
فتح مقال القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، المنشور في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، باب التساؤلات حول أسباب اتجاه سلطة بورتسودان إلى منصات إعلام دولية في إطار حربها الإعلامية الموازية للحرب العسكرية المشتعلة في البلاد منذ أبريل من العام 2023..
خاص: التغيير
من كتب مقال البرهان؟
سعى البرهان عبر مقاله “الحقيقة عن الحرب في السودان” إلى حكي سردية سلطة بورتسودان الخاصة عن الحرب، فيما شككت مصادر سياسية متعددة في أن كاتب المقال لم يكن البرهان شخصيًا، مرجّحين أن يكون قد ساهم في كتابته بعض الشخصيات السياسية التي تقوم بأدوار استشارية.
من جانبه، رجّح الصحفي الاستقصائي عبد الرحمن الأمين أن تكون الأمريكية جانيت ماك إليجوت قد شاركت في كتابة المقال، مشيرًا إلى الجزئية التي تحدث فيها “البرهان” في مقاله عن امتداد تاريخ السودان إلى مملكة كوش “التوراتية”، قائلًا إن المذكورة بثّت عددًا من الفيديوهات في صفحتها على فيسبوك حول هذا الموضوع.
الأمريكية جانيت ماك إليجوت قد شاركت في كتابة المقال
عبد الرحمن الأمين، صحفي استقصائي
وأضاف في حديثه لـ”التغيير” أن الأمريكية التي كانت تعمل لصالح تبييض صورة حكومة المعزول البشير، تواصل مجهوداتها حاليًا مع سلطة بورتسودان، مشيرًا إلى فيديوهات تعمل على بثها بصورة يومية على صفحتها في فيسبوك.

وقال الأمين إن ماك إليجوت كشفت بنفسها عن علاقتها بالنظام السابق في تصريحات لصحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، مقتبسًا من الصحيفة: “قالت ماك إليجوت إن عملها من أجل السودان بدأ بشكل شبه عفوي، عندما التقت بالسفير محمد في حفل استقبال بالسفارة الصينية وبدأت معه حديثًا.
وأضافت أنها بعد ذلك بوقت قصير أصبحت وسيطة، حيث ساعدت السفير والنائب آنذاك بيل ريتشاردسون (ديمقراطي من ولاية نيو مكسيكو) في التفاوض على إطلاق سراح ثلاثة رهائن في السودان، أحدهم أمريكي”.
ووفق الصحيفة، فإن السجلات تشير إلى أن السفارة السودانية دفعت لماك إليجوت 75 ألف دولار في الأشهر الستة الأولى من عام 1997.
السفارة السودانية دفعت لماك إليجوت 75 ألف دولار في الأشهر الستة الأولى من عام 1997
صحيفة لوس أنجلوس تايمز
وفي التقرير المنشور في العام 1998، أشارت الصحيفة إلى عدد من الأسماء ممن وصفتهم بـ”أصدقاء السودان” الذين يتم الاستعانة بهم لتبييض صورة حكومة الإخوان المسلمين داخل اللوبيهات الحكومية.
وكشف الصحفي الاستقصائي عن لقائه بجانيت في الخرطوم، حيث كانت تنزل بفندق كورنثيا، وكشفت له عزمها على إجراء لقاء صحفي مع الرئيس المعزول عمر البشير ليتم نشره بصورة مدفوعة لموقع “سي إن إن”.
ونشرت ماك إليجوت على صفحتها في فيسبوك صورًا جمعتها بكل من المعزول عمر البشير ورئيس وزراء سلطة بورتسودان كامل إدريس، إلى جانب نشاطها في الدعاية لصالح حكومة البرهان وشنّها هجومًا على قوات الدعم السريع ودولة الإمارات.
أين ذهب ربع مليون دولار؟
تحصّلت “التغيير” على العقد المبرم بين السفارة السودانية في واشنطن
تم تسريب اتفاق بين حكومة بورتسودان عبر سفارتها في العاصمة الأمريكية واشنطن، وبين شركة تعمل في مجال الشؤون الحكومية الدولية والاستشارات، اسمها “مجموعة فوغل“.
اتفاق
وبالبحث عن الوثائق الرسمية المسجلة لدى وزارة العدل الأمريكية “بموجب قوانين الشفافية المالية”، تحصّلت “التغيير” على العقد المبرم بين السفارة السودانية في واشنطن، ووقّع عنها أبشر أحمد خضر حمد، مستشار بالسفارة، وشركة ذا فوغل المتخصصة في الضغط السياسي، ووقّع عنها رئيسها التنفيذي أليكس فوغل.
ووفق المستندات، يمتد العقد من تاريخ 5 يونيو 2025 حتى نهاية ديسمبر الحالي، بقيمة 40 ألف دولار تُدفع شهريًا، بالإضافة إلى التزام السفارة بتغطية نفقات السفر والإقامة لموظفي الشركة حال تطلّب الأمر سفرهم إلى السودان.
ويحدّد العقد طبيعة العلاقة والخدمات المقدمة من الشركة على أنها خدمات الضغط والاستشارات في الشؤون الحكومية، والعمل على التأثير على السلطتين التنفيذية والتشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وكشف العقد عن تشكيل فريق أمريكي رفيع المستوى لإدارة الملف، مكوّن من الرئيس التنفيذي للشركة أليكس فوغل، ومات كيلين، وعلي خيمجي، وأندرو نيهرينغ، وتوني كارول، مستشار العلاقات الحكومية.
ويشتمل العقد على بنود صارمة للسرية تحظر على شركة فوغل إفشاء أي معلومات مقدمة من السفارة السودانية بواشنطن، بما في ذلك خطط العمل والاستراتيجيات والشؤون المالية، كما ينص العقد على أن السفارة السودانية تملك حصرية جميع الأعمال البحثية والكتابية التي تنتجها الشركة.
هل فشلت شركة الضغط؟
في آخر تصريحات للقائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أواخر نوفمبر الماضي، شنّ هجومًا على مستشار الرئيس ترامب للشؤون العربية والإفريقية مسعد بولس، منتقدًا الورقة المقدمة منه لحل الأوضاع في السودان وسرديته عن سيطرة الإخوان المسلمين داخل الجيش، الأمر الذي يفتح تساؤلًا كبيرًا حول مصير أكثر من ربع مليون دولار ونتائج العقد ومدى نجاحه في تغيير السياسات الأمريكية تجاه حكومة بورتسودان.
من جانبه، وصف الصحفي والمحلل السياسي عثمان فضل الله المنظومة الإعلامية داخل السودان بأنها تعرّضت لانهيار واسع بعد اشتعال الحرب، مؤكدًا أن جزءًا كبيرًا من المؤسسات الإعلامية المحلية أُعيد توجيهها لخدمة خطاب السلطة في بورتسودان، وسط غياب شبه كامل للإعلام المستقل.
شراء أقلام محلية
وقالت مصادر سياسية لـ”التغيير” إن رئيس نادي الهلال هشام السوباط ونائبه يدفعان أموالًا كبيرة للإعلاميين المساندين لسلطة بورتسودان، تصل تقريبًا إلى 2 مليون دولار، تُدفع بشكل دوري للأفراد والمؤسسات الإعلامية، التي اتخذ معظمها من العاصمة المصرية القاهرة مقرًا لها.
رئيس نادي الهلال هشام السوباط ونائبه يدفعان أموالًا كبيرة للإعلاميين المساندين لسلطة بورتسودان
وقالت المصادر إن السوباط يحصل على مقابل من سلطة بورتسودان يتمثل في السماح باستيراد المواد البترولية وتسهيلات في مجال تعدين الذهب.
وكشف مصدر، فضّل حجب اسمه، عن قيمة إيجار مقر صحيفة الكرامة في حي “العجوزة” بالقاهرة، والذي يبلغ 18 ألف جنيه مصري شهريًا، مشيرًا إلى أنه يتم تسديده عبر رئيس نادي الهلال أيضًا.
وقال ذات المصدر لـ”التغيير” إن مبلغ 5 آلاف دولار يُصرف شهريًا للمدعو الانصرافي، الذي يبث لايفات داعمة للجيش، وتُورَد في حساب شقيقته بالإمارات، كما أشار إلى أن نادر العبيد يتلقى مبلغ ألف دولار شهريًا من السفارة السودانية بالقاهرة.
عادة قديمة مستمرة
ولا تُعد طريقة تعامل السلطة مع وسائل الإعلام أمرًا مستحدثًا؛ فخلال فترة عمل لجنة إزالة التمكين إبان حكومة الثورة، ظهرت الكثير من المعلومات والمستندات التي توضح دفع حكومة المعزول البشير أموالًا طائلة لإعلاميين محليين وعالميين.
ومن أبرز هذه النماذج المستند الذي يوضح دفع أكثر من مليون دولار لقناة المستقلة، التي يملكها محمد الهاشمي الحامدي في لندن، مقابل خدمات إعلامية للنظام الإسلامي.
ومن الشواهد المثبتة أيضًا ما قاله الرئيس المعزول البشير نفسه خلال جلسات محاكمته الشهيرة في الخرطوم، والتي بدأت في أغسطس من العام 2019، حيث اعترف بتسليمه مبلغ 5 ملايين دولار لمالك قناة طيبة الفضائية عبد الحي يوسف.
وتُعد القناة التي تعمل من دولة تركيا منذ الفترة الانتقالية وحتى الآن، وفق عدد من السياسيين، معبّرة عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وليست تابعة فقط لحزب المؤتمر الوطني المحلول.
خاتمة
بمجرد اندلاع حرب 15 أبريل، توقفت جميع الصحف الورقية عن العمل، وتم توظيف القنوات الرسمية لصالح الدعاية الحربية للجيش السوداني، فيما انقسمت معظم أقلام الإعلاميين السودانيين لصالح طرفي الحرب.
وتم إنشاء عدد كبير من المواقع الإلكترونية لصالح طرفي الحرب، كما نشط واشتهر عدد من المعروفين باسم “اللايفاتية”، الذين يبثون محتويات على منصات التواصل الاجتماعي لدعم أحد أطراف الحرب، وصارت الحقيقة أول ضحايا الحرب.
المصدر: صحيفة التغيير
