اخبار السودان

شواهد وتناقضات الحرب القذرة!! 

د. أحمد عثمان عمر المحامي

د. أحمد عثمان عمر

 

(١) بلادنا تزحف نحو إكمال العام الثاني من الحرب الشهر القادم، والطرفان المتحاربان مازالا يطلقان الإشارات المتناقضة، أقوالا وسلوكا وتجربة. فبالرغم من تسريبات مفاوضات التسوية السرية بين قائد الإنقلابات المزمن رئيس مجلس سيادة الانقلاب غير الشرعي، وقائد مليشيا الجنجويد الإرهابية المزعوم أنه مات وشبع موتا “البعاتي”، و (المؤسس) صاحب المبادرة الأخيرة التي لم يهتم بها أحد لكنها تعتبر أساس هذه المفاوضات، نسمع خطابا منتظما يؤكد إستمرار الحرب وأن الحل العسكري هو الحل الوحيد الذي سيحسم الحرب. كذلك نشهد تحركات عسكرية على الأرض، يواكبها عمل دعائي واسع، معظمه يدخل في إطار الحرب النفسية ولا تصدقه الشواهد والبينات الواردة من أرض المعركة. فإذا كان بصفة عامة الجيش المختطف ومليشياته الحليفة وعلى رأسها ميلشيات الحركة الإسلامية المجرمة، يتقدم في العاصمة المثلثة ويسترد بعض الأماكن في حين تتراجع المليشيا الإرهابية بصورة واضحة، إلا أن إدعاءات السيطرة على بعض المناطق الحساسة والمهمة غير صحيحة حتماً. ففي هذه المناطق بالذات، يتعرض الجيش المختطف ومليشياته لهزائم واضحة ويفشل في التقدم برغم اعتماده على المسيرات. (٢) بالمقابل نسمع من المليشيا الإرهابية مزاعم حول إحكام سيطرتها على العاصمة الخرطوم، وأنها خط أحمر، وأن الجيش المختطف ومن يختطفه لن يتمكن من إستردادها، والواقع يقول عكس ذلك تماما ويؤكد تقدمه وإن كان طفيفاً. ولكن في نفس الوقت نسمع خطابا بسقف عالي جدا من الجيش المختطف ومليشياته حول انتصاراتهم في دارفور واستعدادهم لسحق المليشيا الإرهابية، لنفاجأ بسقوط مدينة المالحة الاستراتيجية في شمال دارفور يوم أمس. وسقوطها يعني إنقضاء الدعم والإسناد لصمود مدينة الفاشر من قبل الجيش المختطف ومليشيات المشتركة الانتهازية، كما يعني تهديد أماكن سيطرته ومركز إمداد قواته في الولايات التي لم تصلها الحرب الساخنة بعد، مما يجعل تقدمه في الوسط (العاصمة والجزيرة) مهددا ايضاً. وهذا يعني بوضوح، ألا حسم عسكري سريع لهذه الحرب، لأنها قائمة على تقدم وتقدم مضاد، وتهديد لأماكن سيطرة مقابل تهديد مضاد، وإعادة تموضع للهجوم على مكان آخر في مقابل إعادة تموضع مضاد. أي أن إنتصارات أي من الطرفين مهما علا شأنها وتكرست رمزيتها، تبقى انتصارات جزئية، لن تقود لإنهاء الحرب وعودة الحياة الطبيعية بأية حال من الأحوال. فالتقدم الكبير الذي حققه الجيش المختطف ومليشياته الحليفة في أواسط البلاد وبعض مدن الغرب، بات مهددا من جديد بنجاحات المليشيا الارهابية، واستلامها لمواقع استراتيجية تهدد بنقل الحرب لمواقع جديدة وزعزعة سيطرة الجيش المختطف على مراكز إمداده المتنوعة. أما المليشيا الإرهابية، فمن الواضح عجزها عن إسترداد مافقدته في الأواسط وربما الغرب، لكن قدرتها على تهديد أماكن أخرى وبقوة مازالت قائمة بكل تأكيد.

(٣) تناقض الخطاب والفعل الواضح أعلاه، يعزز صحة التسريبات حول مفاوضات التسوية، لأنه يكرس توازن الضعف، ويعكس فقط التحولات داخله ومدى زيادة وتعظيم القدرة التفاوضية، آخذا في الإعتبار التحولات الدولية الكبيرة الناشئة عن سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة، وتأثير هذه السياسة المباشر على الدولة المنخرطة في المشروع الأمريكي في المنطقة. فوق ذلك ولولة أشخاص مؤثرين في الحركة الإسلامية المجرمة وتسريبهم للمفاوضات ورفضهم القاطع لها ووصفهم ل(المؤسس) بأنه أخطر من قائد مليشيا الجنجويد الإرهابية، تؤكد حدوث المفاوضات وخوفهم من أن يستسلم قائد الإنقلابات المزمن وفريق قيادته لها، لأن الفاتورة في هذه الحالة ستدفعها هذه الحركة ومليشياتها المجرمة. وتسريب صحفي معروف من صحفيي هذه المجرمة مع قيادي كبير في المؤتمر الوطني المحلول، لوجود مفاوضات تسوية ثلاثية، يأتي في إطار تهديد قيادة الجيش المختطف لا في إطار تنوير الشارع السياسي، لفرض مزيد من السيطرة عليها، وتذكيرها ان الحركة المجرمة تسيطر على مفاصل الجيش ووحداته الهامة، وتحيط به عبر مليشياتها إحاطة السوار بالمعصم، وأنها ترفض أي تسوية مع مدنيين مدعومين من المجتمع الدولي ولهم تحالف موضوعي مع المليشيا الارهابية. فوجود المفاوضات أمر أقرب إلى الواقع، والبحث عن تسوية لوقف الحرب، أكثر واقعية من الخطاب التعبوي المتشنج، وفوق رغبة الحركة الإسلامية المجرمة في إستعادة تمكين شامل لا سبيل إليه مهما أرتكب من جرائم وأشعل من حروب.

(٤) ومفاد ما تقدم أن الشواهد الدالة على تناقضات بين سقوف خطاب التعبئة العالية التي تؤكد أن الحسم العسكري هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب، والمفاوضات الثلاثية السرية التي فضحتها التسريبات، وبين إنتصارات في الوسط للجيش المختطف ومليشياته مع بعض التقدم في الغرب، وسقوط مدن ومعسكرات استراتيجية في يد المليشيا الإرهابية تفتح الطريق لنقل الحرب إلى قلب مراكز نفوذ وسيطرة الجيش المختطف، وتقدم الجيش المختطف ومليشياته الجزئي في الوسط في مقابل خطاب تضليلي بتحرير كامل، وخطاب مضاد يناقض ذلك من المليشيا الإرهابية، جميعها تؤكد سمات عامة للحرب، أولها أن جميع ما يتم لا يخرج عن نطاق توازن الضعف وأنه لن يقود إلى حسم عسكري، وثانيها أن خطاب الطرفين مجرد خطاب تعبوي في إطار الحرب النفسية خال من المصداقية ومبني على قاعدة بعض الحقائق وكل الأكاذيب، وثالثها أن الراجح هو وجود مفاوضات سرية للتوصل إلى تسوية لوقف الحرب، الرافض الأساسي والمعيق لحدوثها هو الحركة الإسلامية المجرمة. والمطلوب هو الاستمرار في تكوين الجبهة القاعدية الواسعة، التي ترفض الحرب وتطالب بعزل طرفيها ومحاسبتهما معا على جميع الجرائم التي ارتكباها، ورفض اي تسوية تعيد الشراكة السياسية (شراكة الدم) معهما، والعمل على وقف الحرب بإرادة مدنية لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *