سودانً التأسيس وطن لا يُفصل ولا يُقسَّم

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
السلطة الصفوية، أو الطبقة السلطوية كما كتبتُ في عدة مقالات منابعها ممتدة إلى كل السودان، وكذلك الغالبية المهمَّشة. هذه الصفوة تجدها في أبيي، وجوبا، والضِغين، والنهود، كما تجدها في الدامر، وبربر، وأم درمان، وعطبرة، وبورتسودان. وتظهر بكثافة في الخرطوم، حيث اجتمع الناس إليها من كل حدبٍ وصوب.
أما المهمَّشون، فلم تقتصر منابعهم على غرب السودان وجنوبه. فالسادة في بلاد الشايقية، مثلًا، تمتعوا بهبات “البنوت البكريات”، كما تمتعوا بالبلح “القنديل الأثير” الذي يأتيهم دفاقًا من مزارعين جوعى.
أما عن النوبيين وأهل الشرق، فحدّث بلا حرج :
** أهل الشرق استكانوا لمرض داء الصدر وقهر الشمس المحرقة.
** أما نوبيوا الشمال، فلقد تركوا بيوتهم منذ بدايات القرن العشرين ليعملوا خدماً في المنازل وطباخين. لكنهم بالرغم من ذلك تمسكوا بتلابيب حضارة ضاربة في القدم، فاعتمدوا على أنفسهم تمامًا تمامًا، بينما كانت النخبة السلطوية في الخرطوم، ومروي، وشندي تُعدّ لتهجيرهم قسرًا، بعونٍ من مصر والأحزاب العروبيةكثيرون منهم تعرضوا للموت بمرض السرطان نتيجة إسكانهم القسري في منازل مسقوفة بالأسبستوس.
لقد تجاهلت النخبة السلطوية العمقَ السوداني الأفريقي، وظنّت واهمَةً أن تجاهل هذا العمق، وادعاء النسب العربي، سيحل مشكلة الهوية. وكان ولا يزال ذلك اعتقادًا خاطئًا وفاشلًا.
وأوجز هنا، للفائدة العامة، أن العمق الأفريقي يبدأ من أسوان، حيث نشأ نوح عليه السلام، وأنجب ابنه حام، أبو السود : النوبيون، والتقراي والنيليون، والبانتو، والبرنو، والهوسا، والفونج، والأنقسنا، وغيرهم.
لقد سعت النخب السلطوية العروبية لدفن هذا العمق الأفريقي، بدءًا بفصل الجنوب، وها هم اليوم يسعون عن علمٍ أو جهل لفصل دارفور، وبلاد الفونج، والأنقسنا، والبرون.
لكنني أؤكد، لمن قصر في العلم أو أنكر الحقيقة، بأن غالبية الشعوب السودانية **حامية الأصل والمنبت والجينات**.
حتى ولو تمازجت فيها دماء أبناء يافث وسام، فسيظل هذا البلد قارةً وتجمعًا بشريًا لا يُختزل.
خاتمةً : كما أسلفنا في مقالات سابقة، فإن تحالف تأسيس هو الأمل الوحيد لاقتلاع التهميش، وإنهاء النخبوية التي أوقعتنا في أتون حروبٍ قاسيةٍ مدمّرة.
نواصل…
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة