اخبار السودان

سقوط نظام الأسد .. والتحولات في المنطقة!!

التاج بشير الجعفري

 

إنهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد فجر يوم الأحد والذي تفاجأ به الجميع كان حدثا تاريخيا ستؤثر تداعياته المستقبلية على المنطقة العربية والعالم ككل وذلك للأهمية الجيوسياسية لسوريا وأيضا لما يمكن أن تتمخض عنه نتائج هذا التحول الكبير الذي بلا شك ستمتد آثاره في عدة جبهات هي بالأساس جبهات ملتهبة وتتداخل في تعقيداتها وتقاطعاتها الكثير من الدول العالمية ودول الإقليم.

ما حدث من تحول دراماتيكي في سوريا يمثل إنتصارا كبيرا ومستحقا للشعب السوري وثورته التي صمدت لأربعة عشر عاما دون كلل أو ملل وهذا ما يؤكد أن إرادة الشعوب لا تقهر وأنها حتما ستنتصر وإن طال الزمن.

ولكن أيضا لا ينبغي أن نخدع أنفسنا بأن ما حدث من إنتصار لإرادة الشعب وثورته قد تم بعيدا عن الأيادي الخفية (واللاعبين الكبار) الذين يتحكمون في شؤون العالم الذي نعيش فيه.

فروسيا ، الدولة العظمى الثانية في العالم ، دخلت في الأزمة السورية منذ بداياتها واصبحت لاعبا رئيسيا في إدارتها بحكم مصالحها في هذا البلد ولذلك لا يجب أن نتوقع تخليها عن حليفها الرئيس دون أن تضمن مصالحها ودورها في الملف السوري مستقبلا ؛ ونفس الشيىء ينطبق على تركيا الجارة الحدودية التي تسعى للعب دورها الإقليمي واستخدام الملف السوري في تسوية خلافاتها وتقاطعاتها مع الدول الكبرى (روسيا وأمريكا تحديدا) تحقيقا لمصالحها ، بالإضافة لخشيتها من عدم أستقرار الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا بعد أن تحملت العبء الأكبر من التداعيات السلبية للأزمة السورية من هجرة ونزوح وعدم إستقرار للأوضاع الأمنية أضطرها للتدخل العسكري المباشر أكثر من مرة.

الولايات المتحدة ليس بعيدة عن ما حدث ولديها 900 جندي على الأراضي السورية ولديها مصالحها وهنالك أيضا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي لديها مصالحها الخاصة رغم أن الولايات المتحدة تفرض سيطرتها عليها وتستخدمها متى ما أرادت.

إيران التي ساندت نظام الأسد وسعت بكل ما تملك لتثبيت أركانه وفقدت الكثير من قادتها وخبرائها ربما تكون ضمن اللاعبين الذين توصلوا للصفقة (المحتملة).

أما اسرائيل فهي المستفيدة من كل ما يحدث وهي التي تنتهز مثل هذه الفرص لخلط الأوارق تحقيقا لمصالحها ناهيك عن سعيها الخفي والمعلن بمباركة ومساعدة الولايات المتحدة والدول الغربية لأجل توسيع نفوذها وإضعاف الدول العربية.

أيضا غني عن القول أن الدول المتنفذة والمستفيدة من بقاء نظام الأسد وتلك التي تؤيد ثورة الشعب السوري لم يكن لها أن تتوافق على أي صفقة لإزاحة نظام الأسد إلا بعد أن تأكدت تماما أن تكلفة بقائه أصبحت كبيرة وأنه أصبح عبئا ثقيلا عليها وبعد أن ضمن كل طرف مصالحه ودوره المستقبلي في سوريا (الجديدة).

مربط الفرس هو أن التغيير الذي يبدو ثوريا عابرا وراءه أيادي خفية ، لدول متنفذة ، باركته بعد أن ضمنت مصالحها ؛ وما تبقى الآن هو تحقيق مصالح الشعب السوري من هذا التحول وذلك يستلزم تضافر كافة فصائل المعارضة المدنية والعسكرية من أجل التوافق على كيفية بناء سوريا (الجديدة) وأيضا الوقوف سدا منيعا ضد هيمنة الدول الخارجية التي تشترك في إدارة الشأن السوري.

البقاء في هذا العالم بعيدا عن الدول الكبرى والمتنفذة في القرار العالمي غير ممكن ؛ ولكن ما هو ممكن ويجب القيام به هو تقوية الجبهة الداخلية وتوحيد القرار الوطني وتغليب المصلحة الوطنية فيما يخص القضايا المصيرية والإستراتيجية وأن تبنى العلاقات مع الدول على أساس المصالح المشتركة من خلال إتفاقيات قانونية واضحة تضمن حقوق كل الأطراف.

بنظرة سريعة لواقعنا السوداني ، ليست الدول الكبرى في العالم بمنأى عن ما يحدث في بلادنا بل هي داعمة له وتحاول جاهدة غض الطرف بحجة إنشغالها بقضايا ونزاعات أكثر أهمية ، ولكن الصحيح أن إيقاف الحرب في السودان ليست من أولوياتها الآن ؛ ولكن عندما تحين اللحظة المناسبة ستسعى بكل ما تملك لفرض الحل الذي تراه مع الشركاء ؛ وهنا أكرر أن المحصن الوحيد ضد الأضرار التي تسببها تدخلات الدول الأجنبية هو التوافق الوطني على أجندة جامعة تحافظ على الثوابت الوطنية وتلتف حولها كل القوى والأحزاب والكيانات والمكونات المدنية دون إستثناء لأحد إلا من خلال الإجراءات القانونية.

بدأ لي أن التحول الذي حدث في سوريا ستكون نتائجه أفضل مما حدث في دول أخرى ، وقد تأكد لي ذلك من خلال حديث القائد العسكري لهيئة تحرير الشام في لقائه مع قناة (سي إن إن) الأمريكية الذي قال فيه أن المؤسسات العامة والوزارات ستكون تحت إدارة رئيس الوزراء الحالي وهي خطوة ممتازة ستحافظ على ممتلكات الشعب وكيان الدولة ؛ كذلك أكد على وحدة كافة الفصائل العسكرية المعارضة وحث مقاتليه أن يبتعدوا عن المقرات العامة والمحافظة على المدنيين مؤكدا ضرورة توافق الجميع على كيفية بناء سوريا (الجديدة).

ختاما ، تمر منطقتنا العربية بمخاض عسير وتحولات كبيرة في ميزان القوى والتحالفات وقد بدأ ذلك جليا منذ أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م والتي رسمت خطا جديدا لسير الأحداث والمآلات في المنطقة العربية ، وما زال هنالك الكثير الذي ستفصح عنه الأيام القادمة.🔹

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *