اخبار السودان

سودانيات بين الاغتصاب والاستغلال في ليبيا السودانية , اخبار السودان

اغتصب الكبرى وهددنا باغتصاب الصغرى إن نطقنا

هربت ليلى مع زوجها وأطفالها الستة من السودان بداية 2024 عندما ما هاجم مسلحون منزلهم في أم درمان واقتادوا أخاها إلى وجهة لا تعلمها حتى الآن.

اتجهت إلى مصر ومنها إلى ليبيا بعد أن دفعت للمهربين 17 ألف جنيه مصري (ما يعادل نحو 350 دولار أمريكي).

“تدهورت صحة ابني واحتاج رعاية طبية بعد ضرب كثير تعرض له حين احتجزنا مهربو البشر في ليبيا طلبا للمال”، تقول ليلى.

أطلق المهربون سراحهم بعد أيام. واعتقدت ليلى أن حياة آمنة في انتظارها وعائلتها بعد أن استأجروا غرفة في المدينة وبدأوا البحث عن عمل.

خرج زوجها بحثا عن عمل قبل أشهر ولم يعد. مازالت تنتظره وتأمل عودته لكنها تخشاها أيضا. تخاف ردة فعله إن عرف أن ابنته ذات التسعة عشر عاما اغتُصِبت في غيابه.

تعرف ليلى من اغتصب ابنتها لكن لا حول لها ولا قوة.

“نعرف من اغتصبها لكنه هددها بأنه سيغتصب أختها الصغرى إن هي نطقت بحرف.” تقول ليلى بصوت مرتعش خافت وهي تحدثني من غرفة مغلقة خشية أن يسمعها أحد أو أن تعرف الجارة التي يستأجرون منزلها فتطردهم.

“نعيش الآن في رعب، لا نجد ما نأكله في أيام كثيرة، حرم أبنائي من حقهم في التعليم، ابني الصغير يخشى حتى الخروج من البيت لأن الأطفال يضربونه ويعايرونه بلونه الأسود، أشعر أني سأجن” تقول ليلى لبي بي سي.

تشعر ليلى أنها وأطفالها عالقون في ليبيا، ليس لديهم مال يدفعونه للمهربين ليخرجوهم منها ولا يستطيعون العودة إلى السودان الذي تمزقه الحرب وترهق أهله المجاعة.

منذ بداية الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل نيسان 2023، هجِّر نحو 11 مليون سوداني من بيوتهم وانتشرت المجاعة في البلاد وبات نحو نصف سكانها في احتياج شديد للمساعدات الغذائية، كما تقول تقارير المنظمات الدولية.

وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن 210 آلاف سوداني دخلوا ليبيا منذ بداية الحرب منتصف أبريل حتى بداية يناير 2025.

يقول طارق لملوم الباحث في قضايا المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا، وهو الذي ساعدني في الوصول إلى بعض اللاجئات اللاتي تحدثت إليهن عبر الهاتف، إن النساء من سود البشرة هن الأضعف من بين الضحايا في ليبيا وإن “تعرض اللاجئات من السودان، خاصة العاملات في المنازل، للاغتصاب أمر يتكرر كثيرا”.

وتحدث الاعتداءات الجنسية على المهاجرات غالبا على يد تجار البشر أو المواطنين الذين يشغلونهن.

وكانت النيابة العامة في ليبيا قد فككت شبكة تهريب واتجار بالبشر في الشويرف جنوب غرب ليبيا نهاية شهر أغسطس هذا العام واقتحمت مخزنا احتجز فيه ألف وثلاثمائة مهاجر.

وقال بيان النائب العام إن السلطات “خلّصت بعضهم من الاحتجاز القسري، وضروب التعذيب التي أُنزِلَت بهم لغرض إرغام ذويهم على دفع مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم.” ووجهت السلطات للمعتقلين من أعضاء العصابة تهم ارتكاب جرائم القتل وحجز الحرية والتعذيب والاغتصاب.

قد أسجن إذا اشتكيت رسميا

لم تسكت جميلة عندما تعرضت ابنتاها للاغتصاب، اشتكت لكن الشرطي الذي جاء ليعاين جريمة اغتصابهما في المستشفى تراجع عن تسجيل المحضر عندما عرف أن وجودها في ليبيا غير قانوني.

إذا سجلت الشكوى سينتهي الأمر بجميلة في السجن، حذرها الشرطي.

لم توقع ليبيا اتفاقية عام 1951 ولا بروتوكول 1967 الخاصين باللاجئين ولا تعترف بلجوء، وتعتبر كل من يدخل البلد دون تصريح رسمي “مهاجرا غير قانوني”.

لذلك لا تشتكي أغلب المهاجرات ضحايا العنف والاغتصاب رسميا، خوفا من السجن.

وقالت منظمة رصد الجرائم في ليبيا، والتي توثق انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا عن طريق ناشطين هناك بشكل سري، لبي بي سي إن الاعتداء الجنسي على المهاجرات “أسلوب ممنهج شائع في طرابلس والغرب ويحدث في الشرق بشكل أقل” و إن “وضع المهاجرين غير القانونيين أفضل قليلا في الشرق وإن كانوا يتعرضون للانتهاكات هناك أيضا”.

وتعتبر المنظمة عدم قدرة الضحايا على تتبع مضطهديهم قانونيا سببا من أسباب استفحال هذه الممارسة.

وقالت مهاجرات تحدثت إليهن بي بي سي إنهن تمكن من تسجيل شكاوى رسمية في الانتهاكات التي حصلت لهم في شرق ليبيا على عكس ما حدث لهن في طرابلس.

وتقتسم ليبيا حكومتان: حكومة طرابلس المعترف بها دوليا وحكومة الشرق ومقرها طبرق.

اغتصبت تحت تهديد السلاح ثم احتجزت دون سبب

هربت هناء، من دارفور بعد أن عانت فيها من الحبس مرارا لاتهامها بالنشاط السياسي المعارض، كما تقول.

لجأت إلى مصر بداية عام 2016 ثم انتهى بها المطاف في ليبيا نهاية عام 2023 أملا في دراسة ومستقبل أفضل لابنتها وابنها.

في ليبيا عاشت هناء وأولادها القصر “رعبا حرمهم النوم لأسابيع”.

كانت هناء تعيل أطفالها مما تحصل عليه من بيع القوارير البلاستيكية التي تجمعها من مكبات النفايات.

“نزل رجال من سيارة واقتادوني إلى غرفة داخل الغابة حيث اغتصبوني والسلاح مصوب نحو رأسي” تقول هناء.

في اليوم الثاني أخذها مغتصبوها إلى مركز قرأت على واجهته لافتة “دعم الاستقرار” وتركوها هناك. حبست أياما لا أحد يعرف ما ذنبها ولا أحد سألها ما الذي أتى بها إلى هناك، تقول هناء.

“رأيت هناك أمام عيني أولادا يضربون وتنزع ملابسهم بالكامل أمامي. رموني هناك أياما أتوسد نعلي البلاستيكي وأفترش الأرض لأنام، أطلب الذهاب إلى الحمام فيستجيبون بعد ثلاث أو أربع ساعات، تلقيت ضربا كثيرا على رأسي”.

تحدثت تقارير عديدة سابقة لمنظمات دولية عن اعتداءات يتعرض لها مهاجرون في ليبيا.

وكان تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2022 قد اتهم جهاز “دعم الاستقرار” هو مؤسسة أمنية تابعة للمجلس الرئاسي الليبي بـ”اعتراض طرق المهاجرين واللاجئين واحتجازهم تعسفيًا بعد ذلك، وممارسة التعذيب وفرض العمل القسري وغير ذلك من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان”.

توجهت بي بي سي بطلب للتعليق على الاتهامات في حق جهاز دعم الاستقرار للمجلس الرئاسي الليبي لكننا لم نتلق ردا.

قالت منظمة رصد الجرائم في ليبيا والباحث طارق لملوم الذي عمل مع منظمات مختلفة في السنوات الماضية وزار مراكز احتجار مهاجرين لبي بي سي، إن الاعتداءات الجنسية على المهاجرات تحدث أيضا في مراكز احتجاز المهاجرين التي من المفترض أنها تخضع لنوع ما من الرقابة منها مركز الإيواء والاحتجاز “أبوسليم” في طرابلس التابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية والمخصص للنساء والأطفال.

قالوا إن “استغلال المحتجزات جنسيا يتم داخل المركز بعلم من المشرفات عليه”.

وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد قالت عام 2023 إن هناك “عددا متزايدا من التقارير بشأن تعرض المهاجرين في مركز أبو سليم “لعنف جسدي وجنسي، يتضمن التفتيش الجسدي الحميم والاغتصاب”.

ولم تتلق بي بي سي ردا على أسئلة وجهتها إلى وزارة الداخلية الليبية وجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس بشأن هذه الاتهامات.

عبرت النساء اللاتي تحدثت إليهن عن شعور بالإحباط تجاه مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في ليبيا وقلن إن المفوضية تكتفي في أغلب الأحيان بتسجيل ما يحدث معهم ولا عون يذكر يتلقونه منها.

وقالت المفوضية لبي بي سي إن “أغلب اللاجئين في ليبيا هم في حاجة عاجلة للمساعدة الإنسانية والحماية” وإنها تساعد الأفراد المحتاجين لحماية دولية “كلما كان ذلك ممكنا في حدود ما يسمح به سياق عمل المنظمة في ليبيا التي لا تعترف باللاجئين وطالبي اللجوء”.

في الأثناء تبقى هناء وليلى وجميلة وسلمى كغيرهن من نساء ورجال، عالقات في ليبيا لا يستطعن العيش بأمان حيث لجأن ولا العودة إلى بلاد تمزقها الحرب.

“الظلم يبدأ من بلدك، خاصة إذا كنت امرأة” تقول جميلة التي اختتمت كلامها بدعاء لـ”آلاف النساء اللاتي يعانين ولا أحد يسمع قصصهن”.

نقلا عن بي بي سي

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *