كمبالا: التغيير

في مشهد أشبه بجدل سياسي وثقافي ظهر اختلاف لافت بين نسختين من شعار جمهورية السودان (صقر الجديان) عقب نشر حكومة “تأسيس” التي تقودها قوات الدعم السريع نسخة جديدة تحمل عددا من التغييرات، مما أثار الكثير من التساؤلات حول الرمزية و الدلالة خاصة في ظل الحرب ووجود حكومتين واحدة في الشرق والأخرى في الغرب.

صقر الجديان

تم اختيار “صقر الجديان” شعارا للدولة بدلاً عن وحيد القرن بعد انقلاب نظام مايو العسكري بقيادة جعفر نميري في العام 1969 وفق الفنان التشكيلي عصام عبد الحفيظ.

وقال عبد الحفيظ لـ(التغيير)، إن شعارات الدول ترمز لهويتها وتاريخها وقيمها، واصفا طائر الجديان بالقوة والشموخ والاستقلالية “يرفض صقر الجديان الترويض أو التدريب ما يعكس حبه للحرية”.

وأضاف أن الطائر يقضي معظم وقته على الأرض ويمشي بخطى ثابتة.

وحول أسباب التغيير قال الفنان التشكيلي إنه يعود لأن صفات وحيد القرن، الشعار السابق، لا تعبر عن طموحات الأمة، لجهة اتصافه بالبطء والغباء بينما مثل صقر الجديان القوة والنبل والسرعة.

وقال عبد الحفيظ خلال حديثه لـ(التغيير)، إن أستاذه الفنان الراحل “أحمد العربي” كان يعمل على الشعار في أعمال نحت وتجويد للرسم والتنفيذ الصارم للخطوط أيام دراسته بكلية الفنون الجميلة، مشيراً إلى مشاركة أستاذه الراحل مجذوب رباح عميد الكلية فى اوئل التسعينات في التصميم الأول للشعار.

التشكيلي عصام عبد الحفيظ: شعارات الدول ترمز لهويتها وتاريخها وقيمها

أبرز الاختلافات

الشعار الجديد التزم بصورة “صقر الجديان” كرمز للدولة، ولم تحمل صورة الطائر نفسها اختلافات كبيرة بين الشعارين القديم والجديد، لكن كانت هناك بعض التباينات في الإطار العام والعبارات المصاحبة.

في الشعار القديم للدولة السودانية؛ هناك عبارة (النصر لنا) في الأعلى والتي تم تبديلها بعبارة (جمهورية السودان) في الشعار الجديد، مع اختلاف ثانوي في شكل الشريط الذي كتبت عليه العبارة.

أما من ناحية الاختلافات الشكلية؛ فإن القوس الذي يغطي صورة الصقر في المنتصف والذي قال التشكيلي عصام عبد الحفيظ إنه يشبه لحد كبير شكل “الدرقة”، كان محدداً باللون الأحمر في الشعار الرئيس، ويحمل دائرة صغيرة باللون الأحمر في الأعلى وذيل بخيوط حملت اللونين الأبيض والأسود، بينما تم تغيير ذلك في الشعار الجديد بوضع 8 نجوم متراصة على شكل قوس.

بالنسبة للتشكيلي عبد الحفيظ وجود النجوم في التصميم المقترح الجديد لا يشمل أي رمزية ذات مغزى، مقترحاً أن تكون تعبيراً عن عدد أقاليم السودان القديمة الثمانية في الماضي.

الشعار القديم تم تذييله بعبارة (جمهورية السودان)، بينما كتب في أسفل الجديد شعارات ثورة ديسمبر: حرية، سلام وعدالة. مع اختلاف في تمويجة الشريط الذي كتبت عليه العبارات بين الشعارين.

دلالات الألوان

الألوان تحمل في طياتها رسائل عميقة تتجاوز المظهر البصري المباشر وفق الفنان التشكيلي “آدم أبو حازم” الذي وصف اللون الذهبي بأنه يمثل الأناقة والنجاح والإنجاز.

وأكد أبو حازم أن الذهبي يجذب النظر بقوة “كأنه يهمس للمشاهد: ورائي ما يستحق الاكتشاف”!

وحول اللون الأحمر في الشعار الأول يقول أبو حازم إنه يختزل معاني القوة والطاقة والحيوية والإثارة، مشددا على أنه أيضا ينذر بالخطورة.

ويصف الفنان التشكيلي اللون الأسود بأنه “لون التناقضات” إذ يجمع بين السلطة والأناقة من جهة، والغموض والخوف من جهة أخرى.

ومن وجهة نظر أبو حازم فإن اجتماع اللونين الأبيض والأسود والأحمر يجعلها الأقرب والأكثر ملاءمة للتعبير عن هوية السودان لما تحمله تلك الألوان من دلالات نفسية وفنية وثقافية واسعة.

“الفنون التشكيلية تمتلك قدرة فريدة على تفسير ما قد يغيب عن الإنسان العادي”. هذا ما أكده الفنان التشكيلي، وقال في حديثه مع (التغيير)، إن الفنون تبسط المفاهيم المعقدة وهي ليست مجرد وسيلة للتعبير بل أصل الأشياء.

وأضاف: التشكيل يعكس حاجات الإنسان النفسية والصحية والثقافية والسياسية كما يساهم في تكوين الهوية وترسيخ الاجماع.

نور بابكر: شعار تأسيس يعكس مسارًا صداميًا قد يعمّق الانقسام

زاوية سياسية

قارن الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني نور الدين بابكر بين الشعار القديم ومقترح شعار تأسيس من زاوية سياسية، واصفا القديم بأنه يقوم على احتكار الشرعية عبر سلطة الأمر الواقع ويربط الدولة بمركز مؤقتاً في الشرق مكرساً للانقسام الجغرافي والسياسي “الأمر الذي يثير مخاوف جدية حول تفكك البنية الوطنية وانزلاق البلاد نحو التشرذم”.

أما شعار حكومة تأسيس فيرى بابكر أنه يحمل دلالات إعادة البناء والبحث عن شرعية جديدة تستند إلى الإرادة الشعبية والتغيير الجذري، غير أنه في المقابل يعكس مسارًا صداميًا قد يعمّق الانقسام إذا لم يُبنَ على توافق وطني واسع.

وقال الناطق الرسمي للمؤتمر السوداني لـ(التغيير)، إن مقارنة الشعارين تكشف أن كليهما بطرحه الحالي لم يضع وحدة السودان في قلب مشروعه؛ فالأول يتمسك بالماضي عبر سلطة القوة، والثاني يندفع نحو المستقبل دون ضمانات عملية للجمع بين مكوّنات السودان المختلفة.

ورأى بابكر أن التحدي الحقيقي الذي يواجه الدولة السودانية والمتمثل في إيجاد مشروع وطني جامع يتجاوز ثنائية “الاستمرارية” و”التأسيس” نحو صيغة تعيد بناء السودان على أسس السلام والديمقراطية والوحدة.

بابكر: العبرة ليست بالشعارات وإنما بمدى الالتزام بتطبيقها على أرض الواقع

شعارات أم تطبيق

وحول العبارات المصاحبة للشعار الرئيس، قال بابكر إن شعار “النصر لنا” الذي تتبناه حكومة بورتسودان يعكس ذهنية الغلبة العسكرية وإرادة فرض الواقع بالقوة.

وأشار إلى ارتباط شعار “حرية، سلام، وعدالة” الموجود في شعار حكومة تأسيس بإرث ثورة ديسمبر ويعبر عن تطلع شعبي لقيم جامعة.

واستدرك الناطق الرسمي باسم المؤتمر السوداني قائلاً: لكن العبرة ليست بالشعارات، وإنما بمدى الالتزام بتطبيقها على أرض الواقع بما يخدم وحدة السودان ومستقبل شعبه.

خاتمة

في ظل تعمق الأزمة السودانية بفعل واقع استمرار الحرب والاقتتال وظهور شعارات سياسية متباينة، برز شعار حكومة بورتسودان وشعار حكومة تأسيس كرمزين متناقضين يعكسان رؤى متعارضة حول مستقبل السودان ووحدته.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.