سلاح التجويع و توقف الزراعة ..الوجه الآخر للحرب الاقتصادية في شمال كردفان
تواجه ولاية شمال كردفان الواقعة غرب السودان أوضاعا إنسانية كارثية تفاقمت بسبب تطاول النزاع المتصاعد بين الجيش و الدعم السريع في معظم مناطق البلاد، وفي الوقت الذي تقع فيه مدينة الأبيض حاضرة الولاية تحت سيطرة الجيش السوداني تظل معظم المناطق الأخرى بالولاية خاضعة لسيطرة الدعم السريع .
التغيير فتح الرحمن حمودة
و في ظل هذه الظروف المعقدة و الأوضاع الإنسانية التي تعيشها المنطقة منذ اندلاع الحرب فقد انتقلت إلى مراحل معقدة ومؤخراً تحولت إلى حرباً إقتصادية باستخدام سلاح التجويع هذا بجانب تدهور الأوضاع الصحية وتفشي الأمراض المرتبطة بفصل الخريف ما يترتب عليه كوارث أخرى.
يقول محمد أحمد أحد مواطني شمال كردفان لـ «التغيير» إن في منطقته لا يوجد مجهود لمحاربة أمراض الخريف مثلما كان في السابق بإنتظام حملات رش المبيدات الحشرية في الاسواق الأسواق والمنازل، كما أشار الى عدم وجود جهود كافية و انعدام الوقود لتشغيل الآليات، و أوضح أن توزيع الأدوية غير متوفر و لا توجد حكومة تعمل على معالجة هذه المشاكل على حد تعبيره .
ويتفق معه ماهر سعد الله في أنه لا توجد أي جهود لحملات النظاقة أو استخدام المبيدات الحشرية على الرغم من انتشار البعوض والذباب و أوضح لـ «التغيير» أن أدوية الملاريا متوفرة وتصرف من المستشفى التعليمي للمدينة لآفتاً إلى وجود محاولات لتصريف المياه إلا أنها ضعيفة وغير كافية لمعالجة المشكلة بشكل فعال .
و تشهد ولاية شمال كردفان للسنة الثانية على التوالي غياب الموسم الزراعي نتيجة انعدام الأمن بعد دخلت المنطقة دائرة القتال بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي .
وفي ذات السياق قالت التومة فضل الله لـ «التغيير» إن انعدام الأمن في المنطقة تسبب في سرقة التقاوي التي كانت معدة لمواسم الزراعة المنصرمة و الحالية وتضيف أنه مع استمرار الحرب لعامين كان قد نفد مخزون المواطن من الغذاء ما زاد من حدة الأزمة الغذائية.
و أكدت مصادر «التغيير» أن فصل الخريف هذا العام خلق تأثيراً كبيراً على مناطق الولاية، و تتركز الزراعة حالياً في الإدارية الشرقية لمحلية شيكان فيما خرجت المناطق الأخرى من دائرة الإنتاج و لا توجد بها زراعة نتيجة سيطرة الدعم السريع على معظمها .
و كانت قد شهدت العديد من محليات الولاية معدلات أمطار غير مسبوقة تسببت في انهيار واسع لمنازل المواطنين و البنية التحتية إلى جانب انتشار أمراض الملاريا والحميات.
و الثلاثاء الماضي تعرضت منطقة “الكوكيتي” التابعة لمحلية بارا لهطول أمطار غزيرة نتج عنها سيول جارفة أغرقت معظم احيائها و أدت إلى انهيار عدداً كبيراً من المنازل و السوق المحلي والمدرسة بالمنطقة .
و في هذا الصدد قال محمد الطاهر إن هذه الكارثة تسببت في نزوح جماعي للمواطنين وسط انتشار واسع للأمراض و الأوبئة في ظل غياب كامل للتدخل الحكومي، و أضاف “لم يتم تنظيم أي حملات لرش البعوض أو مستنقعات المياه كما لم تتخذ الحكومة أي إجراءات لمكافحة نواقل الأمراض .
و رغم شح الموارد نشطت مبادرات شبابية بتنظيم حملات تطوعية لمكافحة هذه الأوضاع المتردية، لكنها قاصرة على مناطق سيطرة الجيش فقط.
وأوضح الطاهر أنه في مدينة الأبيض كانت قد انطلقت مبادرات شبابية هدفت لتحسين البيئة و تعزيز نظافتها بينما في مدينة بارا قام بعض الشباب بمبادرة ذاتية في كل حي بتنظيم حملات رش لمكافحة الآفات داخل أحياء المدينة.
و على الصعيد الصحي لم تشهد الولاية أي خطة صحية لمواجهة موسم الخريف هذا العام الذي عادة ما يشهد تفشي الأوبئة والكوارث الصحية .
و كان قد اشتكي السكان من انتشار مرض فيروسي يصيب العيون دون أن تصدر وزارة الصحة أي تقرير أو حتى تعريف بالمرض و طرق العدوى، وتم تسجيل حالات اسهال متفرقة يرجح أنها نتيجة لاستخدام مياه غير صالحة للشرب بسبب تدمير معظم مصادر المياه في المنطقة.
و ذكر شهود عيان من سكان الولاية لـ أن العديد من المناطق تشهد نقصاً حاداً في المواد الغذائية إلى جانب انعدام السيولة المالية التي أجبرت المواطنين على الاعتماد الكامل على التعاملات البنكية في ظل انقطاع متواصل لخدمات الاتصالات و الإنترنت.
و منذ مايو الماضي ظلت ولاية شمال كردفان تعاني من انقطاع للتيار الكهربائي المستمر لمدة تقارب المئة يوم و رجح البعض.
وبالتزامن مع دخول فصل الخريف هذا العام تحولت الحرب في الولاية الى جانب المواجهات العسكرية إلي حرب اقتصادية طاحنة وضعت سكان المنطقة في ظروف معيشية واقتصادية طاحنة.
ومنذ اندلاع الصراع منتصف أبريل الماضي ظلت شمال كردفان تشهد معارك بين عنيفة متكررة، فيحاول الجيش فرض سيطرته على الولاية بينما الدعم السريع يهاجم من أجل انتزاعها مثل ما حدث في ولايات دارفور والجزيرة وسنار.
المصدر: صحيفة التغيير