مثل سقوط الفاشر نقطة تحول استراتيجية بالغة الأهمية في ميزان الصراع السوداني وحرب 15 ابريل 2023م، سيكون له ما بعده.

تقرير: التغيير

في مشهد دراماتيكي مؤلم، سقطت الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، على يد قوات الدعم السريع لتكتب فصلاً جديدًا في حرب 15 أبريل 2023م التي ألقت بظلالها الكثيفة على مستقبل السودان.

ومع استمرار طرفي النزاع في التمسك بالحل العسكري ورفض كل الدعوات للسلام، تزداد المخاوف من أن تؤدي هذه الحرب إلى تقسيم البلاد، وتعيد رسم خريطة السودان بشكل مأساوي لم يكن يتوقعه أحد.

وأعلنت قوات الدعم السريع، الأحد الماضي، سيطرتها على الفاشر، مما يُعد تحولًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في ميزان الصراع السوداني، سيكون له ما بعده.

مجازر وانتقادات

لم يكن سقوط الفاشر في يد الدعم السريع مفاجئًا للخبراء والمتابعين للقتال في المدينة، إذ ظل جنود الجيش والمدنيين يواجهون خطر الموت جوعًا بسبب نقص الغذاء والدواء جراء الحصار المستمر منذ مايو 2024م، حتى اضطروا لأكل “الأمبار” وهو علف للحيوانات حفاظًا على حياتهم  ودفاعًا عن مدينتهم التي تًعد آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور.

وبعد سيطرة الدعم السريع على المدينة الاستراتيجية، لم تكتف بالقضاء على القوات المقاتلة بل وجهت بنادقها نحو المدنيين الفارين من جحيم القتال، وأطلقت الرصاص الحي صوب الأطفال والنساء وكبار السن، ووثق أفراد القوات نفسها عبر كاميرات هواتفهم هذه الانتهاكات، كما فعلوا في المجازر السابقة ضد مكون المساليت في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور خلال الأشهر الأولى للحرب.

وقوبلت هذه المجازر بانتقادات حادة من جهات محلية وإقليمية ودولية، وطالبت بمحاكمة الجناة لضمان عدم إفلاتهم من العقاب.

وقد أقر قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” بوجود تجاوزات في مدينة الفاشر ووعد بمحاسبة المتورطين فيها. وفي تطور لاحق، أعلنت قوات الدعم السريع الخميس، القبض على الفاتح عبد الله إدريس  المعروف بـ”أبو لولو”، أبرز المتورطين في الجرائم ضد المدنيين.

موقف “المشتركة”

ورغم أن مراقبين توقعوا أن يؤدي سقوط الفاشر إلى فض الشراكة بين الجيش والقوة المشتركة للحركات التي تقاتل إلى جانبه منذ تخليها عن الحياد قبل نحو عام ونصف، إلا أن “المشتركة” أكدت في بيان بعد ساعات من سقوط  الفاشر، التزامها بالقتال إلى جانب الجيش حتى القضاء على الدعم السريع.

وطالبت القوة المشتركة في بيانها، بضرورة تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية وتقديم قادتها للعدالة الدولية.

وأدانت ما وصفته بـ”الجرائم البشعة” التي ترتكبها قوات الدعم السريع في دارفور، وحملت الجهات والدول الداعمة لها المسؤولية الجنائية والأخلاقية والقانونية عما يحدث في مدينة الفاشر.

كما أكد قائدا حركتي جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، والعدل والمساواة جبريل إبراهيم، اللذين يُعدان أكبر مكونين للقوة المشتركة، التزامهما بالقتال إلى جانب الجيش حتى القضاء على الدعم السريع وتحرير كل شبر من البلاد.

وأشارا إلى أن هذا الهدف يأتي أيضًا سعيًا للاقتصاص من الذين واجهوا إبادة جماعية وتطهيرًا عرقيًا في الفاشر، وفقًا لما ذكروه.

لكن ذلك لم يمنع المراقبين من توقع تحولات جديدة في المواقف وفقاً لتطورات الوضع الميداني والسياسي، قياساً على تجارب هذه الحركات وتحولاتها الكبيرة عطفاً على الظروف.

نهاية الفتن

واعتبر مستشار قائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخير، أن “تحرير مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور يمثل نهاية للفتن وسقوطًا للأكاذيب والمؤامرات التي كانت الحركات الإسلامية تحيكها وتروج لها بين المواطنين في غرب السودان”.

وأكد مخير في تصريح لـ(التغيير)، تصميم قواتهم على الزحف نحو معاقل “جيش الحركات الإسلامية الإرهابية”، وعزمهم على “تحرير الشعب السوداني من سيطرتها والهيمنة التي مارستها لعقود”.

وتابع قائلًا: “بتحرير الإقليم من قبضة جيش الحركة الإسلامية آن لشرق السودان أن يستيقظ”.

تداعيات عسكرية

ورأى مراقبون عسكريون، أن التداعيات العسكرية للسيطرة على الفاشر، أنها تمكن قوات الدعم السريع من السيطرة على كامل إقليم دارفور، مما يُمكنها من تأمين الإمدادات بسهولة أكبر والتوجه لحسم المعارك في كردفان.

وأكدوا أن سقوط الفاشر يُعد خسارة معنوية كبيرة للجيش السوداني، خاصة وأنها كانت آخر معقل استراتيجي خارج قبضة الدعم السريع في دارفور.

إلا أن الخبير العسكري والاستراتيجي المقدم عمر أرباب رأى عكس ذلك، وقال لـ(التغيير): “أعتقد أن قوات الدعم السريع لا تفكر في توسيع سيطرتها إلى مناطق جديدة، خاصة وأن هناك مناطق داخل سيطرتها لا تزال تحتوي على قوات الجيش والمشتركة، والتي تُعتبر قوات معادية بالنسبة لها”.

وأضاف أن قوات الدعم السريع ستسعى في المقام الأول إلى تأمين مواقعها ومحاولة بسط سيطرتها الكاملة على المناطق التي تسيطر عليها بالفعل.

وتابع: “بعد تأمين تلك المواقع، قد تفكر قوات الدعم السريع في التوسع لاحقًا لضم مناطق أخرى من قوات الجيش، ما لم تطرأ تطورات جديدة على صعيد التفاوض أو العملية السياسية”.

بداية الانفصال

ويتخوف مراقبون من أن يكون سقوط مدينة الفاشر آخر معاقل الجيش وتواجد الحكومة في إقليم دارفور، بداية لانفصال حقيقي في السودان، كما حدث في ليبيا والصومال.

وبدوره، قال المحلل السياسي، المختص في الشؤون الإفريقية د. محمد تورشين لـ(التغيير)، إن سقوط مدينة الفاشر يسهم في  ترسيخ نماذج حكم مختلف، حيث يحاول الدعم السريع ترسيخ حكم “تأسيس” على أرض الواقع.

وأضاف: “هذا الأمر قد يجعل العديد من المدنيين يحاولون تأكيد أن الوضع مميز، مما يجعل المدنيين يعودوا إلى تلك المناطق، وبالتالي هذا سيمنح الدعم السريع شكلًا من أشكال الاعتراف وبابًا للشرعية على المستوى الإقليمي والدولي، ونظرًا لأن العديد من الدول والمنظمات تتعاطى مع هذا  الوضع بسياسة الأمر الواقع”.

وتساءل تورشين: “هل يستطيع الدعم السريع أن يمارس ممارسات مختلفة عما هو عليه الآن؟ خاصة وأن عناصر الدعم السريع ترتكب جرائم في حق المدنيين كما يحدث في الفاشر ومن قبل في الجنينة وزالنجي”.

وقال: “مسألة عدم تقبل الآخر من المجموعات غير العربية في دارفور تدفع العديد من المجتمعات إلى اللجوء إلى دول الجوار أو المناطق الآمنة، مما سيُفشل مخطط الدعم السريع في محاولتها للاعتراف بواقع جديد أو صنع واقع للاعتراف به”.

ولفت  محمد  تورشين إلى أن الدعم السريع لن ينجح في التوجه إلى الخرطوم، لكنه قد يلجأ إلى استخدام حرب المسيرات لتدمير البنية التحتية، مما سيمنع المدنيين من العودة إلى الخرطوم ويعطل قدرة الحكومة على ممارسة عملها.

وأضاف: “في هذه الحالة، سيتمكن الدعم السريع من ممارسة ضغط كبير وتحقيق مكاسب في إطار التفاوض أو الحرب العسكرية بعد سيطرته على إقليم دارفور، مع احتمال حدوث مناوشات في المناطق الآمنة”.

وتأتي هذه التطورات مع تصاعد دعوات محلية ودولية لوقف القتال الذي أسفر عن أكثر من 20 ألف قتيل ونزوح نحو 15 مليون شخص داخل وخارج السودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في أبريل 2023م.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.