صلاح شعيب
الهزيمتان القاسيتان اللتان تعرض لهما الجيش في بارا، والفاشر، قابلتهما تصريحات من سلطة بورتسودان بأن في الحالتين كان هناك انسحاب تكتيكي. ولكن هل ثمة علاقة بالهزيمتين على التوالي مع ما يجري من حوار غير مباشر بين الجيش والدعم السريع، خصوصاً بعد اعتراف البرهان باللجنة الرباعية، والتواصل معها في واشنطن، وتنفيذ أجنداتها، دون اطلاع شركائه بالأمر؟.
برغم قدرات الدعم السريع القتالية المعروفة في إنزال الهزائم على الجيش، فقد ضجت الأسافير بتخوين كبار البلابسة المشتركة لكونها كما رأوا قد “قدت الصندوق” للمرة المليون. وقابل هذا الاتهام غضب من النشطاء المؤيدين لمناوي وجبريل بأنهم حرروا بارا، وسلموها للجيش بعد تضحيات كبيرة. ولكن كما قالوا إن الجيش تداعى، وانكسر حتى خطف الدعم السريع المدينة الوادعة بكل سهولة. وقد تواصلت الملاسنات طوال اليوم بين شركاء الحرب، وشمل التلاؤم مهاترات بين الطرفين، ودعا مؤيدون للمشتركة إلى التخلي عن دعمهم للجيش الذي لم يقدر تضحياتهم في الحرب لفك الحصار عن عاصمة الإقليم، وكذلك أشاروا إلى أنه لولا المشتركة لسقطت بورتسودان أيضاً.
ولم تنته الاتهامات المتبادلة حتى فاجأنا الدعم السريع اليوم بإسقاط الفاشر الذي عده الجيش انسحابا تكتيكيا لا يقل إجادة عما حدث من انسحابه من مدني إبان تلك المواجهات العسكرية التي أدت إلى تعيين كيكل مسؤولا عن الجزيرة.
بعض المحللين رأوا أن فصيل المشتركة لم يستشر فيما يتعلق بمفاوضات واشنطن التي قد تفضي لتهميشهم. ولذلك كانت بارا، ثم الفاشر، رسالتين للبرهان. فحواها أن للمشتركة أوراق ضغط كثيرة تستطيع استخدامها عند تجاهلها في مستقبل حكم البلاد، وأول الغيث قطرة أودت بالمدينتين، وما خلف ذلك من خسائر فادحة لجنود الجيش.
آخرون أكدوا أن الأمر لا يتعلق بتآمر المشتركة وحده ضد البرهان في ما تعلق بسقوط بارا، والفاشر، وإنما الحقيقة الساطعة أن معظم الجيش المتهم بولائه للحركة الإسلامية هو الذي دبر الانسحاب من بارا، والفاشر، لتكون رسالته للبرهان أبلغ في سياق التطورات الجارية لإقصاء المؤتمر الوطني من حكم الانتقال بعد إحداث التسوية.
وكما نعلم أن الارتباك الذي سببه غموض موقف البرهان المستتر من أذى للحركة الإسلامية قد أغضب قادة المؤتمر الوطني الذين طالبوه بسحب وفده المفاوض، وفقا لمصادر صحفية. ولذلك فإن ورقة الإسلام السياسي للضغط على الرهان تبقى أيضاً موجعة، كما قال بعض الكتاب الإسلاميين.
سواء كان سقوط مدينتي بارا، والفاشر، بفعل قتال الدعم السريع الضاري فحسب، أو بفعل انسحاب المشتركة، أو جيش الحركة الإسلامية لإظهار رسالة عميقة إلى البرهان الناكر للجميل، فإن الأيام القادمة ستكون حبلى بالحقيقة المجردة.
ولكن السؤال هو هل يبقى التآمر ضد البرهان بهذه الطريقة المفترضة مستمراً، ونشهد لاحقاً انسحاب المشتركة، والإسلاميين كلية من دعمه العسكري، والإعلامي إذا أثمرت الرباعية عن اتفاق تسوية بين سلطتي بورتسودان، ونيالا، أم أن القصة كلها متعلقة بتلقي الدعم السريع أسلحة جديدة مكنته من تحقيق هذين الانتصارين. وبالتالي تبقى الرسالة أصلاً قد بعثت من الجهات الخارجية الداعمة للدعم السريع؟..
والمعنى هنا أن أوراق الضغط الدولية قد بدأت لحمل البرهان على تغيير مناوراته المعاكسة لرغبة ترمب في امتلاك نوبل العام القادم، ولذلك يُذكر سقوط بارا، والفاشر بسقوط إدلب، وحماة، ومن بعدها تداعت المدن السورية، وآخرها دمشق. إن غداً لناظره قريب.
المصدر: صحيفة التغيير