الطيب محمد جادة

الطيب محمد جادة

في زمنٍ أصبحت فيه مواقع التواصل الاجتماعي مرآةً لحياة الشعوب، نجد ظاهرة غريبة ومقلقة: جموع من الناس تتسابق لمتابعة أشخاص لا يملكون من القيم سوى الصخب، ولا يقدمون سوى الإساءة والابتذال.
شخصيات تُعرّف نفسها بالعنصرية والتهجم والتهريج، لكن رغم ذلك تحظى بآلاف، بل ملايين المتابعين.
المفارقة المؤلمة أن هؤلاء “المشاهير” لا يقدّمون محتوى تثقيفيًا أو فنيًا أو إنسانيًا، بل يتعايشون على إثارة الجدل، وامتهان الكرامة، والسخرية من الآخرين.
ومع ذلك، يجدون من يصفق لهم ويدافع عنهم، وكأن الإساءة تحولت إلى إنجاز، وقلة الاحترام صارت وسيلة للانتشار.الخطورة لا تكمن في هؤلاء الأشخاص بحد ذاتهم، بل في المجتمع الذي يرفعهم إلى مصافّ القدوة. فالمتابعة ليست مجرد نقرة زر؛ إنها رسالة ضمنية بأن هذا السلوك مقبول، بل وربما مرغوب. وهكذا ينشأ جيل جديد يرى أن النجاح يُقاس بعدد المشاهدات لا بقيمة الفكرة، وبحجم الشتائم لا بعمق الكلمة.المسؤولية هنا جماعية.
على الأفراد أن يعوا خطورة “التطبيع مع الإسفاف”، وعلى الإعلام أن يفضح هذه الممارسات بدلًا من تضخيمها، وعلى المؤسسات التعليمية والثقافية أن توجّه وعي الناس نحو النماذج التي تستحق التقدير.فالأمم لا تنهض بمهرّجين، ولا ترتقي بأشخاص فاقدي الأخلاق والاحترام. ما يخلّد في الذاكرة ليس ضجيج الصراخ على المنصات، بل الكلمة الصادقة، والفكرة الراقية، والعمل الذي يترك أثرًا.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.