منتدى الإعلام السوداني

كمبالا، 1 نوفمبر 2025، () حين وضعت رابحة يدها على صدرها ذات صباح، لم تكن تتخيل أن تلك اللحظة العابرة ستفتح باباً من الخوف والقلق لن يُغلق. بعد أيام من الفحوصات، تأكدت إصابتها بسرطان الثدي.

اكتشاف بالصدفة

تقول رابحة إسماعيل لـ(التغيير): قبل ثلاثة شهور اكتشفت الورم بالصدفة، لم أتوقع أن يكون سرطاناً. منذ ذلك اليوم تغيّر كل شيء، وبدأت رحلة العلاج في بلد اللجوء بين المستشفيات والفواتير الباهظة.

توضح رابحة، اللاجئة السودانية في كمبالا، أن العلاج مكلف للغاية، إذ تصل جرعة الكيماوي في المستشفيات الخاصة إلى نحو 600 دولار شهرياً، وهو مبلغ يصعب على معظم اللاجئات توفيره. تجربتها تعكس معاناة عشرات النساء السودانيات المصابات بالسرطان في أوغندا، حيث تتقاطع الصعوبات الصحية والنفسية والمالية لتؤثر بشكل كبير على جودة حياتهن وفرصهن في العلاج والشفاء.

معاناة متعددة الأوجه

في معهد السرطان الأوغندي بالعاصمة كمبالا، وهو المركز الرئيسي للتشخيص والعلاج، تتكدس الحالات يوماً بعد يوم؛ بسبب تزايد أعداد المرضى ونقص الأجهزة والأدوية. وتشير الدكتورة امتثال جابر، الطبيبة السودانية المقيمة في كمبالا، إلى أن أوغندا تفتقر إلى المرافق الصحية المتخصصة في علاج السرطان، إذ يتركز أكبر مركز في العاصمة فقط، ما يجبر المرضى على السفر من مناطق بعيدة، وتحمل تكاليف باهظة.

وتضيف في حديثها مع (التغيير) بأن المعهد يعاني نقص الأدوية والمعدات الضرورية، مما يؤدي إلى فترات انتظار طويلة وتأخير في التشخيص والعلاج. وغالباً ما تُشخّص حالات سرطان الثدي وعنق الرحم في مراحل متأخرة؛ بسبب ضعف الوعي بأهمية الكشف المبكر، وهو ما يقلل من فرص الشفاء.

ورغم أن العلاج يفترض أن يكون مجانياً للمواطنين واللاجئين، إلا أن النساء يتحملن تكاليف غير مباشرة مثل النقل والإقامة والغذاء أثناء فترة العلاج. وتقول امتثال إن نقص الدعم المالي يجبر الكثيرات على تأجيل جلسات العلاج أو التوقف عنها تماماً، ما يزيد احتمالات المضاعفات، ويقلل من فرص الشفاء.

تتحدث الطبيبة أيضاً عن الأثر النفسي الكبير الذي تخلفه الإصابة بالسرطان، حيث تتعرض النساء المصابات للتمييز الاجتماعي، مما يجعلهن يخفين إصابتهن خوفاً من الوصمة. وتوضح أن صدمة التشخيص تقود إلى مستويات مرتفعة من القلق والاكتئاب والخوف من الموت، في ظل غياب الدعم النفسي المتخصص.

وفي سياق التوعية بسرطان الثدي، يُعد شهر (أكتوبر الوردي) فرصة للتذكير بأهمية الكشف المبكر ودعم النساء المصابات بالمرض. ويستخدم اللون الوردي كرمز للتضامن مع المريضات، وزيادة الوعي بخطر السرطان وسبل الوقاية، وتشجيع النساء على متابعة الفحوصات الدورية.

سرطان عنق الرحم الأكثر شيوعاً

وتشير امتثال إلى أن سرطان عنق الرحم يُعدّ الأكثر شيوعاً بين النساء في أوغندا، لكن ضعف الوعي بسبل الوقاية والفحص المبكر يفاقم من معدلات الوفيات. وتواجه بعض النساء غياب دعم أزواجهن في رحلة العلاج، خصوصاً من الناحية المالية، كما أن نقص المعلومات الطبية يجعل كثيرات غير قادرات على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحتهن.

امتثال تؤكد إن مواجهة السرطان في ظل أوضاع اللجوء والحرب تتطلب تضافر الجهود بين المنظمات المحلية والدولية، وزيادة الوعي بالكشف المبكر، وتوفير الدعم المالي والنفسي للنساء المصابات.

28 ألف إصابة سرطان سنوياً

وفي الجانب الآخر في مدينة مروي شمال السودان، تجلس إيمان حسين إلى جوار شقيقتها أسماء، الأربعينية التي أرهقها سرطان الثدي بعد رحلة نزوح طويلة من الخرطوم. تقول إيمان في حديثها مع (التغيير): “عانينا كثيراً في الوصول إلى مروي، والآن نعاني انقطاع الجرعات وارتفاع ثمنها”.

ووفقاً لبيانات وزارة الصحة السودانية، تم تسجيل نحو 28 ألف إصابة بالسرطان سنوياً في البلاد، ما يجعل المرض من أبرز أسباب الوفاة. وتشير الوزارة إلى أن الطب الحديث يتيح الوقاية بنسبة تصل إلى 70% عبر الكشف المبكر والتثقيف الصحي، وأن التشخيص المبكر يقلل معدل الوفاة بنسبة 50%.

أما تقرير منظمة الصحة العالمية (GLOBOCAN) لعام 2020، فأظهر أن معدل الإصابة بسرطان الثدي في السودان يبلغ أكثر من 41 حالة لكل مائة ألف امرأة، وأن أغلب الحالات تُكتشف متأخرة. وبيّنت دراسة من مركز الخرطوم للأشعة والآيزوتوب أن نسبة النجاة للحالات المبكرة تصل إلى 79%، بينما تنخفض إلى أقل من 10% في المراحل المتقدمة.

ومنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تراجعت قدرة المستشفيات السودانية على تقديم خدمات علاج السرطان. توقفت المراكز في الخرطوم كلياً، بينما تعمل وحدات أخرى بقدرات محدودة في بعض الولايات. كثير من الأطفال والنساء فقدوا فرصهم في تلقي العلاج المنتظم؛ بسبب انقطاع الأدوية ونزوح الكوادر الطبية.

25 طفلاً مصاباً باستراحة جوّانا أمل

في مدينة مروي الطبية يتحدث مدير استراحة “جوّانا أمل” للأطفال المصابين بالسرطان الدكتور معتز إبراهيم عن معاناة متزايدة يعيشها المرضى وأسرهم، إذ تؤوي الاستراحة 25 طفلاً مصاباً بالسرطان و25 من المرافقين، يعانون أمراضاً مختلفة تشمل سرطان الدم والعظام والكبد والعين والعمود الفقري، وتتراوح أعمارهم بين عامين 12 عاماً.

ويقول إبراهيم في مقابلة مع التغيير إن الاستراحة تعمل وفق أربعة محاور أساسية تشمل السكن المريح، والتغذية السليمة، والنقل من الاستراحة إلى المستشفى، إضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي.

ويؤكد أن التكلفة العالية للعلاج تمثل عبئاً كبيراً على الأسر، إذ يواجهون صعوبة في سداد تكاليف الجرعات أو الفحوصات أو حتى التنويم بالمستشفى، ما يضطر بعضهم إلى تأجيل العلاج أو اللجوء إلى فاعلي الخير والمنظمات لتوفير قيمة الجرعات، في رحلة مرهقة تمتد حتى يتمكن الطفل من الحصول على العلاج المناسب.

وتتنوع أسعار الجرعات الدوائية حسب النوع، إذ يبلغ سعر الوحدة الصغيرة نحو خمسة وأربعين ألف جنيه سوداني، بينما تصل الوحدة الكبيرة إلى 100 ألف جنيه، ويحتاج بعض المرضى إلى أكثر من جرعة واحدة في كل دورة علاجية، ما يجعل الكلفة باهظة، ولا يمكن تحملها بالنسبة لغالبية الأسر النازحة.

ويشير إبراهيم إلى أن الاستراحة تعمل كذلك على برامج التوعية والكشف المبكر، موضحاً أنه خلال فعاليات أكتوبر الوردي السابقة نفذت “جوّانا أمل” برنامجاً خاصاً بالكشف المبكر عن سرطان الثدي، بإشراف مدربة مختصة تستخدم جهازاً حديثاً للفحص المبكر للسيدات. ويضيف أن العمل حالياً يتركز على المحاور الأربعة الأساسية، مع الأمل في التوسع مستقبلاً ليشمل التدخلات الجراحية والعلاجية كما كان الحال في الخرطوم قبل اندلاع الحرب.

من الوصمة إلى شهر الأمل

أما دكتورة مريم محمد حامد، مؤسسة مركز الخرطوم للعناية بالثدي عام 2010، تستعيد ذكريات التأسيس قائلة  “في ذلك الوقت كان المجتمع يخجل من الحديث عن سرطان الثدي، لكن مع مرور السنوات تحول أكتوبر من شهر الوصمة إلى شهر الأمل” وتؤكد أن الحرب أوقفت العديد من الأنشطة التوعوية، لكن الوعي الذي ترسخ في قلوب النساء لا يزال حياً.

ورغم هذه التحديات، تعمل منظمات سودانية وأوغندية على تقديم الدعم للنساء المصابات. من أبرزها منظمة دعم سرطان المرأة في أوغندا (UWOCASO) التي تقدم المساندة النفسية والاجتماعية للمصابات بسرطان الثدي وعنق الرحم، إضافة إلى مؤسسات أخرى توفر السكن المؤقت والتدريب المهني للنساء المريضات لتحسين فرص استقلالهن المالي. وخلال شهر أكتوبر، تشهد أوغندا فعاليات “أكتوبر الوردي” للتوعية بسرطان الثدي، تتضمن حملات للكشف المبكر وبرامج تدريب للأطباء والممرضين، ومبادرات توعية تنفذها منظمات مثل “قادرات” و“نساء حول العالم” بالتعاون مع منظمات أفريقية أخرى.

في كمبالا كما في مروي، تظل قصص السيدات السودانيات المصابات بالسرطان شاهداً على وجع مضاعف، حيث يجتمع المرض واللجوء والنزوح في دائرة واحدة. ومع كل أكتوبر جديد، يجدن في اللون الوردي مساحة للأمل، رغم كل ما يحيط به من ألم.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد () بغرض تسليط الضوء على معاناة النساء السودانيات المصابات بالسرطان داخل السودان وفي بلدان اللجوء، خصوصاً في أوغندا، حيث تتقاطع التحديات الصحية مع الأوضاع الاقتصادية والنزوح. حيث يبرز نقص الخدمات الطبية وارتفاع تكاليف العلاج وتأخر التشخيص، إلى جانب الأثر النفسي والاجتماعي للمرض في ظل استمرار الحرب وتدهور النظام الصحي.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.