قرار وزارة المعادن الصادر في العام 2019، والذي قضى برحيل الشركة الدولية من مقرها الحالي لمخالفته المعايير والاشتراطات البيئية.

وقال محمد ياسين وهو أحد الفاعلين في اللجنة السداسية لمناهضة السيانيد لـ”دروب”: “هنالك تنسيق بين اللجنة السداسية وشباب السداسية، وبدأت خطوات التصعيد الإعلامي، بل ابتدر شباب السداسية مسلكاً جديداً في التنظيم، وسيظهر للعلن قريباً”.

ويضيف “بالنسبة للقبضة الأمنية تعتبرها السداسية فرقعة داخل فنجان فالجميع يعلم والتاريخ قد سجل مواقف اللجنة والشباب من قبل وما يحدث الآن يعتبر شريط مكرراً”.

وتابع ياسين “نحن أصحاب الأرض، ولن نرضخ لأي عملية ابتزاز، ونعلم جيدا سلوك الجهات الأمنية والمحلية اتجاه مصنع المجموعة الدولية أحد استثمارات جهاز الأمن والمخابرات. عليه لدينا مكتب قانوني يعمل في الاتجاهات القانونية، ومكتب اتصال مع الأجسام والكيانات النوبية وسنعلن نتائجها قريباً”.

دروب

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.