منعم سليمان
زيارة وُصفت بالسرّية إلى سويسرا، لكنها يا للعجب كانت معلومة للقاصي والداني قبل أن يحزم البرهان حقائبه. لقاء مع مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي، أعقبته عودة انفجرت معها ماكينة الدعاية الإسلامية العسكرية، لتوزّع على الناس أخبارًا من فئة الانتصارات *إيّاها* التي كشفتها الحرب!
قالت آلة العسكرتاريا الإعلامية الحربية إن البرهان ناقش مع بولس ولاحظ يا من رعاك الله وحفظك أن البرهان هو الذي ناقش قضية استبعاد قوات الدعم السريع من أي مشاركة أو مباحثات قادمة!
ومع ذلك، لم يتكرّم علينا أحد ليخبرنا: بماذا أجاب بولس؟ هل أومأ موافقًا في لحظة انبهار بذكاء البرهان؟ وهل سيوقّع البرهان اتفاق وقف الحرب مع نفسه أم مع كيزانه؟ وأين اقترح توطين عشرات الآلاف من أفراد الدعم السريع؟ هل سيتبخّرون في الهواء، أم يُعاد توطينهم في جزر الخيال التي رسمها خيالهم المجدب؟
والسخرية الكبرى تتجلّى في نفس الخبر الذي تباهَوا به، والذي يحمل في طيّاته ما يفضح كذبهم وينسف مصداقيتهم؛ فقد أضافوا أن البرهان ناقش أيضًا مع بولس “فكّ الحصار عن الفاشر”! فليخبرونا: من يحاصر الفاشر؟ ومن يحتاج إلى المساعدة والدعم: أهو الذي يحاصر أم المُحاصر؟ وكيف يقرّر إذن المُحاصر مصير من يحاصره؟
إن الحرب بشعة في مجملها، وأبشع ما فيها *أكاذيبها*!
أما مشهد صراخ سُوقة الحرب وصحفيّيها ومنظّريها، وهم يصوّرون اللقاء كفتح مبين، فهو اللوحة الأكثر سوريالية. إنهم أنفسهم الذين طالما هتفوا: “الحل في البل” أي الحل في القضاء على الدعم السريع واتهمونا *كما اتهموا كلّ التيار المدني الديمقراطي بالخيانة والعمالة*، لمجرّد دعوتنا إلى وقف الحرب منذ يومها الأول واللجوء للتفاوض.
واليوم، يرقصون طربًا على أوهام تفاهمات لم تحدث، ويبتلعون بلا مضغ فضلاتنا، ويضيفون إليها سمًّا زعافًا من مطبخ البروباغندا المتأسلم الماسخ!
إن أدعياء الحرب جميعهم بلا استثناء دمويّون، جبناء، أغبياء، وكذّابون، بلا ذاكرة ولا بوصلة.
وإذا كان للزور أبطال، فهم روّاده المتوَّجون، يلبسون أكاليل الوهم على رؤوس خاوية، ويظنّون أن التصفيق للسراب يحوّله ماءً. *لكن التاريخ يسجّل، والحاضر يصرخ بصوت عالٍ أن هذه المسرحية السخيفة في فصلها الأخير*، قبل أن يُسدل الستار وتَنطفئ الأضواء، ويبقى الكذب وحيدًا في الظلام.. *بلا برهان أو كيزان*.
ثم ماذا لو قرّرت الإدارة الأمريكية عقد اجتماع مع حميدتي غدًا؟ هل يُعدّ هذا انتصارًا لقوات الدعم السريع كما صوّروا لقاء البرهان؟ وهل سيَلطمون ويندبون، أم يكونون مثلنا، ويعتبرون اللقاءين مجرّد نافذة لبحث مخرج يوقف الحرب المستعرة بين طرفين: الأوّل *الحركة الإسلامية والجيش*، والثاني *قوات الدعم السريع*؟
الفرق بيننا وبينهم: فرق أخلاق، واتساق، وحبّ لهذا الوطن العظيم .. *جدًا*.
المصدر: صحيفة الراكوبة