شهادات مروعة لضحايا الدعم السريع والجيش في «معتقلات الموت»
عكست شهادات عدد من الذين خرجوا من معتقلات طرفي النزاع في السودان “الجيش والدعم السريع” وشهود العيان والناشطين، عن واقع مأساوي يقاسيه المعتقلون الذين يتعرضون لأسوأ معاملة، فضلاً عن التعذيب المفضي للوفاة.
التغيير الخرطوم: سارة تاج السر
تقول (ن. ك): بمجرد وصولي إلى المعتقل التابع لقوات الدعم السريع بإحدى مزارع المرسى في شمبات شمالي العاصمة الخرطوم، تم خلع جميع ملابسي وظللت اتعرض للتهديد بالاغتصاب طوال فترة اعتقالي، بينما كان التاجر (س. ب) الذي قضي 28 يوماً محتجزاً في مركز يتبع للجيش السوداني بالثورة الحارة العاشرة، شاهداً على تصفية معتقل نتيجة مقاومته.
سجن كبير
شهادات (ن. ك) و(س. ب) وغيرها من تفاصيل انتهاكات وجرائم جسيمة جرت بعد حرب 15 ابريل بمعتقلات الجيش والدعم السريع ضد مدنيين وأسرى عسكريين وثقتها مجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية المستقلة، في تقرير صدر الأحد بعنوان “معتقلات الموت بالخرطوم” وفقا لشهادة 22 مصدراً و42 معتقلاً وشهود عيان.
وأعد التقرير بناءً على العمل الميداني على الأرض بواسطة الهيئة الحقوقية ومتطوعين متعاونين خلال شهرين ليشمل ولاية الخرطوم بمحلياتها السبع ومدنها الثلاث.
وأكد محامو الطوارئ أن العاصمة، بمدنها الثلاث الخرطوم، الخرطوم بحري وأم درمان تحولت إلى سجن كبير لمن تبقى فيها من المدنيين، وأن عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والاحتجاز غير المشروع في سجون الدعم السريع والقوات المسلحة، تصاعدت على نحو مروع، حيث يتعرض المحتجزون لأصناف واسعة من التعذيب والمعاملة القاسية، تشمل التجويع الاعتداء الجنسي وتصل إلى حد الموت داخل تلك المعتقلات.
52 معتقلاَ للطرفين
وبلغ عدد دور الاحتجاز الدائمة الموثقة لدى “محامو الطوارئ”، 44 مركز اعتقال يتبع لقوات الدعم السريع و8 مراكز اعتقال تابعة للجيش، كما توجد مراكز اعتقال مؤقتة ويمكن تعريفها بأنها مواقع صغيرة لتجميع المعتقلين يتم فيها الاستجواب الأولي ومن ثم فرز المعتقلين ونقلهم إلى المراكز الدائمة.
والمراكز المؤقتة تكون دائماً في الأحياء والمباني السكنية أو المدارس أو أقسام شرطة، أما مراكز الاعتقال الدائمة فهي مواقع ومقار كبيرة ينقل إليها المعتقلون وتكون دائماً في المقار العسكرية ومباني المؤسسات الحكومية البعيدة نسبياً عن الأحياء السكنية، وتقام هذه المراكز داخل أعيان مدنية ومناطق عسكرية.
وحدد التقرير معتقلات الدعم السريع داخل مدينة الخرطوم في مناطق: “المدينة الرياضية، مقر هيئة العمليات ومعهد الاستخبارات العسكرية، سجن سوبا، ارض المعسكرات سوبا، جامعة السودان المفتوحة، الأدلة الجنائية بري، مباني غرب مول عفراء، مقر هيئة العمليات السوق العربي، معسكر طيبة تابع للدعم السريع، مقر الحرس الجمهوري، قسم شرطة ابو ادم مربع 4 “النظام العام”، بدروم مبنى سكني مقابل المستودعات، مبنى رئاسة محلية جبل اولياء”.
وتركزت دور الاحتجاز في مدينة بحري بمناطق: “شمبات معسكر المظلات، شمبات الأراضي وراء مستشفى البراحة “حوش كبير”، شمبات الاراضي ميدان السالم مربع 4، معسكر كافوري “الرئيسي” جوار محطة كهرباء مربع 3، مدرسة الدروشاب جنوب الثانوية بنين، كبري الحلفايا مطعم سيزر، الاملاك بالقرب من المحكمة وكبري المك نمر، مبانٍ سكنية “عمارات، محطة الكيلو مبنى سكني “عمارة” جوار “البنشر”، مبانٍ سكنية بالقرب من مصنع ويتا كافوري مربع واحد، المزاد جنوب في منزل بالقرب من الدفاع المدني يوجد به “مدنيون وأسرى قوات نظامية”، شمبات الاراضي جوار مسجد الرفاعي مربع 3 منزل عقيد في الدعم السريع”.
وشملت معتقلات قوات الدعم في شرق النيل مناطق: “مكتب صينية (13) الذي يقع بمقربة من مستشفى شرق النيل، مكتب الوحدة الادارية بالحاج يوسف شارع واحد بالقرب من المدارس، عدد غير محدد من المعتقلات باحياء الجامعة/ النصر/ الفيحاء، مزرعة بالسليت، معتقل في الطريق الشرقي مرابيع الشريف”.
كما يتم استخدام نقاط استجواب مؤقتة في أقسام الشرطة أو أي مؤسسة خدمية تحت سيطرتهم، وتستخدم مباني المؤسسات العامة والخاصة المتاخمة لارتكازاتهم المنتشرة على امتداد شوارع المحلية كنقاط استجواب وتحرٍّ وكمعتقلات مؤقتة.
فيما تمركزت معتقلات القوات المسلحة في الخرطوم بمناطق: “الشجرة العسكرية “سلاح المدرعات”، سلاح الذخيرة، الدفاع الجوي بجبل اولياء”.
وفي أم درمان تمثلت دور الاحتجاز التابعة للجيش في مناطق: “مكتب استخبارات وجهاز الأمن الثورة الحارة التالثة، مكتب استخبارات وجهاز الأمن الثورة الحارة العاشرة، مكتب استخبارات وجهاز الأمن سوق صابرين، منطقة وادي سيدنا العسكرية، منطقة سلاح المهندسين العسكرية.
253 مدنياً و48 عسكرياً في مقار احتجاز الدعم السريع جنوب أم درمان
253 مدنياً و48 نظامياً
وقدر التقرير أعداد المحتجزين بالفتيحاب قسم الـ18 الواقع غربا بمنطقة المربعات في أم درمان بحوالي 150 معتقلاً، وحوالي 103 مدنياً و48 أسيرا من القوات نظامية المختلفة (شرطة، جيش، جهاز أمن) بقسم 50 الواقع في مربع 50 بالصالحة الذي حول الى معتقل.
وفي مقر هيئة العمليات السابق للجهاز (خارج جنوب منطقة صالحة بقليل) يوجد معسكر لتدريب قوات الدعم يستخدم كمعتقل خاصة لاستجواب المسافرين على طريق جبل أولياء، إلى جانب مركز صحي ماجد كامل ويقع بمنطقة هجليجة وتم تحويله من مركز صحي علاجي إلى معتقل أولي يتم احضار المقبوضين إليه وبعد ذلك يتم عزلهم وأخذ البعض إلى قسم 50، إضافة إلى قسم شرطة أمبدة الحارة 18، مدرسة اليقين أمبدة الحارة 12.
واتخذ الدعم السريع منازل مدنيين بالقرب من ارتكاز قواته بكبري ود البشير، معتقلات، فضلاً عن عمارة سكنية غرب كبري ود البشير، مدرسة عثمان بن عفان بالحارة الخامسة امبدة، مدرسة الرخاء بالحارة الخامسة امبدة، مسجد الرخاء بالحارة الخامسة، عمارة سكنية شرق مسجد الرخاء، عمارة الزيتون امبدة سوداتل، عمارة سكنية شمال تقاطع الصهريج.
فيما شملت معتقلات الدعم السريع في منطقة امدرمان القديمة “مستشفى المناطق الحارة الملازمين، مبنى سكني بود نوباوي جنوب، مبنى سكني بحي العمدة”.
شهود عيان: اكثر من 700 شخص معتقلون في بدروم جامعة السودان المفتوحة بحي الرياض
أوضاع المعتقلات
بناءً على إفادات المعتقلين فإن أوضاع معتقلات طرفي النزاع تختلف حسب ما إذا كان المعتقل دائم أم مؤقت، ففي معتقلات الدعم السريع، التي تكون غالباً عبارة عن عمارات سكنية أو مبانٍ حكومية، يعتقل المدنيون أسفل المبنى “البدروم” في المساحة ما بين 200 300 متر.
وأفاد المعتقل (ن. أ) أن معتقل الدعم السريع في الخرطوم الرياض كان في بدروم عمارة سكنية وصل فيه عدد المعتقلين فيه إلى 200 شخص، وفي افادة اخرى للمعتقل (ك.ع)، فإن عدد المحتجزين في معتقل الدعم بجامعة السودان المفتوحة يصل تقريباً إلى ما بين 700 800 شخص.
أما معتقلات القوات المسلحة فهي عبارة عن هناكر أو مبانٍ مهجورة في هوامش المناطق العسكرية، وفق المعتقل (ط. ب) الذي قضى شهرين في هنكر بسلاح المهندسين.
وتعاني المعتقلات من عدم التهوية والرطوبة العالية والتي تؤدي إلى صعوبة في التنفس، ما تسبب في وفاة عدد من المعتقلين حسب إفادة (ن. ص) المعتقل بالخرطوم داخل عمارة سكنية بشارع الستين، وتتطابق هذه الإفادة مع إفادات أخرى لمعتقلين لدى القوات المسلحة والدعم السريع حسب التقرير.
بالإضافة إلى ذلك لا توجد مراحيض داخل المعتقلات وإن وجدت لا يتم استخدامها فيلجأ المحتجزون لاستخدام جرادل عند الدخول، في بعض الأحيان ودون استخدام مياه في أحيان أخرى.
ابرز أساليب التعذيب التعليق من الأرجل والصعق بالكهرباء وإطفاء أعقاب السجائر والإجبار على أعمال شاقة وحفر القبور
التعذيب
وأكد شهود عيان ومعتقلون لـ”محامو الطوارئ”، أن التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة هي القاسم المشترك لجميع مراكز دور احتجاز الطرفين في مواجهة المدنيين والأسرى العسكريين، وذكر التقرير أنه أصبح من المؤكد أن المعتقلين يخضعون للاستجواب تحت عمليات تعذيب بشعة مثل التعليق من الأرجل والصعق بالكهرباء وإطفاء أعقاب السجائر، كذلك إجبار المعتقلين على القيام بأعمال شاقة وحفر القبور لقتلى الطرفين، إلى جانب استخدام التجويع كوسيلةللتعذيب من قبل طرفي النزاع، حيث أفاد (ك. م) الذي كان معتقلاً بمركز كافوري التابع للدعم السريع بأنهم طوال ستة أسابيع ظلوا يتلقون حصصاً ضئيلة من الأكل والمياه.
كما كشف تحرير عدد كبير من الأسرى والمعتقلين المدنيين من المنطقة العسكرية بالشجرة عن نموذج مروع لاستخدام التجويع كوسيلة للتعذيب.
وقال (ن. ص): تقدم وجبة واحدة في اليوم في أفضل الأحوال وعادة ما يتناول المعتقلون رغيفة خبز واحدة في اليوم أو بلحات، وأوضح (و. ط) المعتقل بشمبات في إحدى المزارع بواسطة الدعم السريع، كذلك أن المعتقلين يعانون من قلة مياه الشرب، وفي بعض المعتقلات يتناول بعضهم 3 أكواب يومياً وفي البعض الآخر كوب واحد يومياً.
يأكل المحتجزون رغيفة واحدة أو بلحات ويتناولون 1 3 أكواب ماء في اليوم
اعتداءات جنسية بحق المعتقلين/ات
تمارس داخل مراكز اعتقال طرفي النزاع جميع الجرائم، فبالإضافة للتعذيب والسخرة هناك اعتداءات جنسية شملت الذكور والاناث كما وثق التقرير.
وأفاد (خ. ع) موظف كان معتقلاً لدى الدعم السريع بمبنى هيئة العمليات في الرياض أنه كان من ضمن المعتقلين امرأة متزوجة وفتاة تم الاعتداء عليهما أكثر من مرة.
وفي مركز الثورة الحارة العاشرة الذي يتبع للقوات المسلحة وتتم إدارته بواسطة الاستخبارات العسكرية وأفراد هيئة العمليات التي كانت تتبع لجهاز المخابرات العامة قبل حلها سابقاً قضى (س. ب) تاجر أكثر من 28 يوماً معتقلاً ضمن 18 آخرين، وكشف عن التعدي على اثنين من المعتقلين بينما تم تصفية ثالث نتيجة لمقاومته.
ورصد التقرير معتقلين من النساء والأطفال في عدد من المراكز التي تتبع للجانبين في ظل اختلاطهم مع بقية المعتقلين، وشهدت (ر. ح) بائعة شاي، اعتقلت ومعها 8 نساء وهم ينتمون لمجموعات سكانية من غرب البلاد من سوق صابرين بتهمة التعاون مع الدعم السريع، وأطلق سراحها بعد مضي 36 يوماً، وهي لا تعلم شيئا عن مصير البقية.
وشاهد (م. ح) محاسب تم اعتقاله في مركز احتجاز جامعة السودان المفتوحة، وجود حوالي 12 امرأة وعدد كبير من القصر الذكور بالمعتقل.
بائعة شاي: اعتقلت ضمن 8 نساء ينتمين لمجموعات سكانية من غرب البلاد بتهمة التعاون مع الدعم السريع وأطلق سراحنا بعد 36 يوماً
الفدية مقابل الإفراج
وثق التقرير حالة طلب فدية مقابل إطلاق سراح المعتقل (م. ح) والذي تم اعتقاله بقرب مسجد العشرة من قبل الدعم السريع، ومن ثم قام بعض الأفراد بالاتصال بأسرته طالبين مبلغ 10 ملايين جنيه سوداني مقابل الإفراج عنه، ولفت التقرير إلى أن المذكور ما يزال معتقلاً لعجز الأسرة عن سداد المبلغ.
ونبه التقرير إلى انعدام الخدمات الصحية داخل المعتقلات، واعتبرها من أبرز أسباب وفاة المعتقلين الذين يمكثون أشهر عديدة دون تلقي الرعاية الطبية للإصابات الناجمة عن التعذيب أو عدم تناول أصحاب الأمراض المزمنة العلاج والأدوية المنقذة للحياة.
وكشف (ج. م) الموقوف في معتقل الدعم السريع بالخرطوم الرياض، عن وفاة اثنين من المعتقلين أحدهما نتيجة أزمة تنفس والثاني مريض سكري، فضلاً عن تكدس دور الاحتجاز بأعداد كبيرة من المعتقلين. حيث بلغ عدد المعتقلين في بدروم جامعة السودان المفتوحة بحي الرياض في الخرطوم، اكثر من 700 شخص، ولفت التقرير إلى أن المساحات الضيقة تتسبب في انتشار كثير من الأمراض الفيروسية.
وبشأن المياه قال التقرير إن في جميع دور الاحتجاز يتناول المعتقلون مياهاً غير صالحة للشرب، مما أدى لكثير من الأمراض المعوية.
في نهاية التقرير أوصى “محامو الطوارئ”، طرفي النزاع، بإطلاق سراح جميع المعتقلين دون مسوغ قانوني والكشف عن قوائم المعتقلين والمخفيين قسرياً والسماح لهم بالتواصل مع ذويهم، والسماح بدخول مراقبين مستقلين إلى جميع مراكز الاحتجاز، وتسهيل التحقيقات الفعالة والمستقلة من خلال السماح للخبراء المعنيين من “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” والأمم المتحدة بما في ذلك الفريق المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي.
وشدد على شركاء السودان الدوليين والإقليميين والأمم المتحدة بضرورة تكثيف الضغط على الجيش والدعم السريع من أجل إطلاق سراح المعتقلين دون قيد أو شرط والسماح بدخول مراقبين مستقلين إلى جميع مراكز الاحتجاز، ووقف الانتهاكات بحق المدنيين العزل، رصد وتوثيق جميع الانتهاكات بخصوص المعتقلين والمخفيين قسرياً بنية الضغط للكشف عن أماكن اعتقالهم والوصول للعدالة، إضافة إلى تشكيل لجنة أممية لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في السودان على خلفية حرب 15 أبريل، وتشجيع حملات المناصرة للتعريف بقضية المعتقلين والمخفيين قسرياً.
المصدر: صحيفة التغيير