اخبار السودان

سودان ما بعد الحرب صور متقابلة

خالد فضل

استمعت لكلمة أستاذنا الحاج ورّاق في مفتتح اجتماع للقوى الديمقراطية المدنية عقدته في العاصمة الإثيوبية نهاية أكتوبر المنصرم , كانت كلمته محفّزة للآمال , طموحة ومتفائلة , وهي تعبّر عن السودان الذي في الوجدان السليم أكثر منها عن السودان السقيم , والذي ورث العلل جيلا إثر جيل , عهدا وراء عهد , حربا في قعر حرب . سودان تمناه وتشهاه نفر كريم من مواطنيه الشرفاء , كتبوا فيه الشعر الغزير , والمقال النحرير , والمسرح والموسيقى والنحت والتلوين والفيلم والهتاف وعذب النشيد إلخ ما أبدعه المبدعون . كيف تبدو صورة السودان ما بعد حرب داحس والغبراء الراهنة , الحرب العبثية الطائشة , حرب اللعنة المستوطنة في النفوس التواقة للسيطرة والنفوذ , هي ليست حرب تحرير حتى يقال إنّ مشروعيتها من نبل مقصدها , ليست حرب كفاح من أجل ردّ مظالم أو نيل حقوق مشروعة حتى توصف بما تقود إليه , هي حرب عبث الجنرالات بالكاكي ومن شايعهم من الجنرالات بكرفتة وبنطال أو لحية وسروال !! أمّا الكفاح من أجل التحرير والإستقلال فقد كان مدنيا صرفا ؛ اتفقنا أو اختلفنا مع الأزهري والمحجوب , مؤتمر الخريجين أو الأحزاب السياسية يسار ويمين , هاتوا عسكريا واحدا له في الإستقلال سهم يسير ؟ لا يوجد فقد كانوا عسكر يتبعون الجيش المصري , أوامرهم ورولتبهم ورتبهم يوزباشي وغيرها مما يسمون , ليس لهم في نضالات المدنيين نصيب , هذا هو التاريخ القريب وبعض شهوده أحياء ما يزالون , أمّا حركات الكفاح باسم المستضعفين في الهامش الجغرافي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي , فهذه موضة استمالت العقول والقلوب ردحا من الزمان , حتى جاءنا عهد جبريل وصحبه الغر الميامين , فإذا هي حروب بعض الطامحين في التوظيف وقبض المخصصات بالمليارات في خواتيم شهر الميري ليس أكثر ولا أقل , فلما الحرب أصلا !!
فقد شهد المركز هذه المرّة وقائع حية لما كان يدور هناك , شهد العاصميون _من غير الذين نزحوا إليها أصلا نتيجة ما عاشوه هناك _ شهدوا بما جرى في 4آلاف قرية في دارفور أحرقتها القوات العسكرية نفسها المتصارعة اليوم في كبري شمبات وبيت المال واركويت , إنّ غنماية تملكها كلتوماية تعدل أثاث صالة أنيق نُهب من قيلا أريج !! وعلى ذلك قس قساوة الحرب وفظاعتها في كل إقليم . فكيف تبدو صورة السودان بعد هذا العراك الطويل .
لقد صحب الحرب خطاب كراهية وفعل كراهية وممارسة أسوأ ما في الإنسان من نواقص , لقد كان الدعم السريع مثلا لعشر سنوات خلون هو (حمايتي) , كان زغرودة الوزيرة , وقائده ممن تنحني له رقاب الجنرالات في القيادة العامة في قلب الخرطوم , يتودد إليه المتوددون , ويقذف بالإمام الصادق المهدي يرحمه الله إلى غيهب السجن لإنتقاد طفيف , الآن ومنذ 8شهور هو الشيطان الرجيم , وتسجيلات قائده المرحوم نسج ذكاء اصطناعي , وهو النهاب للبيوت المغتصب للحرائر المدمر للكباري والجسور ,أمّا الجيش فهو الفلول , الله نحنا هل جنينا أم هل عقولنا نُصاح !! ورحم الله المغني والشاعر , ونتيجة خطاب الكراهية مزيد من الكراهية بين الأنحاء والجهات بين العادات والثقافات بين الألوان والسحنات واللهجات , ونتيجة خطاب الكراهية والحرب وعدم الاستقرار ضياع المدارس والأطفال والجامعات والشباب , واللجوء إلى دول الجوار والفرار إلى ما وراء البحار , وعندما يتم جرد الحساب ستكون المحصلة , فقدان لما كان يسمى السودان , أرضا وخريطة ومعنى ؛ وعندي الأخير هو ما لا يمكن جبر كسره بيسر , أمّا المبنى فيمكن تعويضه على أي حال . لفد ظل صاحب هذا القلم ضمن آخرين/ات كثر يدعو منذ صباح 15أبريل 2023م ذاك الصباح القاتم اللعين , لوقف الحرب في مهدها , لجم النار في حيّز ضيق , لم الجرح قبل استفحال النزيف , دعا لذلك للأمانة بعض الجيران الأفارقة على وجه الخصوص , ودعت له دولة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية , ولكن ضاع صوت الحكمة والعقل وغاب الرشد عن المتعاركين العابثين ومن ساندهم من كتائب المستنفرين وبالغياب تغيب شمس السودان مع الأسف الأسيف , اللهم إلا بمعجزة في زمن شح المعجزات , والله يكضب الشينة , وإن شاء الله يا أستاذنا وراق تصادف دعواتك ورؤياك أبواب سماء مشرعة يردد الملائكة خلفك آميين .

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *