صرخة في وجه البرهان.. 500 يوم من الموت والجوع والمرض
صرخة نساء قوز هندي بمحلية مروي في الولاية الشمالية، المطالبة بوقف الحرب في السودان، تردد صداها بقوة، ولفت الأنظار لحجم المعاناة المستمرة لـ500 يوم من القتال.
تقرير: التغيير
عبّر صوت النساء اللائي وقفن أمام قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لدى تفقده المتأثرين بالأمطار في الولاية الشمالية الاسبوع الماضي، مطالبات بضرورة إيقاف الحرب التي زادت من معاناتهن، عبر عن حال أغلب السودانيين الذين دفعوا فاتورة الحرب بفقد الأرواح والتشريد والجوع والمرض.
500 يوم مرت على الحرب، عنوانها القتل والجوع والمرض والتشريد، وتدمير البنية التحتية، مما خلف أكبر كارثة إنسانية في العالم.
وخلال أشهر الحرب تعرضت القطاعات المختلفة الاقتصادية “الزراعية والصناعية والمصرفية” والصحية وغيرها لضربات موجعة، ضاعفت من كلفة القتال الدائر.
زيادة المعاناة
وتقدر حصيلة الخسائر البشرية في حرب 15 أبريل 2023م بين الجيش وقوات الدعم السريع بنحو 19 ألف قتيل، فيما نزح ملايين داخل 15 ولاية يتواجدون بالمحليات الآمنة، وفر نحو 12 مليون شخص من منازلهم، ويشمل ذلك نحو 9 ملايين داخل السودان ونحو 3 ملايين بالخارج.
وذكر برنامج الأغذية العالمي، أن بعض العائلات اضطرت إلى شرب مياه المستنقعات، ونحو 20 مليون شخص في أنحاء السودان يواجهون حالياً الجوع الحاد.
وزادت الأمطار والفيضانات من معاناة المواطنين خاصةً في المناطق التي تصلها الحرب ولجأ إليها آلاف السودانيين من مناطق الاشتباك، إلا أن السيول أدت إلى انهيار مئات المنازل، وجرف عدد من الطرق في البحر الأحمر والشمالية ونهر النيل.
وذكرت السلطات السودانية أن عدد قتلى السيول والفيضانات، التي تشهدها البلاد منذ أسابيع وصل إلى 132 شخصاً.
وقال وزير الداخلية السوداني خليل باشا سايرين في تصريح سابق، إن ولايتي نهر النيل والشمالية الأكثر تضرراً في خريف هذا العام.
أضرار القطاع الصحي
وفقا لوزير الصحة الاتحادي د. هيثم محمد إبراهيم، فإن حجم الدمار والتخريب بالقطاع الصحي يقدر بـ11 مليار دولار بسبب الحرب.
ووجه الوزير نداءً لتأهيل وإعمار 25% من المستشفيات بالسودان، وتشمل المستشفيات المرجعية الأساسية التى تضم تخصصات زراعة الكلى والرنين المغناطيسى والأورام.
وأوضح أن 75% من المستشفيات البالغة 702 مستشفى منها 540 تابعة للصحة تعمل جزئياً، حيث تعرضت للتخريب ونهب الأجهزة والمعدات الطبية والشبكات، وذكر أن هناك بعض المستشفيات مثل مستشفى الحصاحيصا ومستشفيات دارفور، تدمرت كلياً.
كما أعلن الوزير إطلاق صندوق لإعادة إعمار وتأهيل المستشفيات التي دمرت في الحرب الدائرة، بدءاً من المستشفيات المرجعية بولاية الخرطوم، ولفت إلى أن التركيز في هذه المرحلة من النداء سيكون على المستشفيات القائمة والتي تأثرت بالحرب وأنه لا يشمل إنشاء أي مستشفيات جديدة، وأن التأهيل سيشمل جميع المرافق الصحية التي كانت عاملة من قبل الحرب، كما كشف عن وضع خارطة صحية جديدة لبناء النظام الصحي يسع كل الولايات، مؤكدًا أن المرحلة الأولى بعد وقف الحرب في الخرطوم الاستعجال فى تأهيل المستشفيات المدمرة.
وفي وقت سابق، كشف الوزير عن ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا، رغم تنفيذ حملات التطعيم في بعض الولايات، وأضاف حسب (سودان تربيون)، أن السودان سجل 10.800 إصابة بالكوليرا، وفقا لآخر تقرير عن الوضع الوبائي في 12 ولاية، وبلغت إصابات حمى الضنك 7500 حالة في 11 من أصل 18 ولاية.
بدورها، كشفت منظمة “أطباء بلا حدود” عن ارتفاع الإصابات بالملاريا والأمراض المنقولة بالمياه، بما في ذلك تفشي الكوليرا في ثلاث ولايات على الأقل، وخطر تزايد الإصابات بين الأطفال بالأمراض التي يمكن الوقاية منها، لتوقف حملات التحصين.
خسائر اقتصادية
وعلى المستوى الاقتصادي، قال عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، إن حجم الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية للبلاد 150 مليار دولار؛ وسط توقعات بأن ترتفع الخسائر بشكل كبير في ظل استمرار الحرب، ويتخوف مراقبون أن يؤدي استمرار الحرب إلى انهيار الدولة السودانية إذا لم تتوقف سريعًا.
وبحسب خبراء فإن تكلفة المعارك في السودان تقدر بنحو نصف مليار دولار يومياً.
مشاكل عميقة
وتقول الصحفية والمحللة الاقتصادية نازك شمام، إن حرب 15 ابريل ضربت الاقتصاد السوداني في مقتل، لأنه كان يعاني من مشاكل عميقة جعلت معدلات نموه بطيئة في السنوات التي سبقت الحرب فتجاوزت معدلات التضخم الرقمين واستمر التدهور المستمر في سعر العملة الوطنية أمام حزمة العملات الأجنبية.
وأضافت لـ(التغيير)، أن الأوضاع المعيشية بالغة السوء التي كان يعيشها المواطن السوداني وبعد مرور 500 يوماً من الحرب يجد الاقتصاد السوداني نفسه مواجهاً بإفرازات الحروب التي تؤدي إلى تآكل الإيرادات بسبب دعم المجهود الحربي في ظل محدوديتها بسبب خروج معظم الولايات من دائرة الإنتاج على خلفية الأوضاع الأمنية غير المستقرة”.
وتابعت نازك أنه يضاف لخسائر الحرب فقدان الجنيه السوداني لأكثر من 70% من قيمته، فعند اندلاع الحرب كان الجنيه السوداني يقدر بنحو 540 جنيه أمام الدولار مقارنة بسعره الآن والذي يتجاوز الـ2600 جنيه، بالإضافة إلى انهيار المنظومة المصرفية وفقدان أكثر من 100 مصرف لبيانات عملائها، فضلا عن نهب المصارف وحرقها وإتلاف بنيتها التحتية، ولم ينعزل القطاع الصناعي من هذه الخسائر ففقدت أكثر من 85% من المصانع آلياتها بالسرقة أو النهب أو الاتلاف.
وأكدت نازك شمام، أن من أهم خسائر الحرب خسارة الكوادر البشرية وتقنين البطالة بعد أن فقدت الخدمة المدنية نحو 60% من كوادرها بسبب النزوح واللجوء، مما أدى إلى تعطل بائن في دولاب العمل.
الاقتصاد.. أكبر خسائر الحرب
ولم يسلم القطاع الزراعي من التدمير بسبب الحرب، وخرجت أغلب المشاريع الكبيرة، ومنها “مشروع الجزيرة”، بسبب التدمير الممنهج الذي مارسته قوات الدعم السريع من نهب الأصول والتقاوي، وإجبار المزارعين على النزوح.
وقالت شمام، إن أكبر خسائر الحرب تتمثل في فقدان القطاع الزراعي للموسم الصيفي والشتوي بالمشاريع الزراعية الكبرى، وفي مقدمتها مشروع الجزيرة وسط جدال بين الحكومة السودانية ومنظمات المجتمع المدني بحدوث مجاعة فيما تؤكد الحكومة عدم وجود مجاعة في ظل إنتاج أكثر من 2.3 مليون طن من الحبوب إلا أن برنامج الأغذية العالمي والمنظمات الشبيهة أكدت في تقاريرها وجود مجاعة لا سيما في ولايات دارفور.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، فإن إنتاج الحبوب، الذي يعتمد عليه السكان بنسبة كبيرة انخفض بنسبة 40% خلال العام الماضي، ويتوقع ارتفاع النسبة بصورة أكبر من العام السابق، بعد أن تحول نصف السكان إلى عاطلين عن العمل، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني نتيجة لانهيار الجنيه السوداني وارتفاع قيمة الدولار الجمركي.
وأكد بيان صادر عن الاجتماع الافتراضي لمجموعة متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان، المكون من الولايات المتحدة، السعودية، الاتحاد السويسري والإمارات، مصر، والاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة، أكد مواصلة العمل على إشراك الأطراف المتحاربة في السودان بالجهود الرامية إلى توسيع نطاق الوصول الطارئ إلى المساعدات الإنسانية وتعزيز حماية المدنيين في جميع أنحاء السودان، جنبا إلى جنب مع الامتثال الأوسع للالتزامات القائمة بموجب القانون الدولي الإنساني الدولي والالتزامات بموجب إعلان جدة.
ووفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، فإن حوالي 25 مليون نسمة يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية، حيث يواجه أولئك الموجودون في البلاد، نقصاً في الغذاء والمياه والأدوية والوقود، وسط تفشٍ لوباء الكوليرا القاتل.
المصدر: صحيفة التغيير