
سلطة بورتسودان و تناقض المواقف من المجتمع الدولي
بكري الجاك
الحل السياسي المتفاوض عليه هو الموقف الموحد لكل المجتمع الدولي، إذن كيف يمكن لبورتسودان أن تأكل الكيكة و تحتفظ بها في نفس الوقت أو في التعامل مع الشعب السوداني كرهينة.
الموقف الرسمي المعلن لسلطة بورتسودان هو رفض تسليم المطلوبين للجنائية وعلى رأسهم المدعو عمر حسن أحمد البشير، و الموقف الرسمي للسلطة في بورتسودان هو رفض أي لجنة تحقيق دولية لما حدث من انتهاكات إبان هذه الحرب، بل أن ممثلي سلطة بورتسودان في الاجتماعات الاخيرة لمجلس حقوق الإنسان ( ليست الجلسة الطارئة) قبل أحداث الفاشر و الانتهاكات المروعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع كان هو رفض التجديد لبعثة تقصي الحقائق التي اصدرت تقرير العام الماضي قالت فيه إن القوات المسلحة السودانية و حلفائها و قوات الدعم السريع ارتكبوا انتهاكات فظيعة تصل إلى درجة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقد تفوقت قوات الدعم السريع التي خرجت من رحم رجال القوات المسلحة بأنها متهمة بارتكاب ابادة جماعية ضد المساليت في الجنينة، هذا مع التمييز أن جرائم الدعم السريع تفوق جرائم القوات المسلحة حسب التقارير. تصدق يا مؤمن في يوم الجمعة هذا أن وفد السودان في الاجتماعات الاستثنائية التي عقدت لمجلس حقوق الإنسان و التي اختتمت اليوم و أصدرت بيانا اليوم بتاريخ 14 نوفمبر، سأورد هنا بعض ما جاء فيه، طالب نفس المجلس الذي رفض تقريره و رفض التجديد لبعثته لتعمل بشكل مستقل للتحقيق في جرائم الحرب و رفض أن يمنح هذه البعثة حق دخول السودان، طالب وفد السودان نفس المجلس لادانة قوات الدعم السريع على الانتهاكات المروعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر، و بالفعل قد أدان المجلس في بيانه الذي صدر بالتوافق قوات الدعم السريع على جرائم الفاشر و حملها مسؤولية ما حدث وقرر إرسال بعثة للتحقيق بشكل مستقل، و لكن هل ستقبل سلطة بورتسودان ببقية بنود القرار؟
وفي نفس السياق، قبل يومين وجد تصريح لوزير الخارجية الأمريكي روبيو قبولا واسعا من داعمي القوات المسلحة و رحبت به سلطة بورتسودان في بيان رسمي باسم الخارجية، وفي التصريح تحدث روبيو عن تدفق الأسلحة لقوات الدعم السريع من قبل الامارات و عبر دول مجاورة وأن عدم التزام الدعم السريع بالتعهدات في حماية المدنيين و في التوسع في الحرب يشكل تحدي للوصول إلى سلام وأن الولايات المتحدة قد تقوم بتصنيف الدعم السريع منظمة ارهابية إذا استدعى الأمر من أجل الوصول الى سلام.
و لنفترض جدلا أن الولايات المتحدة صنفت الدعم السريع كمنظومة ارهابية مثل حماس و حزب الله و طالبان و الشباب الصومالي و القاعدة في غرب أفريقيا و لنفترض أن الولايات المتحدة والعالم استطاعوا من الحد من أو وقف تدفق الاسلحة للدعم السريع بالكامل، هل هذا سيوقف الحرب هكذا و بجرة قلم، أم أن التصور هو أن يكون للقوات المسلحة غلبة و يد عليا لإنهاء الحرب بنصر عسكري حاسم أو تفوق عسكري يمكنّها من فرض ارادة سياسية؟ وهل بالفعل أن نصر عسكري حاسم أمر ممكن بالنظر الي واقع و تجارب حروب السودان؟ و هل كانت الحركة الشعبية وحركات الكفاح المسلح التي تتحالف مع القوات المسلحة الآن عاجزة عن الحصول على سلاح لمواصلة الحرب لعشرات السنين؟
هذا وإن كان بيان الرباعية الصادر في 12 سبتمبر 2025 يتحدث عن وقف تدفق الاسلحة لأطراف الحرب بما فيها الجيش الذي يظن البعض أنه له شرعية تمنحه حق استيراد الأسلحة و عقد اتفاقيات دفاع مشترك و برغم أن بيان الرباعية و خارطة طريقها لم تتطرق للشرعية لا من قريب و من بعيد و الوفود التي ذهبت الى واشنطن لا تمثل حكومة بورتسودان و لا حكومة نيالا بل تمثل القوات المسلحة وقوات الدعم السريع و الموقف الرسمي للولايات المتحدة كان ومازال أنها لا تعترف رسميا بوجود سلطة شرعية في السودان، و إن كان هذا لا يبدو أنه موقف مصر والسعودية إلى حد ما، ما كدول فاعلة في الرباعية، وهذا على ما رشح كان سبب تأخر بيان الرباعية إلى 12 سبتمبر، وكان قد سبقته ثلاثة اجتماعات للرباعية لم يصدر عنها أي بيان من قبل. هل المليشيات المتحالفة مع الجيش تتمتع بشرعية الدولة ايضا و يسمح لها أن تشتري سلاح كما حاولت حركة مني من قبل عندما ذهب الى روسيا و هل تسليح كيكل الآن يمر عبر القوات المسلحة أم من دولة تسعى أن يكون لها رجل قوي ايضا في السودان؟ و هل حينما تقول الوساطة أطراف الحرب أو طرفي الحرب هي تساوي بين الجيش و حلفائه و الدعم السريع و حلفائه و هل عمليا يمكن الوصول إلى وقف لإطلاق النار إذا لم يتم التعامل مع أطراف الحرب، بغض النظر عن جدل الشرعية، كأطراف قتال وحسب إذ أن دخول مسألة الشرعية عمليا تعني إعطاء الحق لطرف لاصباغ شرعية على الحرب و هل سيكون للحرب تأثير أقل في الخراب والدمار إذا قالت الوساطة أنه لا يمكن المساواة بين الجيش والدعم السريع، هل هذا يعني أن الموت سيكون رحيما بسلاح طرف شرعي أم سيكون الموت قاسيا اذا تم بواسطة قوات متمردة أم أن الموت و الخراب سيظل هو الموت و الخراب، و الأهم ماذا تعني كلمة تمرد قانونيا في سياق ليس به أدنى مرجعية قانونية ذات مصداقية من لدن الانقلاب على الوثيقة الدستورية إلى تعديلها المسرحي و لا أظن هناك من يعلم عن صلاحيات الجوقة التي تتجول في بورتسودان لحصد الأموال قبل نهاية مولد الحرب، و هل اصباغ كلمة مليشيا على قوات الدعم السريع، و التي يرددها البعض بشيء من السعادة و التشفي، يعني عمليا انها لم تعد قوات تابعة للقوات المسلحة و ماذا عن قانون حرس الحدود لعام 2013 و ماذا عن قانون الدعم السريع الذي اجازه برلمان المؤتمر الوطني في 2017 و عدل البرهان المادة 5 فيه لاعطاء الدعم صلاحيات اوسع بعد ان انقلبا سويا علي الوثيقة الدستورية. و هل من مصلحة سلطة بورتسودان حقيقة الدخول في جدل الشرعية في الاساس اذ ما هو أساس شرعية البرهان الآن سوى وضع اليد و استغلال ظرف السودانيين النفسي نتيجة للخوف والهلع الذي أدخله ابن رحمهم: أعني الدعم السريع، في نفوسهم وأصبحوا كالمستجير من الرمضاء بالنار.
هذا في الوقت الذي يؤسس البرهان لنفسه شعبية زائفة تمجد القتل و الخراب و تسعى الى تزييف الحقائق بسد قرص الشمس في كبد السماء بيد عارية و بلسان كذوب. و البجاحة تبلغ أوجها حين يطالب من لا يملك أدنى مقوم أخلاقي من المجتمع الدولي أن يقوم بإدانة انتهاكات الدعم السريع، وقوة العين أن من يقوم بهذه المزايدة هم أنفسهم من قتل و شرد سكان دارفور، و يبدوا انهم تناسوا معسكرات النازحين في الفاشر لم تكن نتاج رحلات صيد و استكشاف للحياة الخلوية أو لأن معسكر كلمة و ابوشوك و نيفاشا هي معسكرات صيفية لطلاب المدارس، إذ هناك جيل كامل ولد و ترعرع في هذه المسكرات وجلهم لا يعرفون عن القرى التي أتي منها اهاليهم لانها احرقت بالكامل بواسطة قوات الجنجويد التي كانت قوات مشاة القوات المسلحة السودانية حتي يوم 15 أبريل 2023 حين تفرغت القوات المسلحة لتصدير اللحوم و التنقيب عن الذهب و الاستثمار في العقارات و حين أتي يوم حوبتها كما يقول أهلنا للقيام بدورها في حماية الوطن وفق قانون القوات المسلحة كانت النتيجة أن دعوا الشعب السوداني لحمل السلاح لحماية قوات الشعب المسلحة، وما زالو لا يخجلون ولا يستحون بل و يزايدون علي الشرفاء.
الأدهى والأمر أن ضاربي طبول الحرب الآن يدعون للجولة الثالثة من الحرب و هاهم يطالبون المجتمع الدولي بادانة الانتهاكات و بوقف تسليح “المليشيا” و ليس المليشيات حين يكون ذلك يتماشى مع اهوائهم و يرفضون رأي المجتمع الدولي حين يقول أنه لا يوجد حل عسكري لهذه الأزمة الوطنية، بل إن الرباعية كانت و مازالت الفرصة الوحيدة التي يمكن أن تجنب البلاد موجة الحرب الثالثة والتي ستكون أكثر وبالا على ما تبقى من مقدرات البلاد وشعوبها، وما قال به البرهان اليوم في السريحة الجريحة في ارض الجزيرة ارض الخير أنه لا هدنة و لا تفاوض مع الدعم السريع، هو بخلاف أنه تعامل مع الشعوب السودانية المغلوبة علي أمرها كرهائن، هو يقول بعين فكرة الاحتفاظ بالكيكة و أكلها في آن واحد فكيف لسلطة بورتسودان أن ترحب بمواقف المجتمع الدولي حينما تخدم خطها السياسي و تطلعاتها و ترفضها حينما لا تتماشى مع رغباتهم، هو المجتمع الدولي نفسه و حتى و إن صنف الدعم السريع منظومة ارهابية و اوقف تسليحه سيظل يقول أنه لا يوجد حل عسكري و أن أقصر الطرق لوقف حمامات الدماء و المعاناة و الكوارث هو حل سياسي متفاوض عليه، و هذا الحل به تفاصيل كافية لرد المظالم ومحاسبة الجناة و انهاء ظاهرة المليشيات و تعدد الجيوش و التوافق على مشروع وطني للحياة بدلا من الاحتفاء بالموت و الخراب بينما يغتني البعض و يكدس في الاموال في حرب مهما طال أمدها و تم الصرف عليها اعلاميا ستظل حرب فاقدة لاي مشروعية اخلاقية و ستظل مدخل لتفكيك البلاد و تحويلها الي كانتونات عسكرية، و سنظل نحن مهما استضعفنا و تهافت علينا الغثاء نقول أن صوت العقل سينتصر في نهاية المطاف.
أدناه نصوص مقتطعة من قرار مجلس حقوق الانسان في جلسة اليوم، و يا تري ماهو موقف سلطة بورتسودان في هذه البنود وقد قام المجلس بادانة لقوات الدعم السريع، فهل تقبل سلطة بورتسودان بهذه البنود أيضا؟
8. يكرر الدعوة إلى وقف فوري وكامل لإطلاق النار دون شروط مسبقة، وإنشاء آلية مستقلة للرصد، وحوار سياسي شامل بقيادة سودانية، يفضي إلى حكومة مدنية منتخبة؛
9. يدين جميع أشكال التدخل الخارجي التي تغذي النزاع، ويحث جميع الأطراف والجهات الخارجية على احترام وحدة السودان وسلامة أراضيه، ويدعو إلى تنفيذ حظر الأسلحة في دارفور؛
10. يشيد بعمال الإغاثة السودانيين و المستجيبين المحليين لشجاعتهم، ويدعو إلى حمايتهم؛
11. يؤكد أن المساءلة شرط أساسي لحل الأزمة، ويشدد على ضرورة التحقيقات المستقلة والملاحقات الجنائية، مع الإشارة إلى الدور المهم للمحكمة الجنائية الدولية؛
12. يطلب من بعثة تقصي الحقائق إجراء تحقيق عاجل في الانتهاكات المزعومة في الفاشر وما حولها؛
13. يطلب من البعثة تحديد جميع من توجد أسباب معقولة للاعتقاد بمسؤوليتهم، ودعم جهود المساءلة؛
14. يطلب من بعثة تقصي الحقائق تقديم تحديث شفوي قبل الدورة الحادية والستين، وتقرير كامل في تلك الدورة، يليه حوار تفاعلي
بكري الجاك
14 نوفمبر 2025
المصدر: صحيفة التغيير
