اخبار السودان

صديق الحلو …. معزوفة اخيره لدرويش متجول

مثل نسمه صيف رقيقه وعابره حل بيننا صديق الحلو في هذه الدنيا الفانية ضيفا لطيفا عزيزا حسن المعشر
ورحل عن دنيانا فجأه بدون استئذان محب ومحبوب
تجده دائما يحمل حقيبته المكدسه بالورق والاقلام والكتب وقصاصات الصحف المتنوعة … كدرويش متجول يحمل بين اكتافه وساعديه المعرفه لكل إنسان يجده في طريقه
حب كبير للشباب واليافعين في مقتبل العمر وتشجيع منقطع النظير منه لهم على حب الكتابه والقراءة …
تجده احيانا مصادفه متجولا  بين الشوارع والاذقه والساحات متجولا بين الكتب القديمه المستعمله والمفروشة على قارعه الطريق .. في امدرمان القديمه والخرطوم…
حضور كبير ومواظبه في كل الفعاليات الثقافيه داخل السودان وخارجه…
في الإمارات العربيه قبل سنوات التقيت به مصادفه في عجمان ، يرتدي بدله بكرفته ويعتمر على راسه قبعه سوداء … على غير السائد والمالوف حيث عرف بارتداءه الدائم للجلباب  الأبيض البلدي بشال وعمامه …
حييته وضحكت  َمازحا ومشاغلا له شنو حركات المثقفاتيه الجديده دي … ضحك  بصوت عال تلك الضحكه التي تميز بها دوما.
انت عاوزني اعيش في جلباب ابي على طول مالازم الواحد  يعمل تغير شويه .
على قارعه طريق وحانه مطله على شاطئ الخليج جلسنا نحتسي الكرك…
أخبرني عن زيارته الرسميه بغرض المشاركه في إحدى الفعاليات الثقافيه بمدينه الشارقه
وحدثني عن أسماء  ودماء جديده في سماء الروايه
والأدب السوداني لم اسمع بهم من قبل…
حدثني عن اسامه رقيعه ، محمد سالم محمد المصطفى موسى لم أندهش لذالك لطالما كان له القدر المعلي في الاحتفاء الكبير بالمواهب الجديدة وتقديمها للساحه الثقافيه السودانية
عبر الملفات الثقافيه التي كان يعمل بها…
بالرغم من انه من جيل السبعينات القصصي حيث أصدر مجموعته القصصية الأولي. (فصول) في أواخر السبعينات عبر نادي القصه السعودي الا انه كان مجايلا ومواكبا ومندفع بقوه لكل ماهو جديد محتفيا بالاقلام الشابه..
في مدينه كوستي  مسقط رأسه وقبل شهر من خبر مماته التقيته صدفه مره اخرى في إحدى المكتبات يحمل جراب قماش ملئ بثمار التمر يمارس هوايته المفضله كدرويش متجول موزعا التمر على الماره ولدي مضيفيه…
على كنبه حديد قديمه جلست معه نتسامر حول الوضع الراهن أخبار الحرب وأشياء أخرى كان بصحبته القاص صلاح النعمان وأشخاص آخرين..
حكي لنا حكايه هروبه الكبير من جحيم الحرب من مكان اقامته بالخرطوم بحري (الكدرو) وكيف أن اللصوص اعتدو على منزله ونهبو كل شيء ماعدا مكتبته
ماحا تعرف ياهشام سرقو كل حاجه (شفشفو) البيت كلو ماعدا الكتب ضحك باندهاش ورقرقه عيناه هههههه هشام اللصوص  لايقرؤون .. عشان كده ماسرقو الكتب ..
وحكايه أخرى عن شائعه موته عندما ذهب إلى بيته الاخر امدرمان (المويلح) وجد ناس ألحي ينصبون سرادق العزاء لموته ودهشهتم عندما وجدوه حي يرزق بينهم.
من اللافت لي أيضاً أنه كان يحمل دائما بحقيبته كتب وقصص اطفال مصوره يوزعها  على الماره من الأطفال كاحتفاء معرفي مستقبلي  ومدخل أنيق وتحفيز لحب الاطلاع وغرس شتول المعرفه في عقول الغرباء من الأطفال المارين والعابرين بالشوارع بجانب حفنات التمر…
في إحدى مشافي كوستي كان يقبع بجسده العليل يعاني من تمخضات المرض ذهبت إليه استقبلني بترحاب كبير..
كان غارقاً في صوفيته الأبديه كدرويش زاهد عن ملذات الحياة مجابها بصوفيته العميقه كدره المرض واحباطات الحياه
قال لي …. شوف عليك الله شباك  الغرفه دا جميل كيف انا محظوظ  شديد شوف المنظر خلف الشباك رائع كيف ، كان غارقاً في صوفيته في تلك اللحظه يرى الأشياء بحدسه الداخلي وقلبه  بشكل مختلف في تلك اللحظه تذكرت كلمات الشاعر الراحل محمد الفيتوري الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء…
في حضره أدب وارث صديق الحلو وفي غيابه عنا عبثت بي الاشواق  والأحزان كمعزوفه اخيره لدرويش متجول ترك الأثر وغاب عن عالمنا…
لك الرحمه والمغفره ولترقد روحك بسلام .

 

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *