شتان ما بين الحرب الروسية الاوكرانية .. والسودانية التشادية

بكري الصائغ
اولا : المدخل للحرب الروسية الاوكرانية :
١/ أعلنت جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية الاستقلال وغُيِّر الاسم الرسمي للجمهورية إلى «the Ukraine» في ١٧/ سبتمبر١٩٩١، منذ اعتماد دستور أوكرانيا في يونيو ١٩٦٦، أصبحت البلاد تعرف ببساطة باسم «Ukraine»، وهو الاسم المستخدم حتى يومنا هذا، انفصلت اوكرانيا تماما عن ما كان يسمي سابقا الاتحاد السوفيتي، واصبحت دولة ذات سيادة لا تهيمن عليها موسكو باي شكل من الاشكال كما كان في السابق، على الرغم من كون أوكرانيا دولة مستقلة منذ ١٩٩١، ألا أن روسيا مازالت تعتبرها جزء من مجال تأثيرها، وروسيا تنتهج نسخة حديثة من سياسة بريجنيف، التي تنص على أن تكون لأوكرانيا «سيادة محدودة»، كما حصل مع وارسو عندما كانت ضمن مجال التأثير السوفيتي.
٢/ في يوم ٢٠/ يناير ٢٠٠٦ ، وفي أعقاب اجتماع وزراء دفاع دول أوروبا الشرقية في بودابست (الدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي، المجر والجمهورية التشيكية وبولندا وسلوفاكيا)، وبحضور وزير الدفاع الأوكراني، جرى الإعلان عن تأييد هذه الدول لانضمام أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، شريطة دعم المجتمع الأوكراني لهذه الخطوة وتحقيق الاستقرار الداخلي في أوكرانيا، عندها اعلن الرئيس فلاديمير بوتين صراحة رفض انضمام أوكرانيا للحلف وعدها تهديدا لأمن روسيا القومي، وانه لن يسمح لاوكرانيا المجاورة لروسيا ان تكون دولة تابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، سبق ان اعلن بوتين في مرات عديدة ان وجود اوكرانيا كدولة تابعة للحلف بجوار روسيا تعد بمثابة من يقرب الزيت للنار، وان امريكا ومعها منظمة حلف شمال الأطلسي وبعض الدول الاوروبية يحاولون استغلال اوكرانيا كرأس حربة ضد روسيا القوية.
٣/ في يوم ١٤/ سبتمبر ٢٠٢٠، تمت موافقة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على استراتيجية الأمن القومي الجديدة لأوكرانيا والتي تنص على تطوير شراكة مميزة مع حلف شمال الاطلسي بهدف الحصول على عضوية داخل الحلف، وقع الرئيس زيلينسكي المرسوم رقم (117/2021) بالموافقة على استراتيجية إنهاء الاحتلال وإعادة دمج [استرجاع] الأراضي المحتلة لجمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتي ومدينة سيفاستوبول، تحولت الأزمة الأوكرانية الروسية ٢٠٢١/ ٢٠٢٢ الى مواجهة عسكرية وأزمة دولية مستمرة شملت أيضًا الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ورابطة الدول المستقلة. حينما حشدت روسيا في شهري مارس وابريل من العام ٢٠٢١ حوالي ١٠٠،٠٠٠) جندي ومعدات عسكرية بالقرب من حدودها مع أوكرانيا، وهوما مثل أعلى تعبئة للقوة منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام ٢٠١٤.
٤/ قدمت روسيا في شهر ديسمبر ٢٠٢١ مشروعي معاهدتين تحتويان على طلبات أشارت إليها باسم «الضمانات الأمنية» بما في ذلك تقديم تعهد ملزم قانونا بأن لاتنضم أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي وكذلك خفض عدد قواته والمعدات العسكرية المتمركزة في أوروبا الشرقية، وهددت برد عسكري غير محدد إذا لم يتم تلبية مطالبها كاملا. هذه الطلبات واجهت الرفض من قبل الولايات المتحدة وأعضاء آخرون في حلف شمال الاطلسي، وحذروا روسيا من زيادة العقوبات الاقتصادية عليها في حال اقدامها على غزوأوكرانيا. وعقدت محادثات دبلوماسية ثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا في يناير ٢٠٢٢، لكن تلك المحادثات فشلت في نزع فتيل الأزمة.
٥/ اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية: في ٢٤/ فبراير ٢٠٢٢ أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا من قبل القوات المسلحة الروسية التي تركزت سابقًا على طول الحدود، تبع الغزو غارات جوية استهدفت المباني العسكرية في البلاد، وكذلك دخول الدبابات عبر حدود بيلاروسيا. أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأحكام العرفية في جميع أنحاء أوكرانيا. سُمعت صفارات الإنذار من الغارات الجوية في جميع أنحاء أوكرانيا معظم اليوم. تدهورت البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أوكرانيا بالفعل نتيجة للهجمات الإلكترونية والقصف الروسي. احتلت العديد من المدن أو المباني الأوكرانية، بما في ذلك محطة تشيرنوبيل النووية. ومع ذلك، وفقًا لمسؤول دفاعي أمريكي، فإن القوات الروسية «تواجه مقاومة أكبر مما توقعت».
٦/ في ابريل هذا العام الحالي، دخلت الحرب شهرها الـ(٣٨) واظهرت بكل وضوح قوة روسيا العسكرية وصلابة الموقف الرسمي في موسكو بعدم التنازل عن فكرة الدفاع عن روسيا ضد وجود اوكرانيا كدولة نووية تابعة حلف شمال الاطلسي حتي وان اقتضي الامر الي حرب نووية، والشيء المؤلم في موضوع الحرب ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش “إن مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية غير ممكنة في هذه اللحظة”..وإنه من الواضح أن روسيا وأوكرانيا ” منغمستان تمامًا في هذه الحرب” وكل منهما “مقتنعة بقدرتها على الفوز.
ثانـيا : الحرب السودانية التشادية :
١/ من عاين بدقة شديدة وامعان وتركيز في العلاقة بين السودان وتشاد بعد حرب يوم السبت ١٥/ ابريل ٢٠٢٣، يجد ان الوضع بين الدولتين بعد تدهور العلاقات ووصولها الي اسوأ حالاتها قد اقتصرت علي هجمات لاذعة بالالسن فيها الكثير من البذاءات الغير مقبولة التي صدرت من شخصيات قيادية في البلدين، لم يعد يخفي علي احد، ان واقع الحال يؤكد ان المناوشات الكلامية والاتهامات الخطيرة المتبادلة بين الطرفين خلال الفترة من عام ٢٠٢٣ حتي الان، قد حلت مكان الحرب وان دخول البلدين في نزاعات مسلحة مثل التي بين روسيا واوكرانيا اصلا غير واردة في اذهان القادرة العسكريين في بورتسودان وام جمينا، وان ما بينهما مجرد (حرب كلامية) تشتد وتبطيء بحسب الحالة المزاجية عند جنرالات الدولتين.
٢/ انواع “الحرب الكلامية” بين السودان وتشاد كثيرة ومتنوعة نشرتها الصحف ووكلات الانباء العالمية، فعلي سبيل لا الحصر، نشر “مركز تقدم للسياسات” في يوم ٢٥/ مارس ٢٠٢٥، خبر تحت عنوان: “عضو بالمجلس السيادي السوداني يهدد تشاد: اقتراب نذر الحرب الإقليمية”، جاء في سياقه: (تصاعدت حدة التوتر بين تشاد والسودان بعد إعلان عضو مجلس السيادة السوداني، ومساعد القائد العام للجيش، ياسر العطا، الأحد 23 مارس، إن مطاري أنجمينا وأم جرس بدولة تشاد سيكونان أهدافًا مشروعه للجيش السوداني. وأضاف في تصريحاته العلنية ” سنقتص من الرئيس التشادي محمد إدريس دبي” كما هاجم أيضاً ما أسماهم “مراكز النفوذ والخونة في دولة جنوب السودان” في إشارة صريحة الى اتهام جوبا بالانحياز لقوات الدعم السريع. ورفضت وزارة الخارجية التشادية تصريحات مساعد قائد الجيش، ونعتتها بـ “غير المسؤولة” وتفسيرها كإعلان حرب وأشار البيان ” إذا تم المساس مجدداً بأراضينا أو أمننا فإننا سنرد “بشكل صارم ومتناسب مع طبيعة العدوان”، وأن حكومة أنجمينا تحتفظ بحق الرد المشروع عسكريا على أي محاولة للاعتداء، بغض النظر عن مصدره، في إشارة للمعارضة المسلحة أو القوة المشتركة للحركات المسلحة المتحالفة مع النظام. وعلى جانب اخر، قال بيان لخارجية جنوب السودان إن تصريحات العطا التي وصف فيها قوى في جنوب السودان بالخونة، بانها متهورة واستفزازية. وأضاف” أن الحكومة ستتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة أراضيها وسلامة مواطنيها”). انتهي
٣/ رغم حدة تهديد عضو مجلس السيادة ياسر العطا في مارس الماضي، وبعد مرور شهر بالكامل علي الفقاعات الصابونية، ما سمعنا بخبر دبابة سودانية قد اخترقت الحدود وتوغلت داخل العمق التشادي، او ان طائرة حربية تابعة للقوات المسلحة السودانية قد حلقت فوق ام جمينا، او ان قصف قد طال مطاري أنجمينا وأم جرس!!، ولكن قرأنا في مرات عديدة في الصحف المحلية، ان القوات المسلحة التشادية قد دخلت عنوة وبالقوة كثير من مناطق دارفور بحثا عن المعارضين السياسيين التشاديين ، ولم تتصدي القوات المسلحة السودانية لها ولا منعتها من القيام بمهامها العسكرية!!، هناك من قال ان اي اعتداء علي تشاد من قبل القوات السودانية يعني اعتداء علي فرنسا التي تحمي تشاد، ولهذا فالبرهان في غني عن مشاكل مع القاعدة الفرنسية التي تجاور حدود بلاده!!
٤/ الحرب بين السودان وتشاد هذا في حال اذا افترضنا جدلا ان هناك فعلا حرب، فانها اشبه بحرب “دون كيشوت” الذي كان يقاتل طواحين الهواء بحربة وعلي ظهر حصان عجوز، هذه الحرب ينطبق عليها ما قاله الشاعر نزار قباني “إذا خسرنا الحرب لا غرابَه/ لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابه/ بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه/لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابه”).
٥/ شتان ما بين الحرب الروسية الاوكرانية التي كلفت الطرفين اكثر من (٢) قتيل ومصاب جراء غزو أوكرانيا، وبين حرب السودان وتشاد التي كلفت الطرفين نحو اربعين تصريحات فشنك!!، وسبعين انواع مختلفة من السباب البذئ والعادي!!
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة